دراساتصحيفة البعث

عقوبات وحشية و دموع تماسيح

سمر سامي السمارة

 

تواصل الولايات المتحدة حربها على الشعب السوري في الوقت الذي تدعي فيه قلقها على المدنيين السوريين، وبعد سنوات من قتل وتشريد آلاف السوريين، وتقديم الدعم للمسلحين المناهضين للدولة السورية، طبقت الولايات المتحدة التي تزعم “حماية المدنيين” قانون قيصر، الجولة الأخيرة من العقوبات الصارمة ضد الشعب السوري، ثم أتت بعد أسابيع قليلة من تطبيق هذه العقوبات البربرية لتذرف دموع التماسيح على معاناة السوريين، زاعمة أن موسكو ودمشق تمنعان إيصال المساعدات الإنسانية.

تبدو كلمة “عقوبات” صغيرة للغاية أمام ما تمارسه الولايات المتحدة ضد المواطنين السوريين، لأن هذه العقوبات تركت أثراً كبيراً على قدرة السوريين على استيراد الأدوية أو المواد الخام اللازمة لتصنيعها، والمعدات الطبية، والآلات والمواد اللازمة لتصنيع الأطراف الصناعية.

وقد أكدت الحكومة السورية أن العقوبات الأخيرة منعت بالفعل المدنيين من الحصول على الأدوية المستوردة، خاصة المضادات الحيوية بعد أن سحبت بعض الشركات تراخيصها الممنوحة لمصانع الأدوية خوفاً من العقوبات الأمريكية، أو تحالفاً مع سياسات واشنطن الهوجاء، وما يثبت صحة الموقف السوري هو تفاخر المبعوث الأمريكي إلى سورية جيمس جيفري بأن هدف العقوبات تدمير الاقتصاد السوري، والمساهمة في انهيار قيمة الليرة، ومن المثير للدهشة أن الولايات المتحدة لا تكتفي بكل هذه الجرائم ضد الإنسانية، بل تنهب موارد النفط السورية التي تصل قيمتها إلى 30 مليون دولار شهرياً، وكانت وكالة “سانا” أبلغت في مطلع الشهر الحالي عن قافلة أخرى تغادر سورية إلى العراق محمّلة بالنفط المسروق من المناطق التي تقع  تحت سيطرة الاحتلال الأمريكي، أما الإرهابيون المدعومون من الولايات المتحدة فيقومون بسرقة القطن، والزيتون، والقمح والدقيق من سورية، بالإضافة إلى قيام الولايات المتحدة والاحتلال التركي برمي بالونات حرارية عمداً على المحاصيل فوق الأراضي الزراعية، وإشعال النيران، وإطلاق الذخيرة الحية على من يحاول إطفاء الحرائق، ومؤخراً أوقفت قوات الاحتلال التركي الضخ من محطة مياه علوك بريف بلدة رأس العين، ما أدى إلى حرمان مليون شخص في منطقة الحسكة من مياه الشرب والزراعة، دون إدانة من مجلس الأمن، رغم أن هذه العقوبات تنتهك القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة واتفاقيات جنيف، وتستهدف المدنيين، وتخلق المجاعات، وتؤدي إلى فوضى اقتصادية.

يتظاهر الزعماء الغربيون بأنهم يريدون تقديم المساعدات للمدنيين السوريين، واللافت أمام كل ما يجري أن الإعلام الغربي يتجاهل- بعد ما يقرب من 10 سنوات من الحرب على سورية- الاستهداف المتعمّد من قبل الإرهابيين وقوات الاحتلال الأمريكي والتركي والصهيوني للبنية التحتية لسورية، ونهب النفط والقمح والقطن، وسرقة صناعة حلب، ونقل الآليات الثقيلة بالشاحنات في وضح النهار إلى تركيا، ومؤخراً أصدر مجلس الأمن الدولي قراراً بالإبقاء على معبر حدودي واحد على الحدود السورية التركية، وهو معبر باب الهوى، وقبل ذلك، تبنت روسيا قراراً يمكّن من الإيصال المأمون للمساعدات الإنسانية من داخل سورية، وفي 11 تموز، أصدرت بعثة روسيا الدائمة لدى الأمم المتحدة بياناً يشير مرة أخرى إلى ضرورة التخلص التدريجي من عمليات التسليم عبر الحدود، حيث استعادت الحكومة السورية معظم الأراضي التي كانت تسيطر عليها الفصائل الإرهابية سابقاً، وأن يكون التسليم من داخل سورية، لكن قرار مجلس الأمن الدولي الذي تم تمريره هو إيصال المساعدات عبر تركيا، ما يجعلها تصل إلى أيدي “القاعدة” والجماعات الإرهابية الأخرى في ادلب، والكل يعلم أنه لا تواجد لقوات الأمم المتحدة في ادلب، وليس سراً أن الجماعات الإرهابية التي تسيطر على أماكن معينة من مناطق خفض التصعيد تستخدم المساعدات الإنسانية التي تقدمها الأمم المتحدة كأداة لممارسة الضغط على المدنيين، وتحقيق الربح من مثل هذه المساعدات، وهذا ما عارضته روسيا والصين وليس المساعدات، هذه هي التفاصيل التي حذفتها بمكر السفيرة الأمريكية كيلي كرافت عندما تحدثت عن كون القسوة والخيانة نمطاً راسخاً، حيث كانت أسلحتها اللفظية تستهدف سورية وروسيا، لكن الحقيقة، اختيارها للكلمات التي تصف بشكل مؤكد سياسة الولايات المتحدة تجاه السوريين، وإذا كانت السفيرة صادقة بمشاعرها، كان من الأجدى النظر في سياسة الولايات المتحدة تجاه النازحين السوريين في مخيم الركبان بعد التأكد من أن الولايات المتحدة عملت على منع إيصال المساعدات، ومنعت عودة السوريين من المخيم، وحالياً تواصل الولايات المتحدة تسييس المساعدات، كما حاولت في فنزويلا العام الماضي، في المقابل تواصل روسيا وسورية بهدوء تقديم المساعدات إلى السوريين المحتاجين، حيث أقرت منظمة الصحة العالمية، في الرابع من  تموز، تسليم 85 طناً من الأدوية والإمدادات الطبية إلى الحسكة، وفي 9 تموز، أكد مركز المصالحة الروسي أنه تم تسليم 500 سلة غذائية، و2424 طناً من الأدوية إلى محافظتي ادلب ودير الزور.

إن التأثير الوحشي للعقوبات الأمريكية لا يقوض الوضع الاجتماعي والاقتصادي في سورية فحسب، بل يعرقل أيضاً أنشطة العديد من المنظمات الإنسانية التي هي على استعداد لمساعدة السكان في المناطق التي حررتها الحكومة السورية، ولو كانت الولايات المتحدة تريد فعلاً تخفيف معاناة المدنيين لرفعت جميع العقوبات التي تفرضها على السوريين بشكل فوري.