بعد 22 عاماً على البداية.. كيف يبدو المشهد الرقمي في الإعلام السوري ….
استطاع الإعلام الالكتروني أن يفرض واقعاً مختلفاً في العالم على كافة الصعد خلال السنوات القليلة الماضية التي شهدنا فيها انفجاراً معلوماتياً، وتطوراً تكنولوجياً هائلاً!.
محلياً لو سألنا: كيف يبدو المشهد الرقمي في الإعلام السوري في ظل المفاهيم التي أفرزتها الثورة التكنولوجية الحديثة؟.
سؤال من الأهمية بمكان طرحه ونحن نرى هذا الأداء المتواضع “لإعلامنا الالكتروني”، وسط الطغيان المخيف لمواقع التواصل الاجتماعي التي عبرت الحدود، وكسرت القيود، وباتت تعيش معنا بكل التفاصيل، وما يزيد الطين بلة أننا فشلنا في تحديد موقع الأنترنت في حياتنا اليومية!.
تشخيص الحالة المستحدثة!
وبحسب الخبير الإعلامي المعلوماتي حسين الإبراهيم “فإننا لم نخط أية خطوات باتجاه استكشاف انعكاسات هذا التغير الاجتماعي والثقافي والإعلامي، حتى إننا لم نسع نحو تشخيص الحالة المستحدثة”، مشيراً إلى أن المشهد الرقمي في الإعلام السوري بدأ في الربع الأول من عام 1998، حيث تم الإعلان عن أول موقع الكتروني يعتمد النص العربي لمؤسسة إعلامية رسمية وهو موقع تشرين، وأوضح أن ولادة الإعلام الرقمي في سورية ارتبطت بإشكالية الانتماء والتوصيف، وعزز هذه الإشكالية إطلاق صفة الإعلام الالكتروني التي تعني العلاقة مع التقنيات والتجهيزات الالكترونية، ورأى البعض في ذلك أن التغيير لم يطرأ على المحتوى الإعلامي، وإنما على وعاء المحتوى أو الوسيلة.
وبيّن الإبراهيم أن مفهوم الإعلام الالكتروني أطلقه التقنيون، فعلاقتهم كانت مع التقانات الحديثة، وليس مع المحتوى الإعلامي، لذلك كان بالنسبة لهم إعلاماً يعتمد التقانات الالكترونية، مضيفاً أن مفهوم الإعلام الرقمي أطلقه صنّاع المحتوى، سواء كانوا مبرمجين أو كتّاباً أو صحفيين، لأنه بالنسبة لهم إعلام يرتبط برقمنة النص، بما يعنيه ذلك من تحولات تتطلبها هذه الرقمنة.
بعيداً عن الصحفيين!
وأشار إلى أن الإشكالية الحاصلة انعكست على الاعتراف بهذا النموذج الإعلامي الجديد، خاصة أن البعض رفض إطلاق تسمية الإعلام الرقمي عليه ليبقى في أحضان الفرق التقنية بعيداً عن الصحفيين، وليقتصر دور الصحفي على تزويد التقنيين بالنصوص التقليدية بعيداً عن معايير الإعلام الرقمي.
عشر سنوات دون تطور!
وبيّن “خبير المعلوماتية” أن هذه المرحلة استمرت عشر سنوات لم يتطور فيها دور الصحفي إلى مستوى النموذج الإعلامي الرقمي الجديد، وصارت المواقع الالكترونية صورة (فوتوكوبي) عن الصحف الورقية، أو نسخاً عن البرامج الإذاعية والتلفزيونية، وفي عام 2008 صدر أول قرار رسمي عن وزارة الإعلام، وتضمن المعايير الأساسية للمواقع الالكترونية الرسمية، وبالرغم من ذلك بقي الالتباس موجوداً، وبقيت بعض المواقع تحت سيطرة الفريق التقني، وبقي الصحفيون فيها في موقع التابع للإدارة التقنية والمهندسين.
أرقام في التاريخ
في 14 شباط عام 2011 صدر المرسوم التشريعي رقم 26 الخاص بالإعلام الالكتروني بصيغة قانون التواصل مع العموم على الشبكة، وكان بمثابة التأكيد على الاعتراف بالنموذج الإعلامي الجديد من وجهة نظر التواصل، وليس من وجهة نظر التقانة.
بعد ستة أشهر تقريباً (28 آب 2011) تم دمج هذا المرسوم بالمرسوم التشريعي 108 الذي نظم مهنة الإعلام في النماذج الإعلامية المختلفة،
بلغ عدد المواقع الالكترونية التي تم اعتمادها من قبل المجلس الوطني للإعلام، ومن بعده وزارة الإعلام حتى تاريخه 87 موقعاً، وتوقفت عملية الاعتماد منذ عام 2018.
مجرد تابع للنماذج التقليدية!
وأشار الإبراهيم إلى نقطة سلبية وهي استمرار التهرّب من تطبيق معطيات القانون الجديد في مجال الإعلام الرقمي بحجج مختلفة، وبتفسيرات اجتهادية، فبالرغم من أن المرسوم يتحدث عن “وسيلة تواصل على الشبكة”، إلا أن البعض رفض تطبيقه إلا على المواقع الالكترونية، مضيفاً: للأسف مازالت المواقع الالكترونية بنظر البعض في الإدارات الإعلامية مجرد تابع للنماذج التقليدية، وهو ما أبعدها عن أن تأخذ دورها وفق معايير الإعلام الرقمي الجديدة.
بالمختصر، مازال المشهد الرقمي في الإعلام السوري غير مرض، رغم وجود حالات مشجعة، الأمر الذي يحتم علينا تشخيص الخلل، وإيجاد الدواء الشافي للحاق بركب هذا الفضاء الالكتروني المخيف!.
ولعله من المناسب هنا الإشارة إلى لجنة الإعلام الالكتروني التي شكّلها اتحاد الصحفيين عام 2018 لوضع المقومات الأساسية لتأطير العاملين في الإعلام الالكتروني وضم فعالياتهم إلى فعاليات الاتحاد، لكن اللجنة التي أعدت لقاءات موسعة مع الصحفيين العاملين في المواقع الالكترونية لم تستطع إنجاز مهامها في هذا المجال، وبقي الإعلام الرقمي بعيداً عن التنظيم، وعن أداء الدور المنوط به!.
غسان فطوم