تحقيقات

سوق الدواء.. فوضى وابتزاز لصحة الناس.. ولجان الرقابة خارج التغطية !

لم يكن الحديث عن غلاء أسعار جميع السلع الاستهلاكية يتصدر حديث الشارع السوري بقدر الحديث عن غلاء الدواء وفقدانه من الصيدليات تحت ذرائع وحجج واهية باتت معروفة للجميع، وعلى الرغم من خروج نقابة الصيادلة مراراً وتكراراً خلال الفترة الماضية، وتأكيدها على توفر الدواء، ووجود لجان تقوم بجولات تفتيش على الصيدليات، في محاولة لضبط المخالفات، إلا أن أحداً لم يسمع بمجيء أي من هذه اللجان إلى منطقته، ولربما تكون هذه اللجان قد ارتدت “طاقية الإخفاء” للتمويه عن وجودها، وفي حال تصديق المواطن للجهود الوهمية المبذولة لضبط سوق الدواء، إلا أنه لم يشعر بأية قطرة خير هطلت وأنعشت هذا القطاع الذي بات لعبة بأيد لا توفر جهداً لوضع العصي في عجلاته!.

تقشّف
خلال الأشهر السابقة، لجأ المواطن الدرويش إلى التحايل على الغلاء الفاحش باتباع جميع وسائل التقشف في المأكل والملبس، إلا أنه لم يستطع اختصار كميات الدواء المطلوب منه تناولها لاستعادة صحته، فقد أرهق ارتفاع سعر الدواء تارة، واختفاؤه من الصيدليات تارة أخرى، كاهل المرضى الذين ازدادت شكاويهم للجهات المختصة، مطالبين بإيجاد حلول جذرية لهذا القطاع الذي بات عرضة لتقاذف الاتهامات بين عدة جهات، متسائلين عن صمت نقابة الصيادلة عن تخزين الدواء لفترات طويلة، ومنها حليب الأطفال الرضع بانتظار نشرة تسعير جديدة تحقق لهم ربحاً أكبر، وتساءل البعض عن غياب وزارة الصحة التي كان من المفترض أن تشكّل لجاناً سرية تتولى إجراء مسح للسوق الدوائي، بدءاً من المعمل، وانتهاء بالصيدليات التي باتت رفوفها خاوية، وفي حال وجود نوع من الدواء نجد عبوته كالمحبرة لكثرة تشطيب السعر عليها؟!.

مخالفات بالجملة
على الرغم من قيام مواطن بفضح أحد الصيادلة الذي رفض بيعه حليب الأطفال لطفله بحجة عدم توفره، وقيام المواطن بتصوير الرفوف المحتوية على هذا الحليب، في إشارة إلى كذب الصيدلاني، إلا أن أحداً لم يحرّك ساكناً، كذلك انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي العديد من المقاطع التي توضح عملية تلاعب الصيادلة بأسعار الدواء على مزاجهم، وكان أبرز تلك الفضائح ما كتبته الفنانة شكران مرتجى عن تعرّضها للنصب المباشر من قبل صيدلاني اعتادت على شراء الدواء منه حين ضرب رقماً خيالياً بسعر الدواء الذي اشترته، في حين كان سعره لا يتجاوز الألف ليرة في صيدلية أخرى، تحت ذريعة ارتفاع سعر الصرف بين ساعة وأخرى، علماً أن تاريخ إنتاج بعض دفعات الأدوية قديم ولا مبرر لرفع قيمتها، ولعل الظاهرة الأخطر التي انتشرت في الأرياف بشكل كبير خلال الآونة الأخيرة دون أدنى شعور بالمسؤولية هي المتاجرة بصحة المرضى من خلال بيع الدواء على البسطات، وفي محال السمانة كأية سلعة مشابهة للسلع الموجودة في السوبر ماركت، والحديث يطول عن الأساليب والحيل التي تفنن بها الصيادلة للتلاعب بتسعيرة الدواء، والتجار لإخفاء الدواء بهدف رفع سعره لاحقاً، وضعاف النفوس الذين امتهنوا المتاجرة بصحة المرضى وبيعهم الدواء منتهي الصلاحية على البسطات دون أي رقيب أو حسيب؟!.

تبريرات
وبين صيدلية وأخرى تختلف مسوغات رفع سعر الدواء واختفائه، فمنهم من يقوم برفع السعر من تلقاء نفسه ضارباً تسعيرة وزارة الصحة عرض الحائط تحت ذريعة أن الغلاء المخيف يقع على الصيادلة كعامة الناس، وبالتالي من حقهم رفع سعر الدواء بما يتناسب طرداً مع باقي السلع التي لا ينتظر التجار أية وزارة كي يرفعوا سعرها، ومنهم من أكد أن رفع سعر الدواء لم يطل سوى الأدوية المقطوعة التي يتم استيرادها بالقطع الأجنبي، وقد تراوحت نسبة رفع سعرها بين الـ 100- 400%، وألقى البعض الآخر اللوم على امتناع المستودعات عن بيعهم الأدوية نتيجة صعوبة تأمين المادة الأولية لصناعة الدواء، وكذلك تذبذب أسعار العملات الأجنبية، إذ تعاني المعامل من صعوبات التصنيع، وارتفاع تكاليف الإنتاج، وتعاني المستودعات من قلّة الأدوية الواصلة إليها من المعامل، في حين أكدت نقيب صيادلة سورية وفاء الكيشي أن سبب انقطاع بعض أصناف الأدوية هو توقف المعامل عن الإنتاج بسبب خسارتها، ونفاد المواد الأولية لديها، وتم التواصل مع الوزارة لتعديل الأسعار، مشيرة إلى أن تعديل الأسعار يتم من خلال لجنة التسعير التابعة لوزارة الصحة، والتعديلات جاءت بناء على الكلفة الحقيقية للإنتاج، بما يضمن عدم خسارة المعمل، وخلال شهرين ستتوفر جميع الأدوية في السوق السورية، فقد بدأت الأدوية تُضخ في السوق، واستوردت المعامل المواد الأولية، لكن عملية استيراد المواد وتصنيع الأدوية تحتاج إلى وقت، وعن دور النقابة الرقابي أكدت الكيشي أن النقابة تطلب من المعامل وضع التسعيرة الجديدة على علب الأدوية، وعدم استخدام العلب القديمة على الأدوية الجديدة.

ابتزاز المرضى
أمين الشؤون الصحية في اتحاد نقابات العمال عبد القادر النحاس ألقى اللوم الأكبر على وزارة الصحة التي تصدر كل أسبوع تقريباً نشرة جديدة لأسعار الأدوية، فقد وصل ارتفاع بعض الأدوية إلى 500%، وهذا الارتفاع غير مقبول، وينعكس على المرضى، وأغلبهم من شريحة المسنين الذين يعتمدون في دخلهم على راتبهم التقاعدي الخجول، كذلك فإن حجة عدم ثبات سعر الدواء استغلتها الكثير من شركات التأمين للاعتذار على المؤمنين عليهم بسبب ارتفاع سعر المواد الطبية بشكل عام، والدواء بشكل خاص، مؤكداً أن هذه الحجة أكذوبة كبيرة، فسعر الصرف ثابت منذ فترة، ما يؤكد وجود صفقات خفية تُدار من قبل تجار، مشيراً إلى أن الكثير من المستودعات تقوم بتخزين الأدوية، وتدّعي فقدانها لاستخدامها كورقة ضغط على وزارة الصحة لرفع أسعار الأدوية لاحقاً، ونفى النحاس أن يكون قانون قيصر هو السبب الرئيسي في ارتفاع سعر الدواء، فارتفاع سعر الأدوية سبق هذا القانون بفترة كبيرة، وطالب النحاس بدعم شركات الأدوية في القطاع العام، خاصة شركة تاميكو، فالأدوية بالنسبة لمرضى الأمراض المزمنة أهم من الطعام والشراب، ومن المفترض بالدولة أن تدعم الأدوية مثلما تدعم مادة الخبز، وأكد النحاس الغياب الكامل من قبل وزارة الصحة ونقابة الصيادلة عن عمل الصيدليات التي تبتزّ المرضى الذين يضطرون “لبرطلة” الصيدلاني كي يحصلوا على دوائهم، متسائلاً: إذا كانت وزارة الصحة أكدت عودة عدد لا يستهان به من معامل الأدوية للعمل بطاقة إنتاجية تؤمن حاجة السوق المحلية من أغلبية الزمر الدوائية، فما سبب هذا الفاقد الكبير في الدواء الوطني؟! ولمصلحة من يتم إخفاؤه في المستودعات؟!.

ميس بركات