دراساتصحيفة البعث

ما هو برنامج النظام العالمي الجديد “NOM”؟

إعداد: هيفاء علي

كشفت جائحة كورونا العالمية النقاب عن إطلاق الدول الرأسمالية برنامجاً سياسياً جديداً للسيطرة المركزية على العنصر البشري تحت مسمى “NOM” يقوم على الحجر القسري أو تقييد الحركة كوسيلة علاج بحجة الصحة. ولكن من خلال هذا البرنامج يتبين أن العقيدة الجديدة التي تحتكرها لجنة خبراء مجهولة الهوية تقوم بنشر مراقبة الكترونية على السكان ومنصات الانترنت بهدف السيطرة غير المرئية على العنصر البشري.

ما هو النظام العالمي الجديد؟

النظام العالمي الجديد هو برنامج سياسي تم الإعلان عنه منذ سنوات من خلال التسريبات والبيانات الصريحة والإيماءات الرمزية من المراجع العامة. وهي تتكشف الآن أمام الجميع من خلال العديد من القوانين والأحكام الخاصة وإجراءات الطوارئ التي تحدد “الوضع الطبيعي الجديد”.

يقوم هذا البرنامج السياسي على إعادة هندسة العالم بقيادة نخبة من القوى فوق الوطنية – دولة عميقة فوق وطنية – ويقترح إنشاء حكومة عالمية وإصلاح عميق لطريقة حياة البشر على هذا الكوكب.

تم تعزيز هذه الفكرة في الظل عقب الهجوم على برجي مركز التجارة العالمي عام 2001، وتسريع قدرتها التشغيلية مع نضوج تقنيات التحكم الاجتماعي “الشبكات الاجتماعية والأدوات الأخرى للمعرفة الحميمة للناس”.

كما يقترح إعادة رسم العالم من خلال عملية تدمير محكم للدول القومية والهياكل الاجتماعية التقليدية، لاستبدالها بنموذج تكنوقراطي جديد وهو واقع مرير عالي التقنية، مع سيطرة كاملة ومركزية على الأفراد، حيث الذكاء الاصطناعي والروبوتات تلعب دوراً متزايد الأهمية.

ينص برنامج النظام العالمي الجديد “NOM” على إضعاف الدول القومية لاستبدالها بأشكال الحكم فوق الوطنية، والسيطرة الشمولية على حياة الناس وعملية ضخمة للحد من السكان. كما يعمل على جعل الأشكال الاجتماعية التقليدية تتآكل، وهي التي تشكل نقطة سيطرة لإعادة صياغة المجتمع الموعود. وتحقيقاً لهذه الغاية، فإنه يخلق أحداثا” محفزة مصطنعة ويشجع المعارك الخطابية لتعميق الاختلافات، ويهدم الهياكل الاجتماعية القديمة، ويخلق المواجهة بين المواطنين في سيناريو “الحرب الهجينة” المعممة.

العناصر المركزية للنظام العالمي الجديد

  • إنشاء الدولة البوليسية

استخدم البرنامج السياسي عملية الهدم المحكوم لبرجي مركز التجارة العالمي في نيويورك لبدء إقامة الدولة البوليسية. كان هذا بمثابة بداية تعليق الضمانات الدستورية، وبدء التجسس المنهجي على رسائل البريد الإلكتروني والمحادثات الهاتفية والإجراءات الأمنية المشددة في المطارات. كل شيء له ما يبرره باسم “الأمن القومي”. ومن ثم جاء وباء كوفيد 19  ليكون الغطاء الإيديولوجي الجديد لتعميق المفهوم تحت ذريعة “الرعاية الصحية”، ويعلن عن ولادة “الوضع الطبيعي الجديد” القائم على إجراءات مراقبة المرضى واتصالاتهم، والحجر الصحي، والعزل القسري. هذا هو المفهوم البوليسي للصحة، ولعل أوضح مثال على ذلك هو قانون الموارد البشرية واختبار الفيروس والوصول والتواصل مع الجميع في الولايات المتحدة، والذي يسمح للدولة بالقيام بمراقبة دائمة لصحة كل مواطن، ومتابعة جهات الاتصال التي تعرض لها واتخاذ قرار بشأن الحجر الصحي والتحليلات الإلزامية وكمية جنونية من تدابير “التحكم”.

يتم نشر المفهوم البوليسي للصحة في مشاريع جوازات السفر الصحية، والتلقيح القسري، والأقنعة الإلزامية والتحكم في درجة حرارة الجسم والبيانات البيولوجية الأخرى. على نفس المنوال هناك مشاريع تشريعية تهدف إلى حظر الاجتماعات وترسيخ مفهوم “التباعد الاجتماعي” وجميع وجهات النظر “الانعزالية” كتدابير وقائية ضد “العدوى”.

  • الذكاء الاصطناعي

أحد الجوانب الرئيسية للبرنامج هو الحجر المتزايد للأشخاص في الواقع الافتراضي، حيث ستلعب شبكات الذكاء الاصطناعي دوراً رئيسياً في تزويد السكان بالسلع والاحتياجات اليومية، وتأمين عمل القضاة والشرطة والمصرفيين والفصول الدراسية وقاعات الترفيه.

هذا هو المستقبل حيث يتم إيصال كل شيء إلى منازل المواطنين إما من خلال تقنية الإرسال، أو مادياً بواسطة سيارة بدون سائق أو طائرة بدون طيار. أي عالم يعمل فيه عدد قليل جداً من المعلمين والأطباء والسائقين، و لا تداول فيه للنقود،  ولا وجود لوسائل النقل العام،  وحتى توقف النشاطات الثقافية والفنية والعلمية الحية، و يمكن تتبع كل حركة وشراء وتعليق على الشبكة الاجتماعية. إن السجن الرقمي هو الوضع المركزي للوضع الطبيعي الجديد. إحدى المعامل الرئيسية لهذا المشروع هي ولاية نيويورك، التي كلفت الرئيس التنفيذي لشركة Google Eric Schmidt بالقيام بمشروع لدمج التكنولوجيا في جميع جوانب الحياة المدنية.

يتضمن هذا “الواقع المرير للتكنولوجيا الفائقة” إنشاء مجتمع غير نقدي، وخطوة أخرى نحو السيطرة الكاملة على الأفراد، من خلال المراقبة المكثفة بالفيديو والتعرف على الوجه يعاقب أو يكافئ سلوك المواطنين بنظام النقاط.

  • تخفيض عدد سكان الكوكب

يعد تخفيض عدد سكان العالم محوراً رئيسياً آخر لأجندة البرنامج السياسي الخاص بالنظام العالمي الجديد، وهو مزيج من تحسين النسل والبيانات العامة تكملها السياسات العامة والخاصة التي تسرع وفاة الكثير، وتخفض معدل المواليد وتنقذ البشر من التكاثر الطبيعي.

إذ تولد الإستراتيجية المستخدمة في أزمة وباء كورونا زيادة في معدل الوفيات على المدى القصير والطويل بالنسبة للقطاعات الأكثر ضعفاً. ما يعني إن شلل الإنتاج في كل مكان يولد بطالة هائلة إضافةً إلى المجاعة والمرض، كما يحفز الخوف من الاتصال والقرب مع الآخرين، وهو موقف يفضي إلى تآكل التعاطف والشبكات العاطفية التي تعد مصدرا” طبيعيا” للحب الأسري والمجتمعي. وبالتالي، فإن إيديولوجية “التباعد الاجتماعي” تولد الموت المبكر للعديد من كبار السن ولها تأثير مميت على نفسية الأطفال والمراهقين والبالغين.

  • الحرب الهجينة وهدم الدول القومية

يعمل نظام البرنامج السياسي على تقويض مفهوم الدولة القومية والهويات الثقافية المرتبطة بإقليم أي مفهوم “الوطن”. هذا هو السبب في أنه على مدى العقود الماضية استراتيجيات فعالة للغاية لتدمير المجتمعات من خلال “الحروب الهجينة” التي تثير المواجهات الداخلية المدمرة للذات. تجمع الحرب الهجينة بين القوات النظامية والجهات الفاعلة من غير الدول، وتشن  الهجمات السيبرانية، و تكثف مهام التجسس والدعاية، وحملات زعزعة الاستقرار وغيرها من الأدوات لخلق الفوضى، وتشجيع الكراهية ضد الآخرين، وتقسيم المنطقة إلى أجزاء لا يمكن التوفيق بينها وتعزيز انتفاضات عنيفة ضد المؤسسات والسلطات المحلية. فمنذ غزو يوغوسلافيا من قبل الناتو في التسعينيات، انفجرت دول بأكملها بسبب تطبيق تقنيات التلاعب الاجتماعي هذه على نطاق واسع: “ثورات ملونة، وحروب أهلية، وأعمال شغب من خلال الأحداث التحفيزية المنظمة علمياً”.

وعليه، يعزز البرنامج تقسيم العالم إلى قسمين: “النواة”، التي تستفيد من مزايا النظام: التجارة والاتصالات والنقل والمعاملات النقدية السائلة.  والمنطقة “غير المتكاملة”، المنفصلة عن النظام ، التي تعيش حالة من الفوضى حيث السكان غير قادرين على تنظيم تطورهم الجماعي ويفكرون فقط في البقاء، والهدف الأساسي هو تدمير الدول ، وسحق الشعوب ، وتدمير المجتمعات.

  • تركيز الإنتاج وتوزيع السلع والخدمات

في العالم الذي توقعه هذا البرنامج، ليس للشركات الصغيرة والمتوسطة مكان. إنه اقتصاد الشركات الضخمة الذي يتفوق على الدول القومية، ويسود على المستوى الكوكبي مع الملايين من المستخدمين وأصحاب الامتيازات والمنتسبين المرتبطين بشبكاتهم الذين يشترون أو يبيعون أو يعملون بشكل مستقل.

من ناحية أخرى، يعزز الاختفاء التدريجي لشبكات الإنتاج والتبادل في المجتمع المحلي لصالح أنظمة الإنتاج والتوزيع العالمية الضخمة التي يتم التحكم فيها عبر الإنترنت. ويتضح ذلك من حقيقة أن محلات السوبر ماركت الكبيرة مثل Walmart و Costco ظلت مفتوحة خلال أزمة تفشي الوباء في حين أُجبرت الآلاف من المتاجر الصغيرة والبوتيكات على الإغلاق. هذا النموذج يعني الفشل التنافسي لملايين الشركات الصغيرة في جميع أنحاء العالم، والتي سيتم ابتلاع قطاعها في السوق بسهولة عن طريق شبكات البيع والتوزيع الكبيرة عبر الإنترنت.

ويعتمد اقتصاد البرنامج على الروبوتية الضخمة للإنتاج والخدمات، وعلى الاستخدام المتزايد للذكاء الاصطناعي في جميع العمليات. وبالطبع ستؤدي هذه العملية إلى اختفاء الملايين من الوظائف في المستقبل القريب وبالتالي هو اقتصاد آلي، بدون وظائف، و يعتمد بشكل كامل على المساعدة العامة، الحساب المصرفي حيث يتلقى المرء الدخل الشهري له و المرتبط ببطاقة هوية رقمية، وشهادة تلقيح وأشكال أخرى من البيروقراطية القسرية: هذا هو مشروع السيطرة الكاملة على المواطنين الذي تشجعه NOM””.

خلاصة الكلام

تم تصميم ” إيديولوجية” البرنامج السياسي للنظام العالمي الجديد بحيث تناسب حفنة من أصحاب المليارات الذين يحكمون العالم والتي بموجبها يؤكدون أن “المزيد من التكنولوجيا دائماً أفضل”. وبناءً على تخيل الدولة على أنها “مسؤولة عن حماية” الناس، يتم بناء المفهوم البوليسي للصحة الذي يبرر الحجر، والسيطرة على حركة الناس وإيديولوجية الإبعاد الاجتماعي.

المدافعون عن العالم أولئك الذين نشروا البرنامج، وهم وسائل الإعلام، والتجمعات التقدمية واليسارية، والمسؤولين الحكوميين والأحزاب السياسية في معظم أنحاء العالم. أما الوطنيون، أولئك الذين يقاتلون ضد البرنامج السياسي الجديد، فهم القطاعات التي تتبنى إيديولوجية المقاومة، والدفاع عن القيم التقليدية.