ملامح حرب باردة بين الصين والولايات المتحدة
ريا خوري
استمرت حقبة الحرب الباردة منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية حتى انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991، وشهدت هذه الحرب العديد من الأزمات الحادة التي كادت أن تحوّل العالم إلى حروب نووية، ومن أبرز تلك الأزمات، أزمة جدار برلين عام 1961، وأزمة الصواريخ الكوبية عام 1962.
ومنذ انتهاء تلك المرحلة، سرعان ما تجدّد اليوم بشكل واضح استقطاب اقتصادي وتجاري وتقني وعلمي بين أقوى منظومتين في العالم، الولايات المتحدة الأمريكية والصين. لقد مرّت الولايات المتحدة في حالة انزواء وانكفاء نتيجة انتشار فيروس كوفيد19 (كورونا)، لكنها استمرت بالدفاع عن مصالحها في العالم وفق استراتيجياتها وخططها المرسومة، والتي تهدّدها القوى الاقتصادية والعسكرية الكبرى الصاعدة. كل ما تقوم به الولايات المتحدة هو بمثابة الدفاع عن مصالحها في المقام الأول، والحدّ من جميع المخاطر التي يمكن أن تلحق الأذى بها من القوى الأخرى المنافسة، وليس بدافع المشاركة الفعّالة في شؤون النظام الدولي وإدارة أزماته ومشكلاته من خلال الهيئات والمؤسسات الدولية.
الجدير بالذكر أن حالة الانكفاء الأمريكي لا تعني الجنوح نحو الهدنة والسلام مع من هم خارج الحدود القومية، بل إن الولايات المتحدة تصدر الخوف والذعر ولا تمنح غيرها من دول وشعوب العالم الطمأنينة والسلام.
هذا وبدأت الأحداث والوقائع تفصح عن ذاتها منذ بداية العقد الحالي، غير أنه بقي إفصاحاً ليس له تبعات صدامية في ظل إدارة الولايات المتحدة الديمقراطية السابقة في واشنطن، أي إدارة الرئيس أوباما. لكن وصول الرئيس الجمهوري دونالد ترامب إلى البيت الأبيض غيّر من درجة حرارة ذلك الاستقطاب وخلع عليه قدراً من الحماقة والاستفزاز السياسي، مصحوباً بالتهويل والتضخيم الإعلامي من خطر مزعزم هو الخطر الصيني عبر دبلوماسية التويتر، هذا من جهة. ومن جهةٍ أخرى لم تخسر الصين حربها التجارية وحدها منذ بدأها دونالد ترامب بقراره الصادر عام 2018 بفرض رسوم جمركية عالية على البضائع الصينية وصلت إلى نحو 50 مليار دولار، بل خسرت الولايات المتحدة مبلغاً ضخماً، حيث ردَّت الصين بقوة على القرار الأمريكي، وفرضت رسوماً جمركية على ما يزيد على 120 منتجاً أمريكياً. واتبعت إدارة ترامب قرارها الأول برفع نسبة التعرفة الجمركية على سلع صينية وصلت قيمتها إلى 200 مليار دولار، وهذا يتجاوز ضعف نسبة التعرفة الجمركية.
هذا الصراع ودوافعه باعتقاد ترامب وإدارته بأن الصين هي المسؤولة عن العجز التجاري الذي أوهن الاقتصاد الأمريكي، رغم أن حالة العجز سببها تحوّل كبير في بنية الولايات المتحدة، التي تحولت منذ بداية هذا القرن من دولة منتجة إلى دولة مستهلكة للمنتجات الأجنبية. ولكن الحرب التجارية والاقتصادية تعدّت إلى التكنولوجيا والإنتاج التكنولوجي والإلكتروني، كما كانت الحروب التجارية المتكررة على الصين منتهكة لمبدأ التجارة الحرة. كذلك مثّلت الحرب الإلكترونية والتكنولوجية محاولة لإلغاء مبدأ المنافسة التقنية والعلمية، مع العلم أن الولايات المتحدة الأمريكية تعمل على حصر الصناعات الإلكترونية وتكنولوجيا المعلومات في العالم، عبر شركاتها الضخمة العاملة ضمن هذا المجال مثل (غوغل، أمازون، أبل، فيسبوك)، ومع هذا فإن الولايات المتحدة أبدت انزعاجها الشديد من التطور التكنولوجي الصيني الهائل، وهو ما دفع ترامب إلى اتخاذ قرار حظر ما تنتجه شركة هواوي الصينية داخل الولايات المتحدة في شهر أيار عام 2019.