كمال ديركي: نحتاج إلى منتج إنساني لا يفكر بالتجارة
يُعدّ فيلم “دروب الأمل” التجربة الأهم في مجال السينما، التي دخل معتركها فعلياً عام 2010، وكانت حصيلته فيها ثمانية أفلام من بينها “زمن العراة” وهو فيلم مستمد من واقع الأزمة وما عاناه بلدنا في ظلها، و”الدرس الأخير” و”توت شامي” و”بانيو” و”حمرة خد” و”تماثيل الطين” الذي شارك في أكثر من مهرجان عربي ودولي، وجميع هذه الأفلام لها مكانة واحدة في قلبه لإيمانه أن الفن في النهاية ما هو إلا مجموعة تجارب يخوضها الفنان.
لا يخفي المخرج كمال ديركي في حواره مع “البعث” أن لفيلمه “دروب الأمل” مكانة خاصة لتسليطه الضوء على معاناة مرضى السرطان من الأطفال، وهو موضوع غاية في الأهمية، حيث يدافع الفيلم عن شريحة من مجتمعنا ومحاولة مساعدتهم من خلال تخصيص ريع الفيلم لمعالجتهم، بهدف خلق مناخات وفرص جديدة للدفع ببعض التّجار لدعم هؤلاء الأطفال، مؤكداً أن الهدف من إنجاز الفيلم كان خيرياً وموجهاً لمساندة هذه القضية الإنسانية بهدف مكافحة هذا المرض ومحاولة تشجيع القطاع الخاص بدعم علاجه، معترفاً أنه لم يكن من السهل إيجاد مموّل لفيلمه “دروب الأمل”، الذي كُتِبَ عام 2009، لأنه كان يحتاج إلى منتج إنساني لا يفكر بالتجارة، وكان من حسن حظه لقاؤه بالسيدة بيان حمشو التي كانت متحمسة لإنتاجه، فذللت الصعوبات المادية وأنتجته.
رسالة إنسانية
لأن “دروب الأمل” يحمل شحنة عاطفية، كان تركيز ديركي كمخرج – إلى جانب لغة الكاميرا – على الإحساس وتكثيف الحالة الحسية للحالة التي يتحدث عنها من خلال التركيز على حلمه ضمن دروب الأمل. ويوضح ديركي أنه يعمل دوماً مع شركاء له، معتبراً أن كل تجربة له هي تجربة كل العاملين الذين آمنوا بأفكاره انطلاقاً من تربية تربى عليها في المسرح واستمر فيها في التلفزيون والسينما بحق أي فرد مشارك في العمل في إبداء رأيه ليكتمل المشروع ويصل إلى بر الأمان، مشيراً إلى أنه وبعد الانتهاء من كتابة نص “دروب الأمل” ناقش كل تفاصيله مع الفنيين والفنانين، وبفضل هذا النقاش مع شركاء المشروع أغلق الفجوة التي تقع عادةً بين الكاتب والمخرج والفنانين.
نبض حقيقي
لا ينكر ديركي أن أي مخرج يكون لديه تصور معيّن في بداية التصوير عما سيفعله، ولكن على أرض الواقع قد يصيب هذا التصور بعض التعديلات، وهذا ما لم يحدث في فيلمه، حيث سارت عمليات التصوير على خير ما يرام لحسن اختياره لمن يعمل معه ووضعه الشخص المناسب في مكانه، مبيناً أنه، وبعد الانتهاء من تصوير المادة المصورة، كان لشركة “نايا” دور كبير في الارتقاء بسوية العمل عبر العمليات الفنية، شاكراً المايسترو سمير كويفاتي على إيمانه بالفيلم واندفاعه للمشاركة فيه من خلال تقديمه جملة موسيقية أعطت نبضاً حقيقياً له، والفنانين محمد قنوع، جوان خضر، روبين عيسى، سمر عبد العزيز، رغداء هاشم، أحمد مللي، بيان حمشو كممثلة ومنتجة، وجمعية النادي الفني، والذين آمنوا بالرسالة الإنسانية للفيلم، منوهاً بأن وجود مثل هذه الأفلام التي لها الرسالة نفسها وتحمل مقولات إنسانية ما هو إلا نتيجة إيمان أصحابها بأن للفن دوره التشريحي والمعالِج أحياناً. من هنا يرى ديركي أن حلول فيلم “دروب الأمل” كضيف على مهرجان سينما الأفلام القصيرة الأخير كان أمراً مفرحاً لكل المشاركين، وقد حرص ديركي على عرضه ضمن المهرجان لتوجيه رسائل إلى جمهور المهرجان تحديداً وهو جمهور نخبوي مثقف ورغبة منه في تحقيق التواصل بين الفنانين المشاركين في الفيلم والجمهور السينمائي والفنانين الآخرين، وهذا لا نجده إلا في المهرجانات التي تحقق هذا التواصل، شاكراً المؤسسة العامة للسينما التي أتاحت فرصة عرضه ضمن فعاليات مهرجان الأفلام القصيرة. وأشار ديركي إلى أهمية وجود أفلام لنخبة الفنانين السوريين وأهمية عودتهم للسينما من خلال أفلام قصيرة بعيداً عن المحافل المادية ليكونوا إلى جانب الشباب ولو مرة بالسنة، موضحاً أن “دروب الأمل” عُرِضَ في المهرجان لمدة يومين وتابعه في العرض الأول بعين المخرج والناقد، حيث كان منفصلاً تماماً عن الجمهور، في حين تابعه في العرض الثاني كمشاهد يريد أن يستمتع ويستفيد بما يُقَدَّم.
نهضة سينمائية
يشير ديركي إلى أن أي مخرج أو كاتب في الوسط الفني استشعر في السنوات الأخيرة نهضة سينمائية مصدرها الجيل الحالي، والدليل وجود تجارب سينمائية شابة على مستوى الغرفة والبيت والشارع، مع وجود تنوع وشغف حقيقي لدى هذا الجيل. من هنا تكمن برأيه أهمية مهرجان سينما الأفلام القصيرة ودعم سينما الشباب في احتضان الطاقات الفنية الموجودة، والتي تفرض نفسها ضمن شرط الموهبة والحب والشغف في صنع مستقبل جديد للدراما والفن السوري والثقافة بشكل عام، مبيناً أهمية مهرجان الأفلام القصيرة ودعم سينما الشباب بمدّ يد العون لهذا الجيل وأن يكون الحضن والبيئة الصحيحة والتربة الخصبة لجيل قاسى الكثير، مؤكداً أن هذا المهرجان تفوق أهميته المهرجانات التي تقام في الدول الأخرى، خاصة وأنه لم يؤطر المشاركين فيه ضمن مواضيع وأشكال محدّدة ليكون كرنفالاً حقيقياً نستمتع به.
نكهة خاصة
وككاتب ومخرج معاً في “دروب الأمل”، يبيّن كمال أنه بشكل عام ليس مع هذا الجمع دائماً لأنه يؤمن بتعدّد الآراء بالنسبة للعمل الفني، مع إشارته إلى أن التجارب القائمة على تأليف وإخراج شخص واحد فيها انسجام ولها نكهة خاصة رغم العبء الكبير الذي يتحمّله المخرج ككاتب، معتقداً أن بعض الأعمال يجب أن تكون من تأليف وإخراج شخص واحد لحساسية الفكرة كما في “دروب الأمل”، ولكن هذا لا يعني أنه كان أنانياً في فيلمه بل على العكس، حيث كان النقاش دائماً بين الجميع حول الأداء وكيفية التعامل مع الشخصية.
خوف حقيقي
وعلى الرغم من أن ديركي أنجز أفلاماً سينمائية للقطاع الخاص إلا أن، كما يؤكد، هذا القطاع لديه خوف حقيقي من موضوع السينما، وهو يفكر بعيداً عن هواجسنا وأحلامنا لصناعة فكرة معينة لأنه مضطر لأن يفكر بالربح المادي ضماناً لاستمراره، مبيناً أن الوسط الفني بحاجة لوجود المنتج الفنان وليس التاجر ليقود العملية الإنتاجية، ومسيرة الدراما السورية برأيه شهدت تجربة المنتج الفنان الذي يعمل من أجل الفن بعيداً عن تحكم المنتج التاجر بفكرة العمل، وكانت تجربة ناجحة عاشها ديركي كممثل وتعلَّم منها كيف تُصنَع الدراما بعيداً عن التجارة، وهو ما توفر عند بيان حمشو التي آمنت بفكرة “دروب الأمل” وتحمّست لإنتاجه.
سلاح مهم
ويبيّن ديركي أنه كمخرج وككاتب ينتقي المواضيع التي يشعر أن الجمهور يرغب في مناقشتها سينمائياً دون أن يخفي أن رأي الناقد هو للتقويم، لذلك تهمه كل الآراء التي تُكتَب حول أفلامه من قبل النقاد لتطوير ذاته وأدواته، مع التأكيد على عدم وجود عمل كامل.
ويختم ديركي بالإشارة إلى أنه ابن المسرح والفن التجريبي على صعيد الممثل والإخراج، وهو يشجع كل موهبة شابة جديدة مؤمنة بذاتها وتجربتها، مؤكداً أن الثقافة هي الأساس، والفن دون الثقافة لا قيمة له، لذلك يجب أن يتمّ تثقيف الجيل السينمائي والفني لامتلاك جيل مبدع ومثقف بهدف الارتقاء بدرامانا التي هي سلاح مهم للدفاع عن القضايا التي تخصّه وللدفاع عن وطننا، لذلك فإن مسؤولية بناء الجيل القادم مسؤولية مضاعفة، وعلى القائمين عليه بناؤه بناء صحيحاً لأنه مستقبل بلدنا، مع إشارته إلى أنه بصدد التحضير لفيلم جديد بعنوان “مصيدة الفأر”، وهو يحكي عن الصراع الأزلي بين الغني والفقير في تقاسم رغيف الخبز برؤية سينمائية.
أمينة عباس