قمة الإنقاذ الأوروبي تكشف عمق الخلافات
ريا خوري
نتيجة الضغوط الهائلة التي تعرّض لها الاتحاد الأوروبي جرّاء تفشي وباء كوفيد 19، وما تبعه من أزمات اقتصادية ومالية، توصل قادة دول الاتحاد الأوروبي السبع والعشرين إلى وضع خطة، في ختام قمة عُقدت مؤخراً في بروكسل، أظهرت الخلافات الدفينة لدى العديد من الدول ضد دول أخرى. تضمَّنت الخطة إنشاء صندوق لدعم اقتصاد العديد من الدول التي تضرّرت بشدة من تفشي الوباء، على أن يتمّ تأمين التمويلات الضرورية للصندوق بأوراق وسندات مالية مشتركة، بعد أن علت العديد من الأصوات من دول يعتقد قادتها أنهم أقوياء، من أمثال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي هدّد بالفيتو. وبعد مفاوضات ماراثونية دامت تسعين ساعة أظهرت حجم التصدّع الذي يعيشه الاتحاد، تمّ الاتفاق على إنشاء صندوق بقيمة 750 مليار يورو بما يعادل (840 مليار دولار)، من أجل دعم الاقتصادات الأكثر تضرراً.
الخطة التي تمّ إقرارها تنصّ على حزمة مالية قدرها 750 مليار يورو يمكن للمفوضية الأوروبية اقتراضها من أسواق المال، ويتمّ توزيعها ضمن شريحتين، الشريحة الأولى بقيمة 390 مليار يورو يتمّ تقديمها على شكل مساعدات وتتحمّل جميع الدول السبع والعشرين توفيرها. أما الشريحة الثانية فهي بقيمة 360 مليار يورو تُقدّم على شكل قروض يتمّ تسديدها من قبل الدول التي تستفيد منها بشكل جيد. وتضاف الحزمة إلى ميزانية الاتحاد الأوروبي من الأعوام 2021 وحتى 2027 والبالغة قيمتها تريليون و74 مليار يورو، هذه الحزمة أضيفت إلى الاتفاق وتمّ التوافق عليها، والتي تُعرف أيضاً باسم الإطار المالي متعدّد السنين، بحيث يتمّ إضافة 154 مليار يورو منها إلى الموازنة السنوية العامة.
تداولت الصحافة العالمية المعلومات الخاصة بموضوع مؤتمر بروكسل، وأجمعت على أنّ الحل الوسط الذي تمّ التوافق عليه بين دول الاتحاد ليس سوى نسخة معدّلة مما طلبته أورسولا فون دير لين رئيسة المفوضية الأوروبية من قادة المنطقة في أيار الماضي.
صحيح أن هذه الخطة وُلدت بعد مخاض عسير، إلا أنها في النهاية لا تشكّل تسوية كاملة للخلافات المالية الأوروبية، وهو ما يتوافق مع العديد من قادة الاتحاد الأوروبي الذين يدعون إلى تطوير نقد الاتحاد الذي كان سبباً بظهور العملة الموحّدة “اليورو”، وإتمام الدعوة إلى اتحاد مالي يسمح بإيجاد تكامل أوسع في مجالات أشدّ حساسية مثل السندات المالية الاتحادية، وحقوق السحب، فضلاً عن مجابهة الأزمات المالية التي تتعرّض لها العديد من اقتصادات الدول الأضعف.
كانت المفوضية الأوروبية قد طلبت بعد الاتفاق الذي تمّ التوصل إليه في قمة بروكسل توسيع الموازنة التي تتيح رفع حجم الديون والقروض، وهي خطوة تتطلّب موافقة من البرلمانات الوطنية لجميع الدول الأعضاء في الاتحاد، وهذا قد لا يتحقق قبل نهاية العام الجاري 2020.
في هذا المقام نجد أن المنظمات اليمينية المتطرفة في دول الاتحاد الأوروبي قد ندّدت باتفاق صندوق “التعافي الاقتصادي” وفق ما تمّ الاتفاق على تسميته، فقد أعلن زعيم المعارضة اليمينية في إيطاليا ماتيو سالفيني أن إيطاليا يجب أن تضع في حسبانها عدم حصولها على أي نقود مجانية نتيجة الاتفاق. كما ندّد بالتنازل غير المشروط للرأي القائل إن سيطرة الاتحاد الأوروبي ستضغط على السياسات الإيطالية الوطنية، وحذّر من أن إيطاليا سوف تكون مجبرة على الالتزام بإصلاحات قاسية ومؤلمة جداً لنظام الضرائب والتقاعد، مقابل الأموال الضخمة التي ستحصل عليها من الاتحاد الأوروبي. من الجدير بالذكر أن الحسابات الأولية لإيطاليا سوف تحصل على مئتين وتسعة مليارات يورو من مجموع تلك الأموال، منها نحو اثنين وثمانين مليار يورو من شريحة المنح المالية، ونحو مائة وسبعة وعشرين ملياراً من شريحة القروض المقررة.
لم يقف الأمر عند اليمين الإيطالي، فقد ندّدت مارين لوبين زعيمة أقصى اليمين الفرنسية بالاتفاق، وقالت: “لقد وقع إيمانويل ماكرون على أقسى وأصعب اتفاق لفرنسا في تاريخ كامل بلدان الاتحاد الأوروبي.. لقد ضحى بفرنسا وبمستقبلنا واستقلالنا من أجل منصبه، ومن أجل مصالحه الخاصة”.
أما اليسار الراديكالي الفرنسي فقد أدان الاتفاق، ومن جهته اعتبر جان لوك ملينشون المرشح الرئاسي السابق، أن ماكرون أعطى الكثير من الطاقة والردع في صندوق “التعافي” للدول الضعيفة اقتصادياً ومادياً التي تمارس حالة التقشف، وهو بهذا يقصد الدانمارك وهولندا والنمسا والسويد.
الحكومة الألمانية درست الموضوع من جوانبه المختلفة، فقد أفاد استطلاع للرأي جرى في جمهورية ألمانيا الاتحادية بأن نسبة 40% من الشعب الألماني يعتقدون أن خطة الدعم التي أقرتها القمة الأوروبية لن تعزّز التماسك بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، لكن الاتفاق أثار ردود فعل قوية جداً في العديد من الأصوات، حيث قام معهد “يوكوف” الألماني بتقديم دراسة موثقة تشير إلى ارتفاع نسبة المشككين في تأييد الاتفاق ودعمه بين أواصر الشعب الأوروبي بمجمله، وخاصة جيل الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين ثمانية عشر عاماً وأربعة وعشرين عاماً. فقد أفادت نسب العينات التي وصلت نسبة 51% منها بأن الحزمة المالية لن تعزّز تماسك دول الاتحاد الأوروبي، أما أنصار البيئة فقد وجهوا انتقادات حادة جداً للخطة التي أخفت قضايا حماية البيئة، حسب رأيهم الشهير بضرورة حماية البيئة!.