من يعيث فساداً بالاقتصاد؟
حسن النابلسي
ينبع هذا التساؤل العريض من مفرزات طالما أوحت بشكل أو بآخر – رغم تواضعها – بامتلاك الاقتصاد السوري مقومات ذات أبعاد تنموية، ينقصها التوظيف الاستثماري السليم المعتمد بالدرجة الأولى على الإدارة الحكيمة والإرادة الجدية..!
الأمثلة، بهذا السياق، أكثر مما تعد، فما ينتاب منتجات القطاع الزراعي، بشقيه النباتي والحيواني، من تدن في الإنتاج بحيث لا يكفي حاجة السوق المحلية موسماً، ووفرته موسماً آخر، ما هو إلا مؤشر على عدم التخطيط الاستثماري السليم الذي ينعكس بتداعياته السلبية، سواء لجهة تذبذب دخل الفلاح بين الخسارة والربح، أم لجهة ارتفاع أسعار هذه المنتجات بالنسبة للمستهلك في حال ارتفاعها نتيجة تدني الإنتاج وعدم كفايته لحاجة السوق المحلية.. ما يعني أن القطاع الزراعي هو أحد روافع الاقتصاد السوري إلا أن القائمين عليه لم يتقنوا قيادة دفته للأخذ بيده لتحقيق القيم المضافة الكفيلة بتحقيق أكبر قدر من الإيرادات لصالح الناتج الإجمالي..!
وإذا ما عرجنا على القطاع الصناعي، فسرعان ما نصطدم بترهل قطاع لا يزال يخطو متثاقلاً في ظل عدم وجود خارطة استثمارية واضحة المعالم تحدد تموضع الصناعات، خاصة الغذائية منها، حسب كل منطقة، ووفق ما تتمتع به من مقومات، مع الإشارة هنا إلى ما يزخر به هذا القطاع من إمكانيات تتصدرها القوى البشرية والكادر المؤهل، يضاف إليهما الملاءة المالية لعديد المستثمرين، علماً أن منتجات صناعية سورية عديدة غزت أكبر اقتصادات العالم، كالألبسة والصناعات الغذائية، التي بدأت تشهد انحساراً يهدد وجودها..!
أما القطاع التجاري، فإن الاستيراد – على ما يبدو- هو همه الأوحد، إذ أن القائمين على اتحاد غرف التجارة السورية قد ألغوا “التصدير” من قاموسهم التجاري، وزجوا كل طاقاتهم باتجاه “الاستيراد”، تحت ذرائع وحجج من قبيل ضرورة تأمين احتياجات البلاد في ظل ما تعانيه من عقوبات!! ومع إقرارنا بهذه الحيثية وأهميتها، إلا أنه لا يجوز تغييب التصدير كركن أساسي من الأركان الداعمة للاقتصاد السوري..!
ومن المقومات الداعمة للاقتصاد السوري، غير الموظفة بالشكل الصحيح أيضاً، السياحة التي لم يتم الاشتغال عليها بما يلبي الطموح، إذ لم تستطع وزارة السياحة الوصول إلى صناعة السياحة بما يحقق إيرادات بالقطع الأجنبي بمستوى ما تنعم به سورية من مناطق سياحية وأوابد تاريخية.. وهنا، نتحدث عن أوقات الرخاء، وليس عن سنوات الأزمة العجاف، فما بالكم والحال الذي نمر به في ظل تفشي وباء كورونا..!
هذا غيض من فيض تواضع مفرزات مقومات عدة يتمتع بها الاقتصاد السوري، يفترض أن تكون على درجة أكبر من الكم والنوع؛ ونعتقد أنه في حال أسقطنا “الإدارة والإرادة” – الموما إليهما آنفاً – على منتج القطن فقط فسوف يحدثان فارقاً يفوق التوقعات لجهة الاستفادة القصوى من هذا المحصول، خاصة إذا ما علمنا أن سورية كانت تنتج 700 ألف طن قطن في العام قبل الأزمة، بمردود مالي يقدر بمليار دولار ما بين تصدير وبعض التصنيع البدائي، في حين أن القيمة المضافة لتصنيع القطن، من محبوب إلى محلوج إلى خيوط إلى نسيج ومن ثم ألبسة، تعادل 8 أضعاف قيمته الأولية، بمعنى أن الكغ الواحد من القطن المعادل قيمته وقتها دولاراً واحداً فقط ينتج 5 كنزات “تي شيرت” ثمنها 8 دولار.!
هذا فضلاً عن مخلفات القطن التي كان يتم حرقها أو قلعها، والتي كان يمكن أن تنتج 5 مليون طن خشب MDF نستورده من الخارج بقيمة 2 مليار دولار، بالإضافة إلى الميرسيليزيه المستخدم كعلف للحيوانات بما يعادل مليار دولار..!
أي أن هناك ثروة ضائعة بقيمة 11 مليار دولار كانت تذهب هباء منثوراً، هذا على صعيد محصول واحد فقط، فما بالكم في حال الحديث عن بقية المحاصيل الزراعية والمكونات الاقتصادية الأخرى، فالرقم سيتعدى ذلك بأضعاف – أغلب الظن – ستكون مضاعفة.. ولعل ما ينسحب على التعاطي مع حيثية القطن كإحدى حيثيات القطاع الزراعي، ينسحب على كل القطاعات الأخرى وحيثياتها كافة..!