مجلة البعث الأسبوعية

منتخبنا الوطني الأول لكرة القدم يطرق مرمى (غينيس).. الفرار من كورونا إلى الشيراتون مع الإصرار على العودة إلى الصفر!!

حلب ــ محمود جنيد

لم يلبث منتخبنا الوطني الأول لكرة القدم في حلب إلا عشية وضحاها، ومن فوره حزم أمتعته ميمماً شطر العاصمة دمشق ليستأنف معسكره الداخلي هناك، بقرار تشاوري بين مشرف المنتخب، عبد القادر كردغلي، وعضو الاتحاد العربي السوري لكرة القدم، سعد الدين قرقناوي، بناءً على توصية اللجنة الطبية بالمنتخب، إذ كشفت نتائج الفحص المخبري PCR (مسحات كورونا) الذي خضع له إصابة سبعة من عناصره (أربعة لاعبين وثلاثة من الكادر الفني والإداري) بالفيروس الغادر!

 

حلم الشعب

منتخبنا الوطني الذي كنا على تماس مباشر معه، منذ اللحظة التي تقرر بها معسكره في حلب، بالتواصل مع رئيس اتحاد كرة القدم العميد حاتم الغايب، وبعدها على الطبيعة بعد وصوله، حقق انفردات سجل منها أهدافاً سبقية مع وصول المدرب التونسي إلى سورية وإمساكه دفة القيادة، بانخراطه بمعسكر داخلي على شكل تجمعات ضمن عدد من المحافظات بالتناوب، ولمدة تزيد عن الشهر، ويعد “المعسكر” الأول من نوعه على صعيد المنتخبات الوطنية في العالم في ظل الظروف الكورونية الراهنة، كما لم تدم مدة باكورة تجمعات “معسكره” بحلب أكثر من مران خفيف واحد؛ ومن وجهة نظرنا، كانت هذه الحصة التدريبية التي اقتصرت على 17 لاعباً، مقابل 15 من عناصر الجهازين الفني والإداري والطبي، كفيلة بالبوح بأسرار سياسة عمل ونهج المدرب “المعلول” الذي ظهر غاية في الجدية؛ ولا وقت لديه ليضيعه مشهراً سيف العمل القاطع في معركة الانتصار لحلم التأهل إلى نهائيات كأس العالم 2022.

 

صدمة وشكوك

جاء وقع خبر الإصابات في صفوف المنتخب الوطني صادماً، متناقض الوقائع بالنسبة للشارع الرياضي السوري، فمعظم اللاعبين، وحتى أعضاء الكادر الإداري الذين ثبتت إصابتهم، شاركوا بمران المنتخب (أحمد أشقر، أحمد الأحمد، محمد عنز، عساف خليفة، وسام غيبور، مهند الأسعد)، والاستثناء الوحيد كان مارديك ماريكيان الذي تخلف من باب الحيطة بسبب شعوره بعوارض إرهاق وتعب، ومعه خالد كردغلي، وخالد مبيض، وحسين جويد، وكامل كواية، وحسين جويد، فكانت الإشارة هنا إلى وجود بعض التهاون أو التقصير الطبي الذي سبب ذلك التخبط والقصور في تطبيق الإجراءات الاستباقية اللازمة، حتى أن هناك من تحدث عن عدم وجود كادر طبي أو طبيب مرافق للمنتخب، بينما المعطيات على الأرض أكدت وجود مسؤول اتصال بين لجنة الطب الرياضي والمنتخب، وهو د. بسام الحايك، عضو اتحاد الطب الرياضي ولجنة الطب الرياضي باتحاد الكرة، والذي تولى مسؤولية تنسيق إجراءات تطبيق البروتوكول الطبي الخاص بالمنتخب وقدم محاضرة خاصة لأعضاء المنتخب الوطني تضمنت لمحة تعريفية عن كوفيد-19، وكيف ينتقل، والأعراض التي قد تأتي مجتمعة أو منفردة، ومتى يجب غسل اليدين وتعقيمهما، وكيفية تقديم التحية وتعليمات وضوابط والإجراءات الأخرى، والحالات التي يمنع فيها اللاعبون من ممارسة النشاط الرياضي، وإجراء الاختبارات.

 

توضيح طبي

ومن خلال تواصلنا معه بعد اتخاذ قرار الإلغاء القصري لمعسكر المنتخب، أوضح د. حايك أنه، وتطبيقاً لمعايير الاتحادين الآسيوي والدولي لكرة القدم، وحرصاً على سلامة عناصر المنتخب، وكذلك الجمهور الذي سمح له بحضور التدريبات على الطبيعة، اقتُرح أخذ مسحات وذلك بالتعاون مع مدير صحة حلب، بعد نصف ساعة من وصول اللاعبين عند الثانية من ظهيرة الاثنين، 3 آب الجاري، وسبقته قصة سريرية مفصلة لأعضاء المنتخب الـ 34؛ وكانت نتيجة المسحات إيجابية لسبعة عناصر، هم مدير المنتخب واثنان من الكادر الطبي وأربعة لاعبين أحدهم من اللاذقية، وثلاثة من حلب، لتعقد اللجنة الطبية إزاء ذلك اجتماعاً طارئاً مع مدرب المنتخب وعضوي اتحاد الكرة، عبد القادر كردغلي وسعد الدين قرقناوي، بالمشورة التواصلية مع رئيس اتحاد كرة القدم ورئيس الاتحاد الرياضي العام، ليكون التوافق على إيقاف المعسكر بحلب والتحول به إلى دمشق مع تطبيق الحجر الكامل والتوصية بإجراء التمارين الهوائية التي يوصى فيها بالحجر للأشخاص الذين ليس لديهم إصابات مؤكدة بالفيروس للحفاظ على لياقتهم ورفع مناعتهم.

 

هل فشلت المهمة؟!

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: أين طبيب المنتخب المختص؟ ولماذا غادر المنتخب مدينة حلب واتجه للعاصمة لاستئناف معسكره؟ وهل هذا يعتبر تسليماً بفشل مهمة الاستضافة، وعدم القدرة على التعامل مع الأمور الطارئة؟

الإجابة جاءت على لسان عضو اتحاد كرة القدم والمشرف الإداري على معسكر حلب، سعد الدين قرقناوي، موضحاً بأن المشكلة كانت في الحجوزات الفندقية إذ تم تغيير مقر إقامة المنتخب من فندق قصر حلب إلى فندق الشهباء بناء على طلب المدير الفني الكابتن نبيل معلول، إذ تتوفر أماكن وقاعات للمحاضرات النظرية في الفندق الذي تم الانتقال إليه، إلا أن حجوزات الغرف توزعت على ستة طوابق واعتذرت إدارة الفندق عن إتمام الاستضافة حرصاً منها على القيام بعمليات التعقيم اللازمة، ما استدعى نقل المعسكر إلى دمشق بعد تأمين حجز فندقي لائق في فندق شيراتون دمشق، ضمن جناح طابقي كامل، وبإقامة تراعي متطلبات السلامة والصحة العامة لجميع أفراد المنتخب. وأكد قرقناوي أن مران المنتخب الوحيد نفذت خلاله جميع الإجراءات الاحترازية من تباعد مكاني وعدد محدود من اللاعبين في الوحدة التدريبية وتعقيم لمرافق الملعب وارتداء الكمامات من قبل عناصر الخدمة وجميع أفراد المنتخب، مردفاً بأن الأفراد المصابين تم حجرهم ضمن قسم الحجر الخاص في مشفى ابن خلدون محاطين بأعلى درجات الرعاية الطبية، ما ساهم بتعجيل شفائهم وإمكانية التحاقهم بمعسكر دمشق على أن يعود الجميع لاحقاً إلى حلب للبدء بمرحلة جديدة من معسكر المنتخب، حسب الاتفاق الحاصل بين المدرب وطاقم اتحاد الكرة؛ وبالنسبة لهوية طبيب المنتخب، بين عضو اتحاد الكرة بأنه مكلف وبشكل رسمي (د. المختص أحمد كنجو)، وسيكون على رأس الطاقم الطبي.

 

مع “المعلول”!

وبالعودة “فلاش باك” إلى نقطة تلاقينا مع مدرب المنتخب التونسي نبيل معلول، وكان ذلك في ملعب الحمدانية صبيحة الثالث من آب الجاري، رفقة رئيس اللجنة التنفيذية للاتحاد الرياضي بحلب، معن غنوم، ومدير الملعب عضو اتحاد الكرة، سعد الدين قرقناوي، ركزنا على الـ “ري آكشن” ونظرات المدرب التي اتسعت حدقته وهو يرمق مسطح الملعب الأخضر بالنظرات الأولى وكأنه أراد أن يقوم بتقريب المسافة “زووم” قبل أن يطأ عشب الملعب؛ وعندما وصل وعاين، قال: “ماشاء الله!! هكذا أرضية هي أفضل ما رأيت على مستوى الملاعب السورية (عالميةً)”، مضيفاً بأن ملعب الحمدانية هو الخيار المثالي لمعسكر المنتخب، وبالتالي سيناقش إمكانية تمديد المعسكر في حلب مع اتحاد اللعبة عقب ما رآه.

 

محطات وعوالم

في غرفة مدير الملعب، أجرينا حوارنا الخاص مع المدرب التونسي.. أفرد قائد نسور قاسيون أجنحة الحديث صافات، وأصداء صوته ولغته التعبيرية أخذتنا إلى عوالم ومحطات الحلم، ووصلتنا الفكرة التي أرادها عندما قال: “المنتخب الوطني السوري هو الوحيد الذي يقيم معسكراً تدريبياً لمدة شهر وأسبوع، كونه مقبلاً على موسم استثنائي، فبعد سنة وثلاثة أشهر يتكشف مصير منتخب سورية، وإن كان قد نجح بالوصول إلى نهائيات كأس العالم! وهذا يحتاج إلى جهد جبار وصبر وتضحيات وتحضيرات على مستوى نوعي وعال جداً لتحقيق الطموح”.

المدرب قال ذلك وكأنه يستبق الظروف والمصاعب وطوارئ الأمور التي يمكن أن تعترض طريق المنتخب في التحضير، وخلال الدور الثاني (اعتبر الوصول إليه مضموناً) للتصفيات المشتركة المؤهلة لنهائيات كأس العالم 2022، وكأس آسيا 2023.

وأشار المعلول إلى صعوبة مهمة المنتخب بعد تجاوز مرحلة إياب الدور الأول بنجاح، عندما قال:

“المهمة صعبة والتعامل معها سيكون بشكل مرحلي.. خطوة بعد خطوة، لأن الفريق سيقابل في الدور الثاني منتخبات قوية جداً ومتمرسة، من شرق وغرب آسيا والعرب، ولديها الخبرة والباع في المشاركة في مثل هذه الاستحقاقات بينها من وصل إلى نهائيات كأس العالم وفاز ببطولة آسيا، ومنها من وثب إلى مرحلة عالية من التطور.

إلا أن مدرب المنتخب الوطني السوري لم يخف تفاؤله بالنجاح من خلال توفير السلاح الذي لا يمكن هزيمته، إذ قال: المنتخب السوري يمتلك عناصر ذات كفاءة عالية وموثوقة وقادرة على المضي بقوة وثبات، وأكثر ما شجعني على الترحيب بالمهمة وقبول التحدي هو الروح التي شاهدتها عند الجمهور السوري الاستثنائي واللاعبين، والروح العالية والعزيمة هي التي نطلبها من اللاعبين لتحقيق الانتصارات والوصول إلى الغاية المطلوبة، أما بقية الأمور الفنية والبدنية والتكتيكية وتطوير قدرات وكفاءة اللاعبين ومستواهم فهي مهمتنا كجهاز فني، وأكرر: الروح، ثم الروح، ثم الروح.. هي كلمة سر التفوق والمضي قدماً في المهمة الوطنية الكبيرة التي تنتظر اللاعبين.

وبالتطرق لمهمة وسيرة اللاعبين، كان لنا تساؤل حول اقتصار المعسكر التدريبي الداخلي على المحليين منهم، كذلك حول مقاييس الاختيار، فجاءت الإجابة من المعلول: المعسكرات الداخلية مقتصرة على اللاعبين المحليين من الفرق السورية، بانتظار “الفيفا داي”، وتبدأ بالنسبة للاتحادات الآسيوية والأفريقية بين الخامس والثالث عشر من تشرين الأول المقبل بالنسبة للاتحادات الآسيوية والأفريقية، ويقول القانون بإمكانية التحاق اللاعبين المحترفين في الأندية غير السورية قبل أربعة أيام منها، أي الرابع أو الخامس من تشرين الأول المقبل؛ وبالنسبة للشق الثاني من السؤال، يمكن القول أن لدينا فكرة كاملة ووافية من خلال إحصائيات جماعية للفرق وفردية عن جميع لاعبي المنتخب الذين ضمهم من خلال متابعة اللاعبين الذين تميزوا قبل وبعد فترة كورونا في الدوري السوري، وممن تألقوا سابقاً مع المنتخب ولم ستنح لهم الفرصة بسبب ظروف الإصابات وسواها، إذ سيكون المعسكر التدريبي للمنتخب فرصة لتحضيرهم وتجهيزهم.

وعن برنامج المذاكرات العملية والمباريات الودية الداعمة لتحضيرات المنتخب، أوضح المعلول: البرنامج التحضيري يتضمن المباريات الودية التي تمت مراسلة الاتحادين الإيراني والعراقي بشأنها: الأولى مع إيران في الثالث من أيلول المقبل، والثانية مع العراق في الثامن منه، دون أن يأتي رد رسمي بهذا الخصوص بسبب الظرف الصحي المتعلق بتفشي كورونا في إيران التي عاود اتحاد كرة القدم السوري مراسلة اتحادها الوطني مقدماً خيار تغيير مكان إقامة المباراة بانتظار التطمينات والرد الرسمي من هناك، وعلى أساس برنامج المباريات سيتم تحديد مدة المعسكرات التدريبية الداخلي في المحافظات السورية.

وبالنسبة للكيفية التي سيتعامل بها مدرب منتخب سورية لتنقية أجواء غرفة الملابس التي شهدت خلافات وانقسامات سابقة تسببت بفشل المنتخب في بطولة آسيا الأخيرة وخروج المنتخب من الدور الأول بخيبة كبيرة بعد طفرة ملامسة الوصول إلى نهائيات كأس العالم في روسيا 2018، أكد: التماسك سيكون بطانة المنتخب التي تظلله وتعزز فيه الحالة التي يحرص على تكريسها وهي حالة التناغم والمحبة والألفة داخل وخارج الملعب ليكون المنتخب قادراً على الوصول إلى أبعد حد ممكن في التصفيات المشتركة وتحقيق حلم الوصول إلى نهائيات مونديال قطر.

 

هل يفعلونها؟!

ختاماً، يمكننا القول أن الانطباع الأولي المستقى من حوارنا مع المدرب “معلول” تلقينا منه “أسيست” الثقة والتفاؤل، فهو مؤمن بالجمهور السوري بما يمثله من عون وسند ومؤشر لبوصلة النجاح، وواثق بلاعبيه وقدرتهم على الوصول إلى أبعد حد مرتجى، ومثمناً الدور الإيجابي للقيادة الرياضية التي سلمته مقاليد الأمور مرتبطة بالدعم اللامحدود ومقومات النجاح لمهمة المنتخب، فهل سيفعلها ابن تونس الخضراء مع نسور قاسيون، ويحلقون بحلمنا في فضاء المونديال؟!