تحقيقاتصحيفة البعث

رؤى مشجعة وتفاؤل بالانتصار على الوباء.. ماذا بعد كورونا؟!

قد يبدو للبعض أن طرح هذا السؤال ليس في وقته، على اعتبار أننا ما زلنا نعيش في خضم قوة الفيروس الذي يحصد كل يوم عشرات الآلاف من البشر في مختلف أنحاء العالم، رغم أن الأمل عاد بتطويق هذا الوباء الخطير مع إعلان روسيا إنتاج أول لقاح وقائي سيكون جاهزاً حسب زعمها خلال أقل من شهر.

دعوة للتخيل

لكن دعونا نتخيّل أن هذا الفيروس المستجد ذهب إلى غير رجعة، فكيف سيكون نمط حياتنا بعد أن فرضنا على أنفسنا عادات وأساليب عيش لم نكن نفكّر بها أصلاً، كالحجر الصحي وتوابعه (تباعد مكاني.. عدم المصافحة.. ضرورة التعقيم الجسدي والمكاني.. تقليص ساعات العمل.. تجريب أسلوب التعلّم عن بعد في المدارس والجامعات.. وغيرها من أساليب الوقاية). وهناك من يسأل: هل سنحافظ على هذه التغيرات السلوكية إلى وقت طويل، أم ستصبح من الذكريات التي لا تخلو من الفكاهة والإنسانية؟.

وفق معطيات الواقع الحالي، هناك من هو متفائل بغدٍ أفضل، وهناك من بدا متشائماً إلى حدّ ما، ورغم تنوع مضمون الإجابات، التي حصلنا عليها، لكن محورها كان “الدعوة” لأن نتعلم الدرس ونعرف كيف نواجه الكوارث والأزمات أياً كان نوعها، بدلاً من البكاء على اللبن المسكوب، فالأخطاء التي وقعنا فيها سواء على المستوى الرسمي أم الشعبي يجب ألا تتكرّر، مع جائحة أخرى (لا قدّر الله)، حيث كان بالإمكان أفضل مما نحن عليه الآن، لكن يبدو أنه مكتوب علينا ألا نتعلم بعد أكثر من تسع سنوات حرب مدمّرة بكل أنواعها!.

سينتصر الإنسان

الأديب الدكتور حسين جمعة بدا متفائلاً بالأيام القادمة، وبرأيه أن الكون مجبول على الاختبار والابتلاء، مؤكداً أن الإنسان سينتصر في “معركة” كورونا في نهاية المطاف، ما يعني أنه سيبقى القويّ الصابر والعاقل الحكيم.

على المحك

الدكتورة رشا شعبان الأستاذة في كلية الآداب بجامعة دمشق ترى أن العالم بعد “كورونا” سيصبح أكثر قوة، ويأتي ذلك من منطلق إيمانها بأن الأزمات والكوارث تضع الشعوب الحيّة على المحك، حيث تخرج منها بمخرجات أكثر قوة وثباتاً لمواجهة الخطر، مؤكدة أن العالم لن يعيش معزولاً ولن يعتاد على ذلك، لكن بالتأكيد سيكون مركز القوة للشعوب المتقدمة علمياً والسبّاقة في اكتشاف الحلول والعلاجات الناجعة.

صيغ أكثر وعياً

أما عن تفاصيل الحياة التي قد تختلف ما بعد كورونا، فقد بيّنت شعبان أن العالم مدعو لصيغ مختلفة من العلاقات الاجتماعية، صيغ أكثر وعياً خارج الأطر التقليدية، لكن ليست أقل صدقاً وحميمية، بل أكثر وعياً، وفيما يخصّ الجانب الوقائي، سيكون -حسب رأيها- أكثر أهمية في حياتنا، وهذا ما يجب أن يكون: “بالتأكيد لن نتخلى عن العلاقات الاجتماعية ونعيش في عزلة لأن ذلك من صيرورة البشر، فالمشكلة ليست في العلاقة الاجتماعية، بل في كيفية تلك العلاقات وطقوسها الخاطئة أحياناً”.

عدم الاستقرار الفكري

لا غرابة أن تنتج عن الأوبئة الخطيرة حالة من عدم الاستقرار الفكري، وبحسب الدكتور هاجار رستم عبد الفتاح “محاضر في التنمية البشرية”، هذه حالة طبيعية ومتوقعة تصيب الإنسان ولها انعكاس مباشر على سلوكه لجهة تأمين الحماية والشفاء، بمعنى آخر دخول الفكر في دائرة الهالة المرضية غير المرضية بالنسبة له، ويحاول بشتى الوسائل الخلاص من هذه الهالة، أما بعد الشفاء فسيكون سلوكه أكثر توازناً من الناحية الصحية والاجتماعية، والتوازن بحدّ ذاته يخلق سلاماً داخلياً ينعكس على ذاته ودائرة حياته الخارجية.

ويوضح عبد الفتاح أنه من المنظور التنموي العميق أي حالة غير مُرضية، إن كانت مرضاً أو إخفاقاً، تكون عبارة عن تجربة يُستمد منها المعرفة والقوة لاستكمال مسيرة الحياة بشكل أفضل، مؤكداً على أهمية أن يتعلّم الإنسان من تجاربه ليكون أكثر قدرة على مواجهة المشكلات التي تصيبه وتضرّ بمصلحته ومصلحة مجتمعه.

مصالح مرسومة

سامر بكور “كاتب وصحفي” عبّر عن تفاؤله الكبير بإيجاد دواء فعّال للفيروس كما حصل مع عدة أمراض سابقة لاقت انتشاراً وألحقت ضرراً مخيفاً بالعالم، مشيراً إلى طبيعة الناس المتقلبة، حيث يكون تجاوبها حسب المرحلة والظروف والأوضاع: “ما يزعج ويؤلم حتى الآن أن نجد مثقفين نعوّل عليهم، لكنهم ما زالوا يتعاملون مع “كورونا” بكل استهتار وبنوع من اللامبالاة المستفزة”.

“للأسف العالم كلّه يسير وفق مصالح مرسومة مسبقة، وقد يختلف التكتيك حسب الظروف وسيبحث عن حلول بكل الوسائل الممكنة، بينما نحن العرب سنبقى بانتظار فرج السماء وحنان الغرب أو الآخر علينا”.

عالمياً..
في الغرب يرجح علماء النفس والاجتماع حسب الدراسات التي تمّ إجراؤها “أن العالم سيحافظ على التغيرات السلوكية التي طرأت على تفاصيل الحياة لبعض الوقت، كالتغيير في طريقة التحية والسلام والسلوك “العزلة” في أماكن العمل والبيت، من غير أن يعرف أحد إلى أي مدى سيستمر ذلك”.

كلنا أمل أن ننجح في التكيّف مع جائحة كورونا ونخرج بأقل الخسائر، ونتعلم كيف نتفادى الأخطار، فالتجربة رغم مرارتها مفيدة للجميع، لجهة أن نكون أكثر حرصاً ووعياً وانتباهاً من أجل تحقيق الأمان بشقيه النفسي والجسدي من خلال اعتماد روابط وعلاقات اجتماعية منضبطة تحقّق التواصل الحقيقي بين أفراد المجتمع الواحد، ومع باقي المجتمعات في العالم، عدا عن الاستمرار بالعادات الصحية السليمة، وهناك من يفترض حدوث تغيير في بنى الاقتصاد بعد هذه الجائحة المخيفة.

غسان فطوم