أقـل مـا يـقـال.. أما آن إطلاق صافرة الإعمار..!
“البعث الأسبوعية ” حسن النابلسي
من المفترض أن يكون الاشتغال على الإعمار هو المنهج الضابط لإيقاع العمل الحكومي ككل، وأن تبدأ إرهاصاته بالظهور حالياً في كل القطاعات الاقتصادية والخدمية على حد سواء..!
لكن على ما يبدو لا تزال أغلب المؤسسات الحكومية تتذرع بالأزمة وتداعياتها، وتصر على تعليق انتكاستها حيناً، وفشلها أحياناً أخرى، على شماعة الأزمة، وإذا ما دققنا بالتقارير الصادرة عن هذه المؤسسات، والتي تتناول تنفيذ الخطط ونسب الإنجاز، فسرعان ما تعكس مؤشراتها ضآلة الأخيرة، مشفوعة بـ “الأزمة وتداعياتها”، إذ من غير المعقول أن تتغنى إحدى المؤسسات الإنتاجية بحجم مبيعات لا يتجاوز الـ 2 مليون ليرة، ومن غير المستساغ رمي الكرة بملعب الغير لجهة تحميل مؤسسة ما نظيراتها الحكومية مسؤولية عدم استجرار منتجاتها المكدسة بالمخازن، وكأن إنتاجها مخصص للقطاع العام دون الخاص..!
ما تحمله التقارير الموما إليها آنفاً، في طياتها، يشي بأن الحكومة لم تعتمد بعد إستراتيجية واضحة ومحددة المعالم للتعاطي مع الإعمار كعنوان رئيس للمرحلة القادمة، إذ تعكس هذه التقارير استمرار اعتماد منهجية عمل تقليدية، خالية من أية مبادرات، أو برامج وآليات عمل توائم مقتضيات مشروع الإعمار المعوّل على أن يكون استثنائياً بامتياز..!
يقودنا هذا الحديث إلى مسألة الإصلاح الإداري وما يتضمنه من برامج اعتمدتها وزارة التنمية الإدارية وخاصة برنامج الجدارة القيادية، وما يتطلبه من شروط ومعايير كفيلة بتطوير عمل المؤسسات الحكومية الذي لم نلمس حقيقة مفاعيله حتى اللحظة، إذ أن الترهل لا يزال يستحكم بالمؤسسات الحكومية ومفاصلها، وإذا ما تحدثنا بلغة الأرقام وما تعكسه من العِبرْ المحققة بالنتائج، نجد أن مجموع الأرباح الصافية لـ 23 شركة خاصة مدرجة في سوق دمشق للأوراق المالية بلغت 114 مليار خلال العام 2019، في حين يظهر التقرير الصادر عن وزارة الصناعة ومؤسساتها المتضمن تتبع التنفيذ والمؤشرات والمتغيرات الاقتصادية أن أرباح القطاع العام الصناعي بلغت 20 مليار ليرة فقط خلال العام 2019..!
وإذا ما حاولنا التفصيل أكثر يتبين لنا أن شركة إسمنت خاصة حققت أرباحاً صافية بقيمة 15.5 مليار، في حين أن المؤسسة العامة لصناعة الإسمنت ومواد البناء التي اقتصرت أرباحها على نحو 2.6 مليار ليرة، علماً أنه يتبع للمؤسسة أكثر من شركة..!.
بالطبع، الإعمار لا يقتصر فقط على هذا الجانب الاقتصادي، بل يشمل كل الجوانب الخدمية، والاجتماعية، والتربوية، والثقافية.. إلخ، وفي هذا السياق لم نلحظ – على سبيل المثال لا الحصر – ما ينم عن القيام بأية مبادرة أو اعتماد آلية عمل لتطوير العملية التربوية، ولا حتى تقديم مشروع ثقافي يصقل تفكير ومسلكيات مجتمع عانى ما عاناه خلال عقد من الزمن، إذ نجد أن الأمور – في أحسن الأحوال – لا تزال تسير بطريقة تقليدية بحتة، هذا إذا لم نقل أنها بدأت تشهد تراجعاً ملحوظاً، وما ازدياد حالات الجريمة إلا مؤشراً على تدني مستوى الأخلاق المرتبط بالضرروة بتدهور الحالة الثقافية من جهة، وبالضغط المعيشي من جه ثانية..!
ما سبق عرضه يشي إما بأن مشروع الإعمار غير مكتمل حتى الآن، أو أن الحكومة بالفعل قد اعتمدت إستراتيجيته، إلا أن تطبيقها اصطدم بعقبات غير محسوبة، من قبيل تعطيله من قبل بعض المتنفذين لخدمة مصالحهم الضيقة، وترهل عدد من المفاصل التنفيذية حال دون ظهور أي انعكاس – ولو بسيط – لهذا المشروع وما إلى ذلك من الأسباب.. ما يدفعنا للقول: إذا ما أردنا بالفعل أن يكون الإعمار مشروعاً حقيقياً وشاملاً لكل القطاعات، فإن ذلك يحملنا جميعاً مسؤولية الاضطلاع به كل حسب موقعه، وأي تخاذل بهذا المجال يصنف ضمن “دائرة الفساد”..!