مجلة البعث الأسبوعية

 الأوبئة والحروب أوقفت النشاطات الرياضية والعالم تكيف معها!

“البعث الأسبوعية” – سامر الخير

تربع فيروس كورونا المستجد على عرش أكثر الظواهر تأثيراً على النشاط البشري حتى أنه تفوق على الحربين العالميتين، ولأن الرياضة هي جزء لا يتجزأ من الواقع الذي نعيشه، بل وقد تكون من أكثر الأنشطة التي تتأثر بالأحداث المحيطة، كان لها الحصة الأكبر من تداعيات انتشار جائحة كورونا، حيث تأجلت ثماني بطولات دولية إلى العام القادم، أهمها الألعاب الأولمبية (طوكيو 2020)، وبطبيعة الحال أجلت دورة الألعاب البارالمبية التي عادة ما ترافق الدورة الأولمبية إلى العام القادم أيضاً، وفي عالم كرة القدم تأجلت كأس الأمم الأوروبية (يورو 2020)، وكأس أمم أمريكا الجنوبية (كوبا أميركا 2020) حتى العام المقبل أيضاً، فيما تغير موعد عدد أكبر من البطولات والأنشطة الرياضية المتنوعة بدءاً من الدوريات المحلية والإقليمية لكرة القدم مروراً بألعاب القوى وانتهاءً برياضات المحركات.

ما نود تأكيده في هذا السياق هو أن فيروس كورونا ليس أول وباء أو حدث عالمي يوقف النشاط الرياضي، بل هناك العديد من الأحداث التاريخية التي فعلت ما فعله “كورونا”، لكن الأهم هو كيفية تأقلم عالم الرياضة معها؟

إذا ما ستعرضنا التاريخ المعاصر نجد أن النشاط الرياضي توقف مرات عدة، وبشكل متفاوت بحسب نوع الرياضات والحدث الحاصل، وقد استطاعت العديد من الدول تحدي ما أصابها والتأقلم معه ومتابعة نشاطها الرياضي ولو بطريقة مختلفة كتغيير نظام اللعب أو مكانه وزمانه، وفي أحيان أخرى لم تملك بداً من التأجيل أو الإلغاء على غرار ما حدث هذا العام ولكن ضمن نطاق ضيق اقتصر على بعض الدول.

فخلال الحرب العالمية الأولى عام 1914، والتي كان مسرحها أوروبا رغم مشاركة دول أخرى كالولايات المتحدة، توقفت المسابقات الرياضية بشكل كامل خلال الفترة ما بين 1914 حتى 1919، بسبب أعمال العنف المتبادلة بين دول أوروبا خصوصاً إنكلترا وألمانيا.

أما في الحرب العالمية الثانية، التي اندلعت في الأول من أيلول عام 1939 في أوروبا وانتهت في الشهر ذاته عام 1945، فقد كانت كرة القدم الناجي الوحيد منها، ولكن تمّ تعديل نُظمِ بعض البطولات واستحداث أخرى، ففي ألمانيا أقيمت بطولة خاصة للدوري بين 1934 و1944، وحققها نادي شالكه ست مرات ونادي دِرسندر مرتين، بينما حصدها كل من هانوفر ورابيد فيينا ونورنبرغ لمرة واحدة، وبالنسبة لمسابقة كأس المانيا، فقد حققها نورنبرغ مرتين، وشالكه ولايبزيغ وفيرست فيينا وميونخ ورابيد فيينا مرة واحدة لكل منهم.

وفي مهد كرة القدم إنكلترا، أقيمت بطولة دوري الحروب، والتي انطلقت أول نسخة منها1940، رغم مشاركة عدد كبير من اللاعبين في الحرب، وانقسمت إلى دوريين في الشمال، ودوريين في الجنوب، وكان وقتها الحضور لا يكاد يزيد على ثمانية آلاف مشجع، وحققت فرق أرسنال وتوتنهام وكوينز رينجرز وكريستال بالاس ألقاب منطقة الجنوب، وبعد عام انقسمت البطولة إلى دوريين فقط، واحد في الشمال والآخر في الجنوب، وبسبب توقف بطولة كأس الاتحاد تم استحداث بطولة جديدة بمسمى كأس دوري الحرب ووصل فيه وست هام وبلاكبرن إلى النهائي، ورغم تهديدات هتلر أقيمت المباراة بحضور 40 ألف متفرج وحقق الثاني لقبها، كما أقيمت أيضاً بطولة كأس الحرب في لندن لموسمين في 1941 و1942، وحقق ريدينغ اللقب في المرة الأولى وبرينتفورد في الثانية.

وفي إيطاليا، أقيمت بطولة للدوري الإيطالي (أو ما عرف ببطولة ألتا إيطاليا) عام 1944، ورغم أنها لم تكن رسمية، إلّا أن الاتحاد المحلي اعترف بها عام 2002، وشملت البطولة خمس مناطق مختلفة لكل منها دوريها الخاص، وبعض المناطق قسمت الدوري إلى أكثر من مجموعة واحدة، وبعدها عُمل بنظام الأدوار الإقصائية بين جميع المناطق ليحققها في النهاية فريق سبيزا، كما أقيم دوري في العاصمة الإيطالية روما، على أن يكون جزءاً من بطولة ألتا إيطاليا، ورغم فوز لاتسيو فيها، فإنه لم يتمكن من استكمال المشاركة في اللقب بعد غزو العاصمة خلال الحرب.

وأخيراً، نُظم في إسبانيا بطولة تحت اسم البحر المتوسط عام 1937 بمشاركة 14 فريقاً، حقق برشلونة لقبها متفوقاً على إسبانيول في المباراة النهائية، وطالب النادي الكتالوني في عام 2007 بإدراج هذه البطولة ضمن ألقاب الدوري التي تحصل عليها لكن قوبل طلبه بالرفض، كما توقفت بطولة كأس الملك، وخلال الفترة ذاتها أقيمت بطولة أخرى بعنوان كأس إسبانيا الحرة وحققها فريق ليفانتي، وفي عام 2007 اعترف الاتحاد الإسباني بهذا اللقب.

وإذا كنا قد ذكرنا أهم التوقفات التاريخية فإن الواقع المعاصر شهد أموراً مشابهة في العقدين الأخيرين، والبداية مع الحمى القلاعية (أو ما يعرف بداء القدم واليد) ورغم أنه يصيب الحيوانات ونادراً ما يصاب به البشر، لكنه تسبب في حالة من الذعر في مطلع الألفية الجديدة، وانتشر في عدة مناطق بالعالم، أبرزها بريطانيا وأدى لتأجيل وإلغاء عدة أحداث رياضية وترفيهية، أبرزها مباريات بطولة الأمم الست للركبي عام 2001.

وفي عام 2003 تسبب انتشار السارس في الصين بتأجيل قرعة كأس العالم للسيدات ليتقرر فيما بعد نقلها إلى أمريكا، كما اضطر الاتحاد الآسيوي لكرة القدم لتأجيل مباراتين في تصفيات بطولة كرة القدم بأولمبياد أثينا 2004 نتيجة لتفشي المرض الذي يصيب الجهاز التنفسي، كما تأجلت عدة أحداث رياضية وسباقات للخيول في العام المذكور.

واجتاح فيروس إنفلونزا الخنازير أرجاء العالم عام 2009، وأصاب ما يقارب أحد عشر مليون شخص، وتسبب في إلغاء منافسات بطولة اتحاد أمريكا الشمالية والوسطى لكرة القدم (كونكاكاف) لمنتخبات الناشئين تحت 17 عاماً، ودورة ألعاب البحر الكاريبي والسباق النهائي لسباقات السيارات السياحية (GPA) في المكسيك.

وانتشر فيروس إيبولا في القارة السمراء عامي 2014 و2015، وتسبب في نقل نسخة 2015 من بطولة كأس الأمم الأفريقية إلى غينيا الاستوائية بدلاً من المغرب، التي رفضت استضافة البطولة خوفا من تفشي المرض، كما تحولت عدة ملاعب إلى مراكز لعلاج الوباء حينها.

وأخيراً فيروس زيكا الذي ظهر عام 2016 في البرازيل، ناشراً الذعر بين الرياضيين المشاركين في أولمبياد ريو دي جانيرو، واستمرت الدعوات لإلغاء تلك الدورة، وأعلنت وقتها منظمة الصحة العالمية أن فيروس زيكا يعد حالة طوارئ صحية عامة ذات أهمية دولية، ورغم ذلك كله لم تتوقف الألعاب الأولمبية لكن غاب عنها عدة رياضيين.

ختاماً.. لم يشهد عالم الرياضة تأثيراً أشدّ فتكاً خلال العقد الأخير من فيروس كورونا، لكنه استطاع التأقلم معه ولو بدرجات أقل مما حدث مع غيره من الظواهر التي أجلت أو أوقفت بعض الأنشطة، وعليه يجب أن تضع اتحادات الألعاب الدولية خطةً مدروسةً جيداً للجوء إليها في حال ظهور أي مستجدٍ طارئٍ في المستقبل القريب، وخصوصاً أن العديد من الدراسات تشير إلى ظهور أنواعٍ فيروسيةٍ ربما أقوى من كورونا خلال الأعوام القادمة.