تحقيقاتسلايد الجريدةصحيفة البعث

استجابة متأخرة لإسعاف “الدواجن”.. سيناريو استيراده يعزز احتمالية نقل الأوبئة!

ربما لا نبالغ بالقول: إن إرهاصات احتضار قطاع الدواجن التي بدأت تلوح بالأفق، تشي بأن ثمة ارتكابات تصل إلى حد الجريمة الاقتصادية، قد فعلت فعلها، وما سيناريو التوجه نحو استيراد الفروج المجمد – المتداول حتى اللحظة من وراء الكواليس – إلا الدليل على ذلك، تحت ذريعة الاصطفاف لصالح المستهلك والانتصار له لجهة تخفيض أسعار لحم الفروج وبيض المائدة، في حين أن هذا السيناريو يخدم حقيقة ثلة من المنتفعين وما لف لفيفهم من دعاة “الاستيراد المشبوه”، على حساب تعزيز الإنتاج الوطني..!

تحذير مسبق ولكن..!

مؤشرات عدة ظهرت منذ سنوات كانت تصب في منحى التحذير من انحسار هذا القطاع الإستراتيجي، لكن استجابة الجهات المعنية والتي جاءت متأخرة حسب بعض المراقبين لم تكن على مستوى الطموح، إذ أوضح الخبير بالإنتاج الحيواني عبد الرحمن قرنفلة أن العقبات التي تعترض المربين حالياً لا تقتصر على ارتفاع سعر العلف، بل هناك مشكلة بالكمية التي خصصتها المؤسسة العامة للأعلاف المقدرة بـ100 غرام للصوص كل 60 يوما، بينما الكمية المطلوبة خلال هذه المدة هي 600 غرام ولاسيما إذا ما علمنا أن حاجة الصوص اليومية تصل لـ150 غراما, كما ينبغي إعادة النظر بمقترح دعم المربي المقدرة بـ100 ليرة المخصصة لكل صوص، وذلك على اعتبار أن سعر الصوص 150 ليرة سورية ويحتاج إلى300 ليرة من لقاح وعلف، في حين أن سعر الصوص البياض 250 ليرة سورية وتكاليف استهلاكه للعلف والدواء خلال فترة الأربعة أشهر ليصل لمرحلة البيض تبلغ حوالى 700 ليرة سورية..!.

في المقلب الآخر

نجد في المقلب الآخر أن الجهات المعنية أعدت العدة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، إذ أكد مدير الإنتاج الحيواني في وزارة الزراعة أسامة حمود سعي الوزارة لتخفيض تكاليف الإنتاج من خلال القرارات الناظمة لتصنيع البدائل العلفية من “طحين العظم – مخلفات مسالخ الدواجن والمفاقس – ومحتويات الكرش” عسى أن ينعكس ذلك على أسعار منتجات الدواجن، إضافة إلى إعفاء الأعلاف المستوردة وإضافاتها من مؤونة الاستيراد البالغ نسبتها 40% من قيمة المستوردات بما يحقق سهولة استيرادها، مبيناً في ذات السياق  أن كمية المستوردات من “كسبة الصويا – ذرة صفراء – بريمكسات – فيتامينات – متممات …” منذ بداية العام ولغاية نهاية شهر تموز  بلغت أكثر من 508 ألف طن، كما أن المؤسسة العامة للدواجن قامت بزيادة الطاقات الإنتاجية لمنشآتها وشراء حضانات ومفاقس وإنشاء معمل لأطباق الكرتون التي كانت تستورد سابقاً، وأشار حمود إلى المجلس العلمي الاستشاري الذي تم تشكيله لتنظيم قطاع الدواجن بما يضم من خبرات علمية وعملية لمتابعة مشاكل القطاع واقتراح الحلول اللازمة لمعالجة الهنات والصعوبات التي تعترضه.

العبرة بالنتائج

إذا ما قسنا ما ذكره حمود بموجب مبدأ “العبرة بالنتائج” نجد ورغم اعترافنا بما اتخذته وزارة الزراعة من إجراءات، أن الأخيرة لم يكن لها أي انعكاس على أسعار الفروج ومنتجاته، فالأسعار آخذة بالارتفاع نتيجة خروج نسبة كبيرة من المربين من دائرة الإنتاج، واستمرار ارتفاع تكاليف مستلزمات الإنتاج، إذ قدر قرنفلة نسبة المداجن المتوقفة عن العمل حالياً من مداجن الفروج بحوالى 60%، ونسبة نظيرتها المتوقفة من الدجاج البياض ما بين 60 – 70%، معتبراً أن خروج هذه المداجن عن العمل أدى لارتفاع أسعار لحم الفروج المذبوح إلى 5000 ليرة للكغ، وتجاوز سعر صحن البيض حاجز الـ 4000 ليرة سورية، ما تسبب بانخفاض حجم الطلب عليه..!.

دعوات مشبوهة..!.

في الوقت التي تحاول فيه الحكومة تمتين أسس هذا القطاع وتقوية أواصره، من خلال اتخاذها مزيداً من الإجراءات المتمثلة بتخصيص مبلغ 9 مليارات كدعم لصغار مربي الدواجن من أصحاب المنشآت المرخصة العاملة والتي تتراوح طاقتها الإنتاجية ما بين الـ 2500- 10000 طير، قابلة للزيادة بما يساعدهم على النهوض بالعملية الإنتاجية ورفد السوق المحلي وفقاً لما أكده حمود، تنساب بعض الأصوات المطالبة بفتح باب استيراد الفروج المجمد بحجة تخفيض أسعار منتجات هذا القطاع، غير مبالية -أي الأصوات المتوقع ارتفاع نبرتها إذا ما بقي الحال على ما هو عليه- بوأد قطاع طالما كان أحد أهم الحوامل الأساسية للأمن الغذائي في سورية..!.

مخاطر صحية..!.

يجابه قرنفلة هذه الأصوات بتحذير من العيار الثقيل مفاده، إن اللجوء لخيار اعتماد استيراد الفروج المجمد من الخارج لا يترتب عليه مخاطر اقتصادية تفضي إلى خسارة هذا القطاع فحسب، بل أيضاً أخرى صحية وذلك نظراً لاحتمالية نقله لأمراض وأوبئة غير موجودة بالأساس في سورية، وبين قرنفلة الشروط الصحية السورية لاستيراد الفروج التي تقتضي تشكيل لجنة فورية من قبل وزارة الزراعة تقوم بزيارة الدولة المعتمدة لاستيراد الفروج منها، ثم معاينة الدواجن في الحظائر، ومن بعدها مرافقتها إلى المسلخ ومراقبة عملية الذبح بعد التأكد من أن هذه الدولة المستورد منها لم تسجل أية حالة لأمراض سارية تنتقل من الدواجن للإنسان منذ مدة لا تقل عن 18 شهراً، إضافة إلى حصولها على شهادة نقاط الخطرة أثناء عمليات الذبح والإشراف على عمليات التعبئة مع مراعاة درجة الحرارة التي يجب أن تكون 40 تحت الصفر لعظم الفروج، معتبراً في نهاية المطاف أن هذه الإجراءات لا يمكن توافرها..!.

..وأخرى اقتصادية..!.

وبالعودة إلى المخاطر الاقتصادية لخطوة استيراد الفروج أشار قرنفلة إلى أن حاجة القطر تتجاوز 250 ألف طن من لحم الفروج، وهذه الكمية تشكل ضغطاً على سوق القطع في حال استيرادها، لافتاً في ذات السياق إلى أن استثمارات هذا القطاع التي تتجاوز الـ1500 مليار ليرة ستكون عرضة للدمار الحتمي، إلى جانب فقدان عدد ليس بالقليل من العمال لفرص عملهم من سائقي شحنات نقل الدجاج والبيض  وموزعي الإنتاج لسوق الجملة والمفرق، وتوقف العديد من الصناعات كصناعة كرتون تعبئة البيض وصناعة المعكرونة والكاتو.. إلخ.

على حافة الهاوية..!.

لقد بات قطاع الدواجن على حافة الهاوية ما يضع الجهات المعنية على محك تحمل مسؤولياتها لإنقاذه مما آل إليه من وضع مأساوي، وفي هذا الصدد بين حمود أن الحكومة سارعت للقيام بجهود إسعافية لتأمين سبل استمرار العملية الإنتاجية لقطاع الدواجن، إذ أن الجهود التي تضافرت لدعمه تبلورت بإجراءات عدة، بدءاً من تعديل القرار الناظم لترخيص منشآت الدواجن ليكون أكثر مرونة مع الأخذ بعين الاعتبار المحافظة على مسافة الأمن الحيوي بين المنشآت من جهة، وبما يحقق رفد القطاع بمنشآت إنتاجية جديدة من جهة ثانية، مشيراً إلى أنه تم منح التراخيص النهائية للمنشآت الحاصلة على ترخيص مؤقت يحقق شروط القرار الناظم للترخيص، بالإضافة إلى تمديد المدة القانونية للمنشآت الحاصلة على ترخيص مبدئي سواء تم استكمال بناء المنشأة أم لم يتم، شريطة مطابقة شروط القرار الناظم, وكذلك منح التراخيص النهائية للمنشآت الحاصلة على رخصة بناء وغير الحاصلة على ترخيص مبدئي شريطة مطابقة شروط القرار الناظم .

مقترحات

مع إقرارنا بصوابية الإجراءات المتبعة أعلاه، واعتبارها من أساسيات التطوير  والنهوض بقطاع الدواجن، إلا أن هناك كما هائلا من الأفكار والمقترحات التي تصب بهذا الاتجاه، إذ ركز قرنفلة على ضرورة اتسام السياسات المعتمدة على مستوى مدخلات العملية الإنتاجية ومستلزماتها لقطاع الدواجن بالجدية، وخاصة فيما يتعلق بمادة العلف التي تأخذ الحصة الأكبر من التكلفة خلال مرحلة الإنتاج ،علماً أن سورية تعتبر من بين 97 دولة  تستورد العلف من الدول التي لديها ميزة نسبية بإنتاج أعلاف الدواجن بسعر منخفض، موضحاً أنه إذا ما لجأنا لحل مشكلة استيراد العلف التي تعتبر حالياً مكلفة بسبب تراجع سعر صرف الليرة السورية أمام العملات التي يتم تأمين مستلزمات الإنتاج من خلالها، وقمنا بإنتاجه محلياً، فإننا سنحتاج إلى ما نسبته 33% من الموارد المائية وتوظيفها لإنتاج مستلزمات المداجن من العلف، وبالتالي حرمان جزء من القطاع الزراعي والصناعي من الماء كوننا نعتبر دولة جافة.

كما أن أماكن التربية –وفقاً لقرنفلة- تفتقر للاهتمام، وأكبر شاهد على ذلك مداجن درعا، فهي عبارة عن أبنية متهالكة قديمة، ودرجة الحرارة فيها غير ملائمة، كما أن أماكن شرب المداجن غير ملائمة، مشدداً على أهمية الأخذ بعين الاعتبار واقع المداجن ووضع الحلول لمشاكل المربين تجنباً  لاعتماد استيراد الفروج المجمد سبيلاً..!.

ديانا رسوق