أقـل مـا يـقـال.. بانتظار “الانتشالة” من الدرك الأسفل..!
” البعث الأسبوعية ” حسن النابلسي
نتفهم ما ينتاب المواطن من يأس لجهة عدم تحسين ما آل إليه وضعه المعيشي من تدن غير مسبوق، مقابل صمت حكومي ينم عن عجز باتخاذ أي إجراء أو القيام بمبادرة استثنائية تقلب واقع الحال، وتنتشله من الدرك الأسفل لمعيشة لم يكن أحد يتخيلها حتى في أحلك الظروف..!.
لعل اللافت، حقيقة، أنه وفي الوقت الذي ترنو فيه الأنظار إلى الحكومة الجديدة، نجد أن السواد الأعظم من المجتمع السوري لم يعد لديه ثقة كبيرة بالقادم الجديد، خاصة وأن أحاديث الشارع تدور حول ما سيخلفه السلف من تركة لملفات شائكة ومعقدة، تشي باستحالة الحل من جهة، وفقدان وهج التغيير الأخير لرأس هرم وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، وما رافقه من أمل بأن يحدث الوزير البرازي فارقاً حقيقياً بالمشهد العام للأسواق، ولاسيما فيما يتعلق بضبط الأسعار التي لا تزال تواصل الارتفاع معاندة بذلك تحسين سعر صرف الليرة من جهة ثانية..!.
ربما يكون مرد يأس المواطن هو الإقرار الحكومي غير المباشر بما يجتاح السوق السورية من موجة غلاء، تم الاعتراف بها مؤخراً من خلال رفع تعرفة النقل الداخلي، بناء على مطالبة أصحاب وسائل النقل الخاصة بذلك، إثر ارتفاع أسعار قطع الغيار والزيوت، وسبقها أيضاً رفع أسعار بعض المنتجات المحلية كـ “السجائر الوطنية”، وقبلها رفع أسعار الأسمدة، دونما أية دراسة لتحسين الوضع المعيشي، باستثناء مبادرات خجولة من قبيل منح قرض مدرسي عبر “السورية للتجارة”، أو رعايتها – أي الحكومة أو إحدى وزاراتها – لما يقوم به قطاع الأعمال من مهرجات تسوق خلبية لا تغني ولا تسمن من جوع.. وكأن لسان حالها يقول للمواطن: “واجه مصيرك لوحدك”..!.
بعيداً عن الإسهاب بما سبق وكررناه وكرره غيرنا من ضرورة التدخل الحكومي واعتماد سبل المعالجة لوضع لم يعد يطاق، نسأل: هل الأمر متعلق بالظرف الذاتي أم الموضوعي..؟
بمعنى: هل فعلاً المشكلة تكمن بالقائمين على إدارة دفة الاقتصاد الوطني، بسبب عدم امتلاكهم للخبرة الكافية والأدوات الكفيلة باستبدال موازين الخلل بأخرى ذات معايير دقيقة، سواء بالنسبة لتحديد الكوادر المؤهلة للاضطلاع بما يكلفون من مهام، أم بالنسبة لما يتخذ من إجراءات وآليات عمل..؟
أم أن المشكلة بتداخل الصلاحيات وازدواجيتها وعدم تحديد الأدوار المفترض أن يناط به كل حسب دوره ووزنه الوظيفي والإداري..؟
أم أن أس المشكلة هو القوانين والتشريعات الناظمة، وما يتمخض عنها من قرارات وتعاميم تحول دون اتخاذ ما يلزم لتصويب مسار العمل الحكومي، خاصة ذات الصلة بتعزيز العملية الإنتاجية، وانعكاسه بالنتيجة على الوضع المعيشي..؟
أم أن المشكلة بالفساد ورموزه المعطِلة لأي مشروع تنموي أو خدمي..؟
أم أن ما سبق ذكره من أسباب ومسببات ذاتية محلية لا علاقة لها بتدهور الوضع المعيشي، وأن الأمر مرتبط بالضرورة بالظرف الموضوعي المفروض علينا من عقوبات اقتصادية، مضافاً إليها تداعيات “كورونا” التي زادت الطين بِلّة..؟
نعتقد أنه إذا كانت الحكومة جادة بالفعل لمعالجة الواقع المعيشي، فعليها القيام بدراسة دقيقة لكل ما سقناه من تساؤلات نظن أنها ذات صلة بما ينتاب الوضع المعيشي من انتكاسات فاقت حد التصور، وهي تمثل جملة أسباب ما يعيشه المواطن من أعباء لم يعد له استطاعة على تحملها، فمعالجة الأسباب تؤدي إلى معالجة النتيجة..!
يبقى التعويل على عقلية القادمين الجدد إلى الرواق الحكومي.. عسى أن يقلبوا يأس المواطن إلى أمل، ويعيدوا الثقة المفقودة بالسلطة التنفيذية.. وأخيراً نذكِّر كل يائس بمقولة المسرحي السوري العالمي سعد الله ونوس: “إننا محكومون بالأمل”..!