مجلة البعث الأسبوعية

“الرئيس المفاجأة”.. ضيف ثقيل على البيت الأبيض والعالم!

“البعث الأسبوعية” ــ ريناس إبراهيم

لم يكن فوزه متوقعاً، لكنه خرق التوقعات، ضيفٌ أثبت ثقل دمه و”فظاظته” على البيت الأبيض والشعب الأمريكي، بل والعالم!

دونالد ترامب، الرجل الثري الذي أثار فوزه في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، في 9 تشرين الثاني 2016، جدلاً واسعاً ساق إلى واجهة السياسات الأمريكية نهجاً شعبوياً مستفزاً، وأثار الانتقادات والجدل بتصريحاته وقراراته منذ استلامه سدّة الرئاسة. واليوم، ومع اقتراب انتهاء ولاية ترامب الشعبوي، لا بدّ من إلقاء الضوء على سياسات ترامب في الداخل والخارج، وتقييم أهليته لقيادة أقوى دولة في العالم!

 

سياسات داخلية عنصرية

منذ وصوله إلى كرسي الرئاسة، اختار ترامب لإدارته أشخاصاً لديهم سجلات طويلة من العنصرية والكراهية، مثل ستيف بانون، كمستشار استراتيجي، وستيفن ميلر، بمنصب كبير المستشارين، حيث اجتهد كل منهما بتوجيه ترامب لصياغة سياسات واتخاذ إجراءات وصفت بأنها “الأكثر عدائية” حيال المهاجرين، وبدأ الربط بين الهجرة وارتفاع معدلات الجريمة والعصابات في محاولة للتأثير على الشارع الأمريكي وتأليبه ضد المهاجرين، وأنشئ، في شباط 2017، مكتب خاص لتسليط الضوء على الجرائم التي يرتكبها المهاجرون، باسم “مكتب مكافحة جرائم الهجرة”، ووصف ترامب اللاجئين بأنهم “غزاة مدعومون من مجرمين يسعون إلى احتلال البلاد”، لكن أكثر سياساته عنصريةً كانت تجاه المسلمين، إذ شملت فرض قيود على دخول مواطني عدد من الدول الإسلامية والعربية؛ وكان قد أدرج في برنامجه الانتخابي “حظر المسلمين”، ليبلغ التشدّد والتطرف لديه الذروة مع دعوته إلى بناء جدار على طول الحدود مع المكسيك، لوقف الهجرة غير القانونية، مستغلاً حجة حماية الأمن القومي الأمريكي. ولم يكتفِ ترامب بذلك، بل إنه أدخل الجيش الأمريكي في السياسة مهدّداً بأنه سيجبر الجيش على بناء هذا الجدار في حال رفض الديمقراطيون تمويل المشروع.

ولم تقتصر عنصرية ترامب على معاداة غير الأمريكيين، فهناك دعاوى حركت ضده تؤكد عنصريته، ففي عام 1973، رفض تأجير شقق في واحدة من أبنيته للأميركيين الأفارقة، وجدّد تلك الجذور في 2020، حين حاول تهوين الجريمة الشنيعة التي ارتكبتها شرطته بحقّ الأمريكي جورج فلويد، وعلق حينها: “إنّ عدد ضحايا عنف الشرطة من البيض أكثر مما هو من السود”. وبالمقابل، كان قد أظهر تساهلاً حين اندلاع احتجاجات شارلوتسفيل، في آب 2017، التي نظمها متشددون بيض ينتمون لجماعات اليمين المتطرف، رداً على خطة لإزالة تمثال روبرت لي، قائد القوات الكونفدرالية خلال الحرب الأهلية الأمريكية. والتساؤل هنا: “كيف لمن وُصِف بالفوضوية والشعبوية أن يصف المحتجين الذين يتظاهرون إثر مقتل فلويد بأنهم فوضويون ومثيرو شغب؟!”.

 

سياسات خارجية متهورة

بدأ ترامب موجة من العبثية واللامبالاة في التعامل مع القضايا الدولية، إذ أبدى عدم اهتمامه بالقواعد الدبلوماسية التقليدية، وفاجأ العالم مراراً بسياساته وتصريحاته، ويمكن ملاحظة ذلك من تعامله مع قضايا وملفات مختلفة، ما دفع إلى اعتبار السياسة الخارجية الأمريكية “مشخصنة” تعتمد على نزوات ترامب! ولم يكن تدخله في العديد من القضايا أكثر من تشابك في المصالح الشخصية والنرجسية و”فورات على تويتر”، حسب صحيفة “الغارديان”، ويبدو أن كونه رجلاً ثرياً جعل سياساته تختصر بعبارة “ادفع أكثر”! فليس على أمريكا من وجهة نظره أن تدافع عن مصالح غيرها دون مقابل.

كما أن ترامب يرى خطراً في القوى الصاعدة كافة، من روسيا إلى الصين، والدول التي تحاول إثبات سيادتها، كوريا الديمقراطية وإيران وسورية وغيرها.. ومنذ بداية ولايته، وهو يحاول شيطنة إيران ولا يكفّ عن توجيه التهديدات والوعيد بشنّ ضربات غير مسبوقة عليها؛ وفي أيار 2018، أعلن الانسحاب من الاتفاق النووي، وفرض عقوبات على إيران وعلى كل من يتعامل معها، في محاولة للتضييق عليها. وفي مطلع 2020، قامت الولايات المتحدة باغتيال القائد قاسم سليماني، في سلوك “ترامبي” أرعن ومتهور شكل استفزازاً واضحاً لإيران، واعتداء على سيادتها.

كما اعتمد ترامب الهجوم المباشر ضد الصين، في كل فرصة سانحة، وشنّ حرباً تجارية في 2018 ضد الشركات الصينية، بدأت بفرض الرسوم الجمركية على نحو 250 مليار دولار من البضائع الصينية، وردّت بكين بفرض رسوم مماثلة تراوحت بين 5% و25% على السلع الأمريكية. كما زعم أن الصين استولت على ملكيات فكرية يقدر حجمها بـ 1.2 تريليون دولار ما بين عامي 2013 و2017.

كذلك ينظر ترامب إلى روسيا كخطر داهم يقض مضجعه، وأشدّ ما يزعج واشنطن وترامب هو استخدام موسكو لحقّ النقض في مجلس الأمن الدولي وعرقلتها لكثير من الخطط والمشاريع الأمريكية، إذ استغلّ أحداثاً عديدة لفرض العقوبات ضدّ روسيا وطرد الدبلوماسيين الروس من الولايات المتحدة، وأغلق القنصلية الروسية. وعلى شاكلة الانسحاب من الاتفاق النووي، أعلنت واشنطن، في آب 2019، انسحابها من معاهدة القوى النووية متوسطة المدى التي أبرمتها مع روسيا عام 1987، لتعيد تفعيل برامج للتجارب الصاروخية التي كانت معطلة بسبب المعاهدة.

 

سلام “ترامبي” في الشرق الأوسط

لا تختلف أهداف ترامب تجاه الشرق الأوسط عن أهداف سابقيه من رؤساء الولايات المتحدة: الحفاظ على مصالح “إسرائيل” في المنطقة، إذ أتحف ترامب العالم، مطلع 2020، بخطته للسلام في الشرق الأوسط، والتي دُعيت “صفقة القرن”، في مؤتمر مشترك مع رئيس حكومة كيان الاحتلال بنيامين نتنياهو، محاولاً الإجهاز على القضية الفلسطينية وإجهاض حقوق أبنائها، إذ اعترف بالقدس عاصمة لكيان الاحتلال ومن ثم نقل سفارة بلاده إلى القدس.

وفي سورية، انتهكت القوات الأمريكية السيادة السورية ودخلت أراضيها دون موافقة الدولة السورية، وعن ذلك ادّعى ترامب أنه أدخل قواته إلى المناطق الشمالية من سورية بغية حماية النفط من خطر وجود الإرهابيين، بينما صرّح، في نهاية 2019، أن “النفط السوري في أيدينا وسنفعل به ما نشاء”، في اعتداء صريح على ملكية السوريين لنفطهم.

كما يحاول ترامب مدّ أيديه إلى أنظمة الخليج التي يرى بخضوعها له ضماناً لأمن ومصالح “إسرائيل” في المنطقة، فيما هي تنظر إليه بعين الوصيّ والراعي وتسلّمه أعناقها، ولن تغادر الأذهان مشاهد زيارة ترامب إلى السعودية ومظاهر الاستعباد التي دفعت ترامب للقول بأن على هذه الأنظمة أن تدفع مقابل تأمين حمايتها، ولا يستدعي أي أمر أكثر من اتصال واحد من ترامب ليغيّر قرارات في تلك الدول، وهذا ما حدث عند انهيار أسعار النفط، حيث وجه ترامب إنذاراً لولي عهد النظام السعودي في مكالمة هاتفية بأنه “إذا لم يتم خفض الإنتاج فلن يكون هناك سبيل لمنع الكونغرس الأمريكي من فرض قيود قد تؤدي إلى سحب القوات الأمريكية”.

 

أسلوب جديد

لا يمكن إنكار أن ترامب ساق أسلوباً جديداً في الحكم والإدارة، إذ اعتمد على تطبيق “تويتر” لاتخاذ العديد من القرارات المهمة والتواصل مع الشعب الأمريكي، لكنه، مع هذا الاتجاه الحداثي، ناصب العداء لوسائل الإعلام، فقد وصفها بأنها “عدوة الشعب”، وخاض سجالات عديدة مع الصحفيين. ولم يحترم ترامب قوانين المنصة المفضلة لديه “تويتر”، فبدأت حرب بينه وبين إدارتها، بعد أن حذفت تغريداته، كما حذرت من مقطع فيديو نشره، واضعة عليه إشارة بـ “إعلام متلاعب فيه”.

 

كورونا كشف الحقائق!

يمكن اختصار تعامل ترامب مع أزمة تفشي وباء كورونا بما قال حاكم نيويورك: “تعامل ترامب مع الوباء يمثل تمكيناً له”، إذ أنكر لأسابيع وجود مخاطر على الولايات المتحدة من الوباء، وما هي إلا أيام حتى أصبحت “أمريكا أولاً” بالإحصائيات. ولم يبدأ ترامب باتخاذ الإجراءات وإنما بمهاجمة الصين واتهامها بتصنيع الوباء، ثم اتهم الاتحاد الأوروبي بسبب الإصابات الكثيرة فيه، ليصل إلى اتهام حكام الولايات بالتقصير والتقاعس، متجاهلاً خطورة الأزمة.

 

مؤشرات

اليوم تبدو حملة ترامب الانتخابية مضطربة، ولا سيما مع تدهور شعبيته وسوء إدارته لأزمة كورونا وتجاهله لعنف الشرطة ضدّ المتظاهرين. ولاستطلاعات الرأي كلمتها، إذ أشار استطلاع أجرته صحيفة “نيويورك تايمز”، بالتعاون مع وحدة دراسات الرأي العام بجامعة سيينا، إلى تفوق المرشح الديمقراطي جو بايدن بحصوله على 50% من أصوات المستطلعين، في حين حصل ترامب على 36% فقط من الأصوات، كما تواردت أنباء عن عزم العشرات من الجمهوريين من مسؤولي الأمن القومي السابقين العمل على تشكيل مجموعة معارضة لانتخاب ترامب.