مجلة البعث الأسبوعية

الفساد أحبط مواهبنا التحكيمية والأهواء تحكمت في التعيينات!!

“البعث الأسبوعية” ــ ناصر النجار

لعبة كرة القدم لعبة أخطاء.. فرغم كل الخطط العلمية التي دخلت عليها إلا أنها ماتزال لا تؤمن بالمعادلة الرياضية “واحد زائد واحد يساوي اثنين”، فلغة الملعب تختلف عن لغة المكتب، والأخطاء في الملعب يفسرها الخبراء بأنها سبب في جمال كرة القدم، ولولا هذه الأخطاء لما كانت كرة القدم مثيرة تبلغ حد الشغف، فإن لم يخطئ الحارس وخطه الدفاعي لما استمتعنا بالأهداف وفرحنا بها، وإن لم يخطئ المهاجمون المرمى لتحولت كرة القدم إلى لعبة أشبه بكرة اليد بوفرة أهدافها.

لكن أخطاء الحكام في الملاعب الخضراء تبقى غير مغفورة وغير مبررة لأنها أخطاء مؤثرة تبقى عالقة في أذهان الكرويين ولا يمكن نسيانها مع تقادم الزمن، لأنها قد تنسف نادياً أو تحرم فريقاً من بطولة أو إنجاز دفع من أجل تحقيقه العير والنفير، فخطأ الحكم يعادل كل أخطاء كرة القدم لأنه خطأ مؤثر قد يغير معالم مباراة أو يلعب بنتيجتها فيتحول الفائز إلى خاسر.. والعكس صحيح!!

وكادت الأخطاء التحكيمية في الدوري الممتاز هذا الموسم أن تطيح بالدوري وتلغيه لولا أن اتحاد كرة القدم عاقب بعض الحكام وأنهى تكليف لجنة الحكام كإجراء احترازي لاحتواء الغضب ولينقذ ماء وجهه والكرسي الذي يجلس عليه.

وهذه الأخطاء طغت على المباريات فتعرضت الفرق للظلم بصافرة غير محقة أو راية طائشة، وتنافس المحللون وخبراء التحكيم على البيان والتبيين ليؤكدوا أن القرار التحكيمي كان في خبر كان..!

من جهة أخرى، دافع المسؤول التحكيمي عن حكامه بسبب سوء الإمكانيات والدعم المالي، وكأن حكامنا يقدمون مستوى على قدر الأجور التي يقبضونها.

 

أخطاء متنامية

قبل توقف الدوري بسبب الحجر الصحي تناهى إلى أسماع الجميع شكوى الأندية من الأخطاء المتنامية للحكام وشكلت بعضها فضيحة كروية لا يمكن التغاضي عنها، ولم تكن هذه الأخطاء مقصودة لأن الله وحده أعلم بالنوايا، إذ أنها دلت على سوء الأداء وضعف العديد من الحكام وهو ما أدى إلى مثل هذه الأخطاء، وجاءت سياسة كم الأفواه كحلّ لمن يتجرأ على انتقاد الحكام، وكان الأفضل أن يجد المعنيون عن التحكيم حلولاً نافعة، لكنهم اتجهوا إلى الطريق الأسهل.

إن مشكلة التحكيم هذه مشكلة مزمنة، وعلى ما يبدو فإنها مستعصية عن الحل، ليس لأننا لا نملك المواهب التحكيمية بل لأننا لا نملك الثقافة المطلوبة والغيرة على مصلحة الرياضة عموماً والتحكيم بشكل خاص.

 

لجنة وأهواء

تبدأ المشكلة من لجنة الحكام، فكل لجنة تختار من تحب وتهوى ومَن هم من جماعتها، لذلك فإن السلسلة التحكيمية تنقطع دوماً في مكان ما، والداء الذي لا دواء له يكمن في عملية إلغاء الآخر، فكل لجنة جديدة لا بد أن تلغي من سبقها، وأن تبطل عملها، لذلك نعتقد أن الفساد ينهش الجسم التحكيمي، ولا نقصد هنا فساد المال بل فساد الأخلاق وفساد الثقافة، والبداية الخاطئة تبدأ من تشكيل اللجنة وكم لجنة ضمت أعضاء ينطبق عليهم مقولة “فاقد الشيء لا يعطيه”!

ودائماً.. هذه اللجان تختار حكامها المدللين ليكون لهم الحظوة بكل شيء مهما كان مستواهم وأهليتهم، ويكون ذلك على حساب الكثير من الحكام المجتهدين الذين يصابون بالإحباط لمجرد أنهم بعيدون عن أصحاب القرار ولا يملكون دعمهم. والمشكلة الأكثر تعقيداً أن الحكام يصقلون خبرتهم بجهد ذاتي فلا دروس أو تمارين أو معسكرات، وإن أقيمت فهي موسمية وشكلية للاطمئنان على جاهزية الحكم البدنية.

 

حلول مطلوبة

يبدأ تطوير العملية التحكيمية من اختيار الشخص المناسب الذي يتمتع بالخبرة والنزاهة والكفاءة، وعندما نبعد الواسطات والمحسوبيات عن لجان التحكيم نكون قد بدأنا رحلة الألف ميل بهذه الخطوة، خاصة إذا ما علمنا أن اجتهاد الحكام لا يقتصر على الجهد الذاتي للحكم، بل على برنامج سنوي تقوده لجان التحكيم في المحافظات وصولاً إلى دورات مركزية ومعسكرات فصلية تعمل على تطوير الأداء التحكيمي وشرح قانون التحكيم وتعديلاته بشكل نظري وعملي.

على الصعيد النفسي، هناك حكام محسوبين على أصحاب القرار من الأقارب والأصحاب والخلان، وهؤلاء يتمتعون بالحصانة ولهم الأولوية في كل شيء وهم فوق كل اعتبار، وهذا يؤثر على بقية الحكام الذين لا يجدون العدالة والدعم سواء في المعاملة أو في التعيينات أو في الترشيح على القائمة الدولية.

على الصعيد التقني، لا بد من توفير التجهيزات الرياضية المناسبة لكل الحكام إضافة إلى وسائل الاتصال بين حكام المباراة لتحقيق الانسجام المطلوب وسرعة التواصل من أجل قرار تحكيمي لا يشوبه الشك والريب.

 

النقطة الأهم

أما على الصعيد المالي، فالحكام هم الحلقة الأضعف في العملية التحكيمية، ولا بد من احتراف الحكام بلعبة محترفة، وإذا قال البعض: “ليس هناك في العالم ما يسمى احتراف الحكام”، فإننا نجيب بأن الحكام هناك يقبضون أجوراً احترافية فضلاً عن احترام ودلال وفنادق خمسة نجوم، بينما حكامنا يبحثون عن الفندق الأرخص والطعام المتواضع حتى لا يدفعوا من جيبهم نفقات المباريات!

العمل التطوعي بات لا يجدي نفعاً، ولا يخدم المسيرة الرياضية، وخصوصاً مع غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار، وبالتالي لا بد من النظر بظروف الحكام ومراعاة هذه الناحية حتى لا نخسر ما تبقى من حكامنا.

أخيراً.. وفي وقت نؤكد أننا مع الحكام ونقدر ظروفهم، نبين أننا ضد الأخطاء التحكيمية التي تقتضي اتخاذ إجراءات لمعالجتها ضماناً لحسن سير النشاط الرياضي؛ ومع إقرارنا بذات الوقت أيضاً استحالة القضاء على الأخطاء التحكيمية، إلا أننا قادرون على تفادي الأخطاء المؤثرة والتقليل منها ما أمكن..!