دوري أبطال ينهي العصر الذهبي لكبار أوروبا.. وبرشلونة آخر الضحايا
“البعث الأسبوعية” ــ سامر الخيّر
تستحوذ الدوريات الأوروبية لكرة القدم على اهتمام محبي هذه الساحرة حول المعمورة، فإضافة للمسابقات المحلية يحتلّ دوري أبطال أوروبا البطولة الأعرق للأندية المرتبة الأولى في المتابعة عالمياً، تلك المسابقة التي انطلقت عام 1955، وظلت تتغير وتتطور حتى العام 1992، لتصبح في الشكل والنظام الذي نعرفه، وغالباً ما كان الصراع على لقب “ذات الأذنين” ينحصر بين الفرق الكبرى مترافقاً مع أجواء من الفرحة والسعادة حتى للفريق الذي يخسر اللقب لتقارب المستويات وجدارة المنافسة، إلّا في حالات نادرة جداً، مثل بنفيكا البرتغالي عام 1961، وسلتيك الاسكتلندي عام 1967، وفينورد الهولندي عام 1970، وبورتو البرتغالي 1987، والنجم الأحمر اليوغسلافي عام 1991، لكن سمعة البطولة في السنوات الأخيرة أصبحت تترافق مع فضائح مدوية لفرق كبيرة، لم تستطع بعدها النهوض رغم تغيير كل ما يمكن تغييره.
وأفضل مثال على ذلك فريق ميلان الإيطالي والحال التي وصل إليها منذ خروجه، عام 2013، بأقدام برشلونة الإسباني في دور ثمن النهائي حيث خسر إياباً (4-0)، ففي العام الذي تلاه خرج بواسطة الفريق الإسباني الآخر أتلتيكو مدريد، وصيف البطولة السابقة وقتها، بخسارة قاسية (1-4) و(1-5) بمجموع لقاءي الذهاب والإياب؛ وأكبر أثر لخروجه كان محلياً، فبعد أن كان سيداً للدوري الإيطالي عام 2011، لم يستطع عام 2014 الوصول لأحد المراكز المؤهلة للمسابقات الأوروبية، فأنهى موسمه في المركز الثامن، وبعدها حقق المركز العاشر مرة، والسابع مرة، والسادس مرتين، وأخيراً المركز الخامس ليفشل الفريق في تحقيق حلم التأهل لدوري أبطال أوروبا.
صاحب الألقاب السبعة بدأ تخبطه بعد رحيل المدرب كارلو أنشيلوتي والنجمين ريكاردو كاكا وأندريا بيرلو، رغم أنه قام بتغيير جلده أكثر من مرة على مدار السنوات الماضية. ولكن أسماء الصفقات التي كانت تنضم للفريق ومستوى المدربين – طبعاً باستثناء ماسيمليانو أليغري صاحب إنجاز الدوري في 2011 – لم تكن تناسب إمكانيات وتاريخ الروسونيري، ولم تحقق الفريق خلال العقد الأخير سوى لقب السوبر المحلية، عام 2016. وفي الموسم الحالي جاءت الخسارة المذلة بخماسية نظيفة ضد أتالانتا لتقلص من جديد آمال محبي النادي، فهي المرة الأولى التي يسجل فيها أتالانتا خماسية في لقاء واحد ضد ميلان منذ آذار1950.
وبعد الإقصاء المخجل لنادي برشلونة من المسابقة هذا الموسم بأقصى خسارة تسجل في تاريخ دوري الأبطال (8-2) أمام بايرن ميونخ الألماني، تعالت الأصوات التي تحذر أعضاء النادي ومحبيه من مغبة القيام بخطوات غير مدروسة ومبنية على ضغوطات الجماهير لإرضائها، وتفضيل ذلك على التفكير في مستقبل الفريق فيقع البارسا في نفس الهاوية التي سبقه إليها ميلان، فقد خرج برشلونة بدون ألقاب خلال الموسم الحالي، وذلك للمرة الأولى منذ 13 عاماً، وتحديداً موسم 2008، ليدخل النادي الكتالوني في منعطف خطير قد يكتب نهاية جيل لم يتبقى منه إلا القليل، لتصبح هذه المسابقة بمثابة عقدة للفريق الذي وصل لنصف النهائي 16 مرة، والنهائي 8 مرات، محققاً اللقب في 5 مناسبات، فلم تستطع إدارة النادي استشعار الكارثة التي حلت رغم ظهور العديد من المشاكل ضمن الفريق خلال الفترة الماضية، وكان الحل الأول لجوسيب ماريا بارتوميو رئيس النادي استبدال المدرب وهي خطة نادراً ما عمد لها النادي في سالف زمانه بل عرف عنه اقتداؤه بالأندية الألمانية التي تطيل اعتمادها على مدربيها؛ فبعد رحيل الفيلسوف بيب غوارديولا، تعاقب على النادي كل من الراحل تيتو فيلانوفا وتاتا مارتينو ولويس إنريكي وإرنيستو فالفيردي وأخيراً كيكي سيتين وكل هؤلاء في أقل من 7 سنوات، ونحن لا نقول إن المدربين السابقين لبرشلونة ليسوا جزءاً من المشكلة، لكن عدم الوقوف بدقة على موطن الضعف أدى لانعدام جدوى هذا التغيير. والآن قام النادي بتعيين نجمه السابق الهولندي رونالد كومان، ثمّ قام بارتوميو بتغيير مدير الفريق إريك أبيدال، والذي تعالت الأصوات المنتقدة لسياسته، وكلنا يذكر خلافه مع ميسي ورأيه في صفقة نيمار، ليحلّ محله رامون بلانز، الذي شغل منصب نائب المدير الرياضي من قبل، خطوتان ضروريتان ولكنهما لا تكفيان للنهوض بالفريق من كبوته، فإلى الآن يسير برشلونة على خطا ميلان.
أسطورة الفريق الأرجنتيني ليونيل ميسي تذمر من تقدم معدل الأعمار بالفريق أكثر من مرة في الموسمين الماضيين، ودعا إلى عملية “نقد ذاتي شاملة” تبدأ من اللاعبين، ولكن أشد المتشائمين لم يكن يتوقع أن ينتهي مشوار برشلونة في دوري الأبطال بهذه الطريقة الكارثية التي قد تدفع ميسي إلى التفكير ربما بمغادرة قلعة كامب نو إذا لم تحدث التغييرات التي يريدها من أجل انتشال الفريق من كبوته، إذ يبلغ جيرارد بيكيه 33 عاماً والمهاجم الأوروغوياني لويس سواريز 33 عاماً وسيرجيو بوسكتس 31 عاماً وجوردي ألبا 31 عاماً، فالأولوية للبارسا وليس للمشاعر والحسابات الشخصية، وضخّ الدماء الجديدة أهمّ الخطوات التي يجب اتباعها، وطبعاً نوعية اللاعبين الجدد، فالميلان اعتمد على الشباب ولكن على أسماء مغمورة لم تقدم شيئاً رغم إعطائها أكثر من فرصة.
وهناك نقطة أخرى يجب أن يتجنبها كومان في صفقاته، وهي الاستعانة بعدد من أبناء بلده كدوني فان دي بيك من أياكس وميمفيس ديباي من ليون وكذلك جورجينو فينالدوم من ليفربول، فهذه التجربة خاضها البارسا في منتصف التسعينيات عندما تعاقد مع الهولندي لويس فان خال موسم 1997، ليخلف الأسطورة بوبي روبسون كمدير الفني، الذي تسلم الفريق خالياً تماماً من الهولنديين، فتعاقد في مع روود هيسب من رودا ومايكل ريزيغر من ميلان، قبل أن يضيف إليهما وينستون بوغارد، لينجح مع هذا الثلاثي في التتويج ببطولة الدوري الإسباني وكأس الملك، لكنه ودع دوري أبطال أوروبا بشكل كارثي بعدما حل رابعاً في مجموعته. وفي عامه التالي، زاد فان خال عدد الهولنديين في الفريق متعاقداً مع باتريك كلويفرت من ميلان وفيليب كوكو وبودوين زيندن من إيندهوفن، بالإضافة إلى الأخوين فرانك ورونالد دي بور من أياكس، ولتقل البطولات مع هذه الزيادة، فرغم احتفاظه بدرع الدوري إلا أنه أقصي من ربع نهائي كأس الملك وخسر السوبر الإسباني، وأوروبياً كرر سيناريو العام السابق بتوديع دوري الأبطال من دور المجموعات.
ختاماً.. سيكون الشهر القادم حاسماً جداً للنادي الكتالوني ومحبيه، فبعد تغيير المدرب ومدير الفريق ستحدد الصفقات التي ستوافق عليها إدارة النادي موسم الفريق، وإلّا سيكون الحلّ انتظار انتخابات إدارة النادي العام القادم، واستلام وجه جديد بطموحات عالية ورؤية مستقبلية لزمام الأمور.