ومضة .. طفلنا في زمن الحرب
” البعث الأسبوعية ” سلوى عباس
مؤتمرات وندوات عديدة تناولت أدب الطفل وثقافته، وتحديداً في زمن الحرب المجنونة بكل مسمياتها التي عاشتها سورية ومازالت تعيشها، وكانت أوراق العمل المقدمة زاخرة بالأفكار والرؤى التي تساهم في إنقاذ أطفالنا من تداعيات الحرب التي كانوا أول المتضررين منها، وتأهيلهم نفسياً وثقافياً ليكونوا أشخاصاً منتمين لوطنهم ومتسلحين بالمعرفة وحب الحياة، فمن حق أطفالنا علينا أن نرعاهم، ونعنى بتنشئتهم التنشئة السليمة والمتوازنة في كل المجالات، خاصة في ظروف الحرب التي تجعل المسؤولية تجاههم مضاعفة من خلال الكتابة لهم ورعايتهم ثقافياً بما يسهم إسهاما كبيراً في بناء شخصية متوازنة لاتساع آفاقهم، وامتداد ظلالهم ليطلوا على الحياة من كل نوافذها.
ولعل أهم التوصيات التي تضمنتها هذه المؤتمرات التركيز على ثقافة الطفل التي لا تقتصر على المدرسة والبيت، بل تساهم فيها مجموعة من القيم والمفاهيم التي يكتسبها من ألوان الفنون المتعددة كالمسرح والسينما والقراءة، ووسائل التواصل الاجتماعي وثورة الميديا.
ومن المقترحات أيضاً إصدار مجلات للأطفال، والاهتمام بالمسرح المدرسي والاعتناء بالمكتبة المدرسية لتكون المصدر الأساسي لثقافة الطفل ودعوة الأسر للإشراف على كل ما يقرأه الطفل ويتابعه على الانترنت وزيادة عدد الكتب المطبوعة للأطفال، والعمل على إعادة تأهيل الأطفال المتضررين من الحرب في مراكز اللجوء، واكتشاف مواهب الأطفال من خلال النشاطات المقدمة لهم، ولا يفوتنا الإشارة إلى أهمية إلقاء الضوء على ما يقدمه الإعلام الموجه للأطفال وأهدافه وتأثيره التربوي عليهم، والقصة الموجهة للطفل وخصوصيتها كأداة لتنمية خياله، كذلك تلعب الترجمة دوراً كبيراً في إغناء خبرات التعامل مع الطفل من الثقافات الأخرى، والاهتمام بالشعر الموجه للطفل كوسيلة لتغذية اللغة عنده وفتح آفاق معرفية أمامه وأهمية تضافره مع الفنون المقدمة في كتب الأطفال ومراميها الجمالية وأهميتها في بناء العالم الروحي للطفل.
وإضافة لكل ما ذكر من توصيات التأكيد على تشجيع تجربة الإذاعة المدرسية التي كانت سائدة في بعض المدارس، وتأسيس هيئة لإنتاج ألعاب الفيديو والألعاب الالكترونية الهادفة، وإضافة حصة التربية الإعلامية لشرح أبعاد ما يسمع الأطفال ويشاهدون على مختلف الوسائل، ولتنمية الحس النقدي لديهم وتقديم أغان بكلام يناسب أعمارهم وإيجاد شخصية تكون قدوة حسنة لهم وتصويرها فنياً بطريقة جذابة.
أمام كل هذه التوصيات والمقترحات التي لا ندري متى تترجم إلى واقع، أتوقف عند تجربة معرض كتاب الطفل الأول الذي أقامته وزارة الثقافة، في عام 2018، بالتعاون مع مجموعة من دور النشر، والذي شكّل طقساً احتفالياً لم يقتصر على الكتب فقط، بل ترافق مع فعاليات كثيرة تضمنت ورشات الرسم التي أقامها مجموعة من الفنانين التشكيليين بمشاركة الأطفال الذين انطلقوا من حلم براءتهم يحملون ألوانهم وفراشيهم وأدواتهم يعبّرون عن مكنوناتهم عبر عبارات ورسومات تشكيلية تجسد أفكارهم وهواجسهم التي يعيشونها، فكان إنجازهم كبيراً بحجم طموحهم، لأن الأطفال هم النبتة التي يجب أن نرعاها وننمي نسغها لأنهم ذاكرة المستقبل، فالتنوع الذي شهده المعرض من حيث المواضيع المقدمة وطرق عرضها وإخراجها وبلغات متعددة، بالإضافة إلى وجود البرامج التعليمية المتنوعة فتح آفاقاً جديدة أمام الأهل لزيادة ثقافة ومعارف أبنائهم. وباعتقادي فإن هذا المعرض، وما تبعه من معارض تختص بالطفل وأدبه وثقافته، هي أكثر ما يحتاجه الطفل الآن، لأن هذه الفعاليات تساهم في تشكيل حالة تفاعلية حقيقية بين الأطفال وتلك الفعاليات.. تفاعل يعبّر عن أمانيهم وأحلامهم.