رغم تأجيل المدارس.. المستلزمات المدرسية عبء يلاحق يوميات الأهالي!!
مازالت أزمة الغلاء تسير في مسارات التصاعد العاصف بيوميات المواطن الذي أنهكه فقر حاله وبوتيرة متسارعة “لحد كاد يفقده عقله”، وقبيل بدء الموسم الدراسي الحالي الذي رغم تأجيله إلا أن أعباءه بقيت مصدر قلق بالنسبة للأهالي لجهة تأمين مستلزمات أبنائهم المدرسية التي حلّقت أسعارها وباتت خارج قدرتهم الشرائية، فالأسعار تضاعفت أربعة أضعاف عن العام الماضي، في الوقت الذي بقي فيه الراتب ثابتاً، وأصحاب بعض المهن خسروا إثر إغلاق محلاتهم لفترة محددة نتيجة انتشار جائحة كورونا، وأمام هذا الواقع الاقتصادي والمعيشي المأساوي، كيف يتدبّر المواطنون أحوالهم مع قدوم سنة دراسية جديدة؟.
يوميات متعبة
يوميات المواطن باتت مؤرقة ومستهلكة بل ومسيطرة على التفكير اليومي للأهل، “البعث” استطلعت آراء العديد من الأهالي وواقع الأسر “غير الموظفة” التي لا تستفيد من القرض الذي منحته الدولة، “السورية للتجارة” للموظفين لشراء استحقاقاتهم من أية صالة أو مركز بيع، وللتعرف على الأساليب والطرق المتبعة لتخفيف أعباء العام، كانت البداية مع أم عفراء التي أشارت إلى مساعدة أختها لها، قائلة: أبناء أختي أصبحوا في المرحلة الجامعية، وبالتالي فإن لديهم بعض الحقائب والقمصان المدرسية والمقالم، وبتلك الأغراض قدمت أختي مساعدتها لأبنائي في هذا الغلاء الهستيري لتخفف عن كاهلنا عناء العام الجديد.
على دفعات
منذ أكثر من شهر والسيدة حياة تتحضر للسنة الدراسية الجديدة، فكل مرة تؤم فيها السوق تشتري غرضاً لزوم المدرسة، لاسيما أن مدخول زوجها “يومي”، فمرة تحضر أقلاماً، ومرة “محايات”، وأخرى دفاتر، وما زالت تكمل مسيرة الشراء “الشاقة”، وأعربت عن الارتفاع الجنوني للأسعار التي باتت تحتاج إلى رواتب أشهر عدة، وتقول: لدي ولدان وبنتان في المدرسة، وقد أنهكني الغلاء قبل أن أنتهي من الشراء، فكيف لمن لديه أكثر من أربعة أولاد بين مدارس وجامعات، وختمت قائلة: أعان الله العباد!.
الحاجة أم الاختراع؟
صدق من قال إن “الحاجة أم الاختراع”، هذا القول جسدته عزة أم تالا، فمن بنطال جينز قديم صنعت حقيبة مدرسية لأحد أبنائها متحدية الظروف والغلاء، فالفكرة وتنفيذها لا يكلّفان الكثير، ويقهران العقبات، حسب تعبيرها.
الدين وبخجل
“رغم أن الدين حمل ثقيل إلا أنه يلبي الحاجة المرجوة”، بهذه العبارة بدأ حاتم أبو سام حديثه لنا وقلبه “مليان” من هموم الحياة، وهو رب الأسرة المكوّنة من خمسة أفراد، جميعهم في المدارس، أصغرهم في الصف الثالث، والبنت البكر في المرحلة الثانوية، وكل فرد منهم يحتاج إلى مستلزمات المدرسة بشكل كامل لزوم العام الدراسي، يقول أبو سام وبحرقة قلب وغصة ألم: أعمل على تكسي أجرة ومستأجر لمنزل وغير موظف، وما أحصله في اليوم يتوزع على أجرة المنزل، ومصروف الأم والأولاد، وللسيارة حصة كبيرة من المال إثر الارتفاع الكبير الحاصل في قطع الغيار والصيانة، ومؤخراً استدنت من أحد أقربائي مبلغاً من المال وسلّمته لزوجتي لشراء ما تريد للأبناء، وبالطبع فقد اشترت قسماً من المستلزمات بنوعية متوسطة لأن المال الذي استدنته لا يكفي، فالأسعار محلّقة والجيب “قاصر”، مشيراً إلى أنه لاستكمال باقي المستلزمات لابد من استدانة مبلغ آخر، ولا أعلم من أين، يقول أبو سام: الحال ضيقة للجميع، وبالخجل استدنت المبلغ الأول.
إعادة استخدام
جواهر، أم لثلاث بنات في المرحلة الإعدادية، حاولت التكيف مع الظرف والوضع الراهن، فقالت: اشتريت بدلة مدرسية كاملة لابنتي الكبيرة، وبدلة للوسطى، في حين أعطيت بدلة البنت الوسطى لأختها الصغيرة التي أبدت انزعاجاً بشراء أختيها بدلتين جديدتين، بينما هي تلبس قديمة، ولكن ما باليد حيلة، وبالنسبة للدفاتر والأقلام قمت بإفراغ دفاتر بناتي للعام الماضي من الورق المملوء والمسود عليه وتركت الورق الأبيض فارغا، كما هو محبوك في الدفتر لتستفيد منه إحداهن كمسودة أو للتبييض.
إحساس بالآخر
لأن جارة أم عزام صاحبة محل ألبسة مستعملة “بالة” قصدتها لتشتري أحذية رياضة لأبنائها، على أن تدفع قسماً من المال، وتسجل صاحبة المحل الباقي ديناً، فليست المرة الأولى، /حسب أم عزام/، بينما صاحبة المحل أعربت عن استعدادها لمساعدة الناس، لاسيما في هذا الظرف الصعب قائلة: إن لم نشعر ببعضنا لن نستطيع الاستمرار في معركة الحياة التي تستلزم صموداً وصبراً وتضحية وإحساساً بالآخر.
جولة السوق
وبجولة على بعض الأسواق وجدنا تبايناً في أسعار المستلزمات المدرسية حسب الجودة والنوعية، وأحياناً كثيرة حسب “ذمة” البائع إن كان صاحب مكتبة أو بائع بسطة، فكلاهما لا يرحم جيب المواطن، فعلى سبيل المثال سعر البنطال المدرسي للمرحلة الإعدادية أو الثانوية يبدأ بأحد عشر ألفاً، والقميص المدرسي يبدأ بستة آلاف، وينتهي سعرهما حسب الجودة وضمير البائع، و”مريول” طالب المرحلة الابتدائية يبدأ سعره بخمسة آلاف وخمسمئة ليرة ويصل لـ 7 آلاف، وأسعار القرطاسية ليست بأفضل حال، حيث يتراوح سعر الحقيبة المدرسية بين 4 آلاف ليرة ليصل إلى 27 ألفاً، ووصل سعر القلم الأزرق والأحمر إلى 500 ليرة، وتوجد نوعيات رديئة بـ 200 -350 ليرة، والدفاتر الكبيرة المقسمة للمرحلة الثانوية وصلت إلى 4 آلاف للدفتر، في حين يسجل سعر المقلمة 1000 – 3 آلاف ليرة.
وبدردشة بسيطة مع بعض أصحاب المكتبات أشار بعضهم إلى أنه منذ بداية تطبيق الحجر المنزلي وحتى اليوم لم يبع قلماً واحداً، ومن يؤم المكتبة لتصوير هوية ليس أكثر!.
وبجردة حساب بسيطة فإن أي طالب يكلّف أسرته “وسطياً” مئة ألف ليرة، وتلك العينة التي تحدثنا عنها تنسحب على العديد من الأسر التي باتت تصارع الحياة بقدرة قادر، فلا الأسعار ترحم، ولا الرقابة تنفع؟!.
دارين حسن