ثقافةصحيفة البعث

الإنسانية والأخلاق الإنسانية!

أكرم شريم

هذا رجل توجد عنده في حديقة منزله ثلاث شجرات مثمرة، وحين يخرج تلاميذ المدرسة، ويمر الأولاد من جانب المنزل في أي وقت كان، فإنهم يقفزون على الحائط جانب الرصيف، ويمدون أجسامهم لالتقاط حبة فاكهة، مشمش أو غيرها، حتى لو كانت غير ناضجة (قرعونة)، ويشكّل هذا القفز خطورة على حياتهم، إذ يمكن أن يسقط أي منهم على أرض الحديقة ويصاب بمقتل، ولهذا صار يمتنع عن تسميد أشجاره، أي أنه لم يعد يضع السماد لأشجاره لكي لا تثمر، وهكذا صار يخسر كل عام ما يمكن أن تعطيه هذه الأشجار من الثمار، وكل ذلك لكي لا يصاب طفل بأذى، ومضت السنون ولاتزال تمضي وهو لا يضع السماد لأشجاره!.

ونقول في هذا المجال أيضاً: إن دورات محو الأمية هي من أبرز وأهم الأعمال الإنسانية في هذه الحياة، ولا ننكر أنها حدثت عندنا، ولكن يجب أن تستمر وتستمر بأسهل ما يمكن، ودون وضع أية تكلفة على المواطن لا مادية ولا روتينية، فهذا إنسان يريد أن يركب في سيارة لنقل الركاب، ويرى اسم المنطقة المكتوب في مقدمة السيارة، ولكنه يقترب من السائق ويسأله عن المنطقة الذاهب إليها، وأكثر من ذلك، إذا سأله ابنه الصغير، والأطفال يسألون آباءهم دائماً عن كل شيء، عن أي أمر في كتابه المدرسي ولا يعرف الأب، فانظروا كم كان لهذه الدورات من أهمية اجتماعية وإنسانية كبيرة عظيمة وأكثر من ضرورية!.

كذلك من الطبيعي أن الطفل يلعب ويحب أن يلعب وفي كل مكان وزمان، ونحن نعرف ونراقب ونوجّه وقت الضرورة، فما بالك حين يحصل على هاتف نقال، ويصير يلعب به ومن خلاله طوال الوقت الممكن، ومما يؤسف له أن هذا يحدث أمامنا، ونحن نعرف أن الهواتف النقالة تؤثر على أدمغتهم أكثر من تأثيرها على أدمغة الكبار، ما يجعلهم يتعرّضون إلى أضرار صحية بالغة الخطورة من موجات كهرومغناطيسية، فالأطفال مسؤولية الكبار حتى لو لم نكن نعرف من هم، فما بالك إذا كان ابناً أو قريباً، خاصة أن هذه الأجهزة الرقمية وعلاقاتها الكثيرة في الأنترنت تتكاثر وتزداد في حياتنا باستمرار؟!.

أخيراً ما يحدث في العالم كله من زواج وإنجاب وتربية للأطفال منذ أن يولد الطفل وهو لا يرى ولا يسمع، وتمسكه الأم بكل محبة إنسانية عميقة، وتبدأ بالتنظيف والتلبيس والتبويس وبكل حنان عميق أيضاً، وتمر الشهور والسنوات وهي تفعل ذلك، وتكون أول كلمة يلفظها (ماما)، ويظل في قلبها ولا يتحرك منه طوال حياتها، وهكذا تكون النصيحة اليوم، هذا هو المنطلق الذي تتشكّل منه كل الشعوب وفي كل الدنيا، ما يجعل العلاقات الإنسانية هي التي تربط بين أفراد كل شعب على حدة وبين كل الشعوب في العالم، وهذه الأخلاق الإنسانية العظيمة الطاهرة لا يحرفها ولا يلوثها بشكل مباشر أو غير مباشر وفي كل الشعوب سوى أعدائنا وأعداء الشعوب، ودائماً وباستمرار.