مجلة البعث الأسبوعية

كيف أعيد تشكيل أوراسيا

 

” البعث الأسبوعية ” عناية ناصر

تقوم سياسات الحكومة الصينية في الوقت الراهن على تحفيز الطلب المحلي وتوجيه السياسة النقدية نحو إنشاء الائتمان من أجل تعزيز بناء الصناعات المحلية ذات المستوى العالمي.

في الوقت نفسه، يدور نقاش جاد في موسكو حول ضرورة أن تتبع روسيا نفس المسار، و على حد تعبير أحد المحللين، “يجب على روسيا استيراد التقنيات التي تحتاجها فقط حتى تتمكن من إنشائها بمفردها وتصدير النفط والغاز فقط اللازمين لدفع ثمن الواردات. تحتاج الصين دائماً إلى الموارد الطبيعية، مما يجعل روسيا والصين حليفين مميزين.

وهذا ما يعكس بالضبط إستراتيجية الحزب الشيوعي الصيني، كما حددها الرئيس شي في اجتماع اللجنة المركزية في 31 تموز.

حقيقةً، تشبه مقارنة الديناميكيات الاقتصادية الحالية للصين بالولايات المتحدة مقارنة سيارة مازيراتي غران توريزمو سبورت (بمحرك فيراري V8) بسيارة تويوتا كامري. فلدى الصين مجموعة أكبر من الأجيال الشابة المتعلمة تعليماً عالياً، وهناك تسريع الهجرة من الريف إلى الحضر، وزيادة القضاء على الفقر، والمزيد من المدخرات، والشعور الثقافي بتأخير الإشباع، والمزيد من الانضباط الاجتماعي، والمزيد من الاحترام اللامتناهي للعقل المثقف العقلاني. إن حقيقة قيام الصين بالمزيد و من التجارة مع نفسها ستكون أكثر من كافية للحفاظ على الزخم الضروري للتنمية المستدامة.

وعلى الجبهة الجيوسياسية، ثمة إجماع في موسكو، من الكرملين إلى وزارة الخارجية، على أن إدارة ترامب ليست “قادرة على عقد صفقة”، وهو تعبير دبلوماسي ملطف يشير إلى أنها ليست “قادرة على إطاعة القانون”، وهو تعبير ملطف ينطبق على الضغط من أجل فرض عقوبات عندما يكون ترامب قد تخلى بالفعل عن خطة العمل الشاملة المشتركة.

بالمقابل، يتم استثمار الضغط الجاد على أعلى مستوى من الحكومة الروسية في تعزيز التحالف الأوراسي الحاسم، وتوحيد ألمانيا وروسيا والصين.

لكن هذا لن ينطبق إلا على ألمانيا بعد ميركل، فوفقاً لمحلل أمريكي، “الشيء الوحيد الذي يعيق ألمانيا هو أنها تتوقع أن تفقد صادراتها من السيارات إلى الولايات المتحدة.

على الجبهة النووية، وما وراء المأساة الحالية لبيلاروسيا، حيث لن يكون هناك ميدان في مينسك، أوضحت موسكو أن أي هجوم صاروخي من قبل الناتو سوف يعتبر على أنه هجوم نووي. ولهذا السبب عززت موسكو ترسانتها الدفاعية، وكذلك فعلت الصين.

إضافةً إلى ذلك، في حال فرضت ألمانيا عقوبات على أوكرانيا،، سيكون المنطق الروسي هو الالتفاف على العقوبات الألمانية من خلال تحويل صادراتها النفطية إلى الصين، التي تعتبر من وجهة نظر روسية أكثر تقدماً من ألمانيا من حيث التكنولوجيا الاستهلاكية.

وهذا ما تؤكده المناقشات غير الرسمية للصناعيين الألمان بأنه إذا فقدت ألمانيا مصدرها الروسي من النفط والغاز الطبيعي، وإذا تم إغلاق مضيق هرمز من قبل إيران في حالة وقوع هجوم أمريكي، يمكن أن ينهار الاقتصاد الألماني ببساطة.

وفي الوقت عينه، أوضحت الشراكة الإستراتيجية بين روسيا والصين أنه ستتم حماية طهران كأصل استراتيجي – وكعقدة رئيسية للتكامل الأوروبي الآسيوي، وهذا هو السبب في أن روسيا والصين تعملان بنشاط على تكثيف الدمج بين أنظمة الدفع الروسية Mir والصينية CHIPS، وتجاوز الدولار الأمريكي في التجارة الثنائية.

ولكن إذا تحقق هذا السيناريو، فقد تفقد الصين حليفيها الرئيسيين في وقت واحد، ثم يتعين عليها مواجهة واشنطن وحدها بينما لا تزال غير قادرة في هذه المرحلة على تأمين جميع الموارد الطبيعية اللازمة.. سيكون تهديدا وجوديا حقيقيا. وهذا ما يفسر المنطق الكامن وراء الترابط المتزايد للشراكة الإستراتيجية بين روسيا والصين، فضلاً عن الاتفاقية الصينية الإيرانية التي استمرت 25 عاماً وبلغت قيمتها 400 مليار. من الدولارات.

هناك صفقة سرية أخرى محتملة نوقشت بالفعل على أعلى مستوى من المعلومات الاستخباراتية وهي إمكانية إبرام معاهدة بيسماركية لإعادة التأمين بين ألمانيا وروسيا. ستكون النتيجة الحتمية تحالفاً فعلياً بين برلين وموسكو وبكين يغطي مبادرة الحزام والطريق (BRI)، إلى جانب إنشاء شبكة جديدة – رقمية- عملة أوروبية آسيوية للتحالف الأوراسي بأكمله، بما في ذلك اللاعبين المهمين مثل فرنسا وإيطاليا.

لن يمثل هذا الكابوس نهاية النخب الأنجلو-أمريكية المشبعة بماكيندر فحسب، بل يمثل المرور النهائي للشعلة الجيوسياسية للإمبراطوريات البحرية في قلب أوراسيا.

وبالتالي، خلف الضباب، في مراعي لعب الظل، يجري بالفعل اتخاذ تدابير حاسمة لإعادة تنظيم كتلة اليابسة في أوراسيا.