مجلة البعث الأسبوعية

مع غياب الضوابط والاستراتيجية.. الاحتراف أفلس أنديتنا وحولها من منتج إلى مستهلك..!

البعث الأسبوعية ـ ناصر النجار

الاحتراف في ثوبه الحالي احتراف مشوّه لا يخدم كرتنا وأنديتنا على حد سواء، فبعد إقرار الاحتراف قبل عقدين من الزمان، لم نجد أي جدوى منه، والعلة ليست في الاحتراف إنما في العقلية التي تديره؛ وحسب الواقع، فالاحتراف في الكرة السورية يمضي في بندين اثنين هما: الأندية تدفع واللاعب يقبض، والعقد شريعة المتعاقدين.. وغير ذلك سراب.

وفي “العقد شريعة المتعاقدين” لم نجد أي بند يضمن حق النادي، كل البنود بمصلحة اللاعب وكأن النادي جمعية خيرية، أو أن أصحاب العقود وجميع الأطراف مستفيدون من هذه العقود.

في الاحتراف، لا يوجد عندنا بنود تجعل اللاعب ملتزماً تجاه ناديه، لذلك نجد الحبل على الغارب بين اللاعبين دون رقيب أو حسيب، فالكثير من لاعبينا يدخنون ويسهرون وبعضهم يلعب مع فرق الأحياء الشعبية، ولم نجد نادياً ضبط هذه الحالات التي تؤثر على لياقة اللاعبين وجاهزيتهم، والأغرب من ذلك أن بعض اللاعبين أكبر من إدارات الأندية، فيملون عليها شروطهم وبعضهم يقود تمرداً ضد المدرب أو ضد الإدارة، ولا نجد أي بند رادع لهؤلاء لأن العقود أغفلت حقوق الأندية..!

أيضاً، لا نجد لوائح الانضباط فاعلة في الأندية حال تلقي اللاعب بطاقة صفراء أو حمراء، أو عندما يتأخر أو يغيب عن التدريب مثلاً، فهذه الإجراءات غير موجودة، وإن حدث ذلك فيمكن تطبيقه على اللاعبين الضعفاء.

ومن أغرب الصفقات أن أحد لاعبي الوحدة قبض الموسم المنصرم أكثر من أربعين مليون ليرة سورية، لعب فيها سبع مباريات، وسجل هدفاً واحداً، وجاءه بعدها عرض خارجي، فسافر دون تعويض محرز للنادي، لأنه دفع الفتات حسب العقد، فتبين أن اللاعب أذكى وأشطر من إدارة ناديه، إلا إذا كان هناك شيء مجهول، والله أعلم..!

 

مسبق الصنع

أغلب أنديتنا وخصوصاً الكبيرة تبحث عن بطولة معلبة مسبقة الصنع من خلال التعاقد مع لاعبين مميزين قادرين على تحقيق اللقب، وهذا كله يكون على حساب البناء والقواعد التي تلقى الإهمال، وهي منبع كرة القدم، فما حدث أن الاحتراف دمّر قواعدنا ومواهبنا الشابة في سبيل الحصول على بطولة هنا أو لقب هناك، ولو أن هذه الأندية اعتنت بمواهبها وخامتها الواعدة وصرفت عليها عُشر ما تصرفه على الاحتراف لتحولت اليوم إلى أندية منتجة تبيع اللاعبين بدل أن تكون مستهلكة، وتبحث عنهماسترا وتصرف ميزانيتها على الاحتراف، بل وتستدين من هنا وهناك لتغطي نفقاتها التي تحتاج إلى مال قارون.

والمثال الحاضر بين أيدينا نادي حطين، وقد قيل أنه صرف مليار ليرة أو أقل بقليل، على الدوري وأحضر لاعبين فوق حاجة الفريق، وبالمحصلة العامة خرج من الموسم كله بخفيّ حنين، وبعضهم قال مقارناً: ميزانية فريق الشرطة تعادل عقود أربعة لاعبين فقط من حطين!! ومثله فريق الاتحاد، أحد أبرز الأندية المرشحة للقب؛ وبحسب العقلية الجديدة للإدارة الجديدة، انسحبت الشركة الراعية من دعم فريق الاتحاد لأنها رأت أن الأمور بالنادي لا تسير لمصلحة كرة القدم وتحقيق البطولات المطلوبة..!

 

أسعار خيالية

يقول الاحتراف إن العقد شريعة المتعاقدين، وهذا جعل سقف أسعار اللاعبين مفتوحاً حسب العرض والطلب؛ لذلك وصلت أسعار بعض اللاعبين عنان السماء، وكان مبالغاً فيها كثيراً، حتى إن بعض اللاعبين العاديين لم يعودوا يقبلوا بالقليل وهذا الأمر وزع أندية الدوري على فئتين: غني وفقير، فناد قادر على دفع عشرات الملايين للاعب واحد، وناد غير قادر على ذلك، وهذا الأمر خلّف شرخاً في الأندية والدوري، لكن بالمحصلة العامة لم نجد فروقاً شاسعة على أرض الميدان بين الأندية الغنية والفقيرة، فنادي الجزيرة، على سبيل المثال: فاز على الاتحاد وتعادل مع الوثبة والوحدة والكرامة، فما حصّن المال والنجوم هذه الأندية عن الوقوع بشرك الفقراء، والأمثلة كثيرة في الدوري.

والمفترض أن تكون هناك ضوابط لهذه العملية من خلال سنّ قوانين تحمي الأندية من ابتزاز اللاعبين، وأن تتفق الأندية على لائحة أسعار، وأن يعزز هذا الأمر اتحاد كرة القدم من خلال وضع ضوابط لعملية العقود وإجبار الأندية على عدم التعاقد من خارج النادي لأكثر من خمسة لاعبين، وهذا يجبر الأندية بالاتجاه إلى قواعدها وفرق الشباب للعناية بها وتأهيلها ليكون لديها البديل الجاهز دائماً.

 

حديث لا ينتهي

الحديث عن الاحتراف وقوانينه لا ينتهي بسطر أو سطرين فهناك الكثير من القضايا المتشعبة عنه، وفي أهمها الاستثمار والتسويق الرياضي، لذلك يتبادر للذهن سؤال محق: هل يتوازى الاستثمار الرياضي مع القيم المطروحة في الاحتراف؟ ولماذا لا تتعامل أنديتنا مع التسويق باحتراف كونه أحد أهم المداخيل الرياضية التي تنعش كرة القدم وتطورها؟ بيد أن السؤال الأهم: ما الاستراتيجية الاحترافية التي تضعها الأندية؟

وعلى ضوء الاحتراف الحالي القائم فإن نصف أندية الدوري الممتاز، الذي كان يسمى فيما مضى دوري المحترفين، غير قادرة على تطبيقه، وتدخل الدوري من باب الشرف والفخر ليس إلا، وأغلبها ليس لديه موارد ثابتة تغطي نفقات الدوري، فيتم الاعتماد على الهبات والمساعدات والمحبين. والحل الأمثل يكمن بوضع شروط لمن يشارك بالدوري الممتاز، وهذه الشروط تضمن المشاركة التنافسية الكاملة دون وجود أي عقبات مالية على الأقل.

وللحديث بقية..