امبراطوريات مالية بمنأى عن التنمية..!.
حسن النابلسي
رغم إقرارانا بقوة المال وتأثيره الاقتصادي والاجتماعي وحتى الثقافي، إلا أن صاحب هذا المال هو النواة المعوّل عليها لتوظيفه بالشكل الأنسب..!.
التعويل هنا مرتبط بشخصية المتحكم بالمال، وبامتلاكه الرؤية التنموية الحقيقية، وبمدى مقدرته على نسج علاقات اقتصادية محلية وخارجية بمنأى عن الشبهات، وربما الأهم من هذا وذاك، شرعية ما بحوزته من مال، فبمقدار ما يتمتع به الأخير من صبغة شرعية وقانونية، بمقدار ما يحقق قيم مضافة من توظيفه وتنميته وانعكاسه بالمحصلة على الجانب الاجتماعي بأنقى صوره..!.
كما أن لثقافة صاحب المال ومؤهلاته العلمية، وحضوره في المحافل الاقتصادية والاجتماعات الرسمية وتفاعله معها من خلال طرح أفكار ومبادرات جدية، دوراً لا يستهان به لتطوير ما هو قائم من أنشطة اقتصادية وتجارية، أو لتمهيد الطريق لأخرى جديدة تؤازر الأولى، أو لطرح حلول ناجعة لما تتعرض له المسارات التنموية من تحديات استثنائية..!.
في هذا السياق يثار لدينا تساؤلاً عريضاً..كم لدينا من رجال أعمال من ذوي الملاءة المالية الكبيرة ممن تنطبق عليهم هذه الشروط أو بعضها..؟.
نعتقد وللأسف أنهم قلة قليلة ربما لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة.. وقد توّلد لدينا هذا الانطباع الذي يرقى لمستوى اليقين، من خلال متابعتنا وحضورنا لعدد لا بأس به من الاجتماعات الرسمية، والمؤتمرات والندوات الاقتصادية، إضافة إلى ورش العمل، التي تقام عادة لاجتراح الحلول لبعض القضايا المستعصية كالبحث عن الآليات المثلى للتمويل، أو تفعيل العمل الصناعي والتجاري مع الأخذ بعين الاعتبار ضبط الأسعار، وتأمين حاجة السوق المحلية من السلع والمواد الأساسية، والاشتغال على التصدير بما يؤمن توريد للقطع الأجنبي وغير ذلك من القضايا الاقتصادية وتأثيرها على النمو.. وقد ترسخت لدينا القناعة بسطحية ما يطرحه رجال الأعمال من آراء وليس أفكار.. وإذا ما احتدم النقاش واتخذ شيئاً من الحدة والإدانة لممارسات البعض، سرعان ما يحاولون رمي الكرة بملعب الحكومة، ويطالبونها بمزيد من “الامتيازات التشجيعية والإعفاءات” تحت ذريعة “لم نغادر البلد كما فعل غيرنا..ولم نترك السوق خاوية على عروشها..فقد أمنا كل احتياجاتها..” جاهلين أو متجاهلين ما حققوه من أرباح تتوافق خطوة بخطوة مع تذبذبات سعر الصرف..!.
لا بل إن أحدهم في أحد الاجتماعات مع الفريق الاقتصادي برئاسة رئيس الحكومة السابق، طالب بفتح باب الاستيراد على مصراعيه، علماً أن استقرار سعر الصرف كان أحد أهم الأجندة المطروحة بجدول الأعمال..!.
يخشى أن نفتقد نهج الرعيل الأول من رجال أعمال طالما كان لهم بصمات ولا تزال، في كثير من المواقع الإنتاجية الحاضرة في مواقع الخارطة الاستثمارية..ليبقى التعويل أخيراً على من يؤمن باقتصاد بلده ويدرك أنه لا يستمد القوة والمتانة الحقيقيتين إلا من خلال تصويب مسارات التعاطي الإنتاجي..!.
hasanla@yahoo.com