ومضة .. أطفال يعدون مسرحهم
” البعث الأسبوعية ” سلوى عباس
يلعب المسرح دوراً مهماً في توعية الطفل وتنمية مداركه العقلية والنفسية، إذ يعتمد لغة لها نكهة خاصة في تواتر علاقته مع الطفل، كونه يمثل رافداً من روافد الثقافة، ووسيلة تعليمية تنطلق بفكر الطفل إلى عالم أفضل، ويساهم في تكوين شخصيته وتنمية ثقته بنفسه وبالآخرين، كما ينمي لديه الإبداع والاعتماد على الذات من خلال الموضوعات التي يطرحها، وهذا ما لمسناه في أعمال تضمنتها تظاهرات مسرح الطفل التي حملت الكثير من القيم التي كان الأطفال على فهم وإدراك لها، كقيم التعاون والصداقة وأهميتها، والعمل الجماعي ومردوده الإيجابي، إضافة إلى حب الوطن والتمسك به والدفاع عنه، والدعوة إلى التآخي والسلام. وجاءت هذه التظاهرات في وقت كان صوت الرصاص هو الحاضر الأقوى، وأكثر ما يحتاجه الطفل أن يخرج من واقع الخوف الذي عاشه على مدى سنوات الحرب، فتأتي هذه التظاهرات لتقول أن هناك صوتاً آخر يعلو على صوت الخوف، هو صوت الفن والثقافة الذي كان على مر الزمن السلاح الأقوى في محاربة الأذى والقبح.
لكن، هل تكفي هذه التظاهرات لإغناء فكر الطفل؟ أم أننا نحتاج إلى عمل فني يومي يساهم الطفل في صنعه؟
إذا عدنا بذاكرتنا إلى الوراء قليلاً، نستذكر حالة من التفاعل المسرحي بين الطفل والمسرح عبر مهرجانات مسرحية كانت تُقام للأطفال، هذه المهرجانات كانت من الأهمية بحيث أننا نتساءل: أين غابت الآن؟ ولماذا لا تُقام مهرجانات مماثلة، كمهرجان “الربيع”، الذي أقيم في عام 2006، بإشراف المخرج المسرحي عدنان سلوم، وكانت الانطلاقة الأولى له من فكرة إعداد الأطفال لمسرحهم بأنفسهم؟ خاصة وأن المسرح فن تفاعلي، ومن الطبيعي أن ينخرط هؤلاء الأطفال في المسرح ليتعرفوا عليه بشكل علمي وعملي، ويشاركوا في إعداده؛ فبعد أن اعتاد الأطفال – واعتدنا نحن معهم – أن يقدّم مسرحياتهم ممثلون كبار يتقمّصون أدوارهم وشخصياتهم، ويتحدّثون عن أحلامهم وأفكارهم، فيقتصر دور الأطفال على الحضور – دون التوقف عند رأيهم أو انطباعهم ما إذا كان ما يقدم لهم من مسرح يعبّر عنهم فعلاً، أم أن لهم رأياً آخر – نتوقف عند مبادرات متعددة لأعمال تهدف إلى إشراك الطفل في العمل المسرحي، عبر ورشات عمل شكّلت الأساس لفكرة تأسيس “نادي الأطفال”، الذي يضم أطفالاً بأعمار مختلفة؛ وقد عبّرت تجربة الأطفال – هذه – عن إدراكهم العميق للمسرح ودوره في تحريض الفكر للبحث والسؤال، وكان هناك عملان لهذا النادي، هما “لعبة عرائسية”، و”طائرة الألوان”، من إعداد الأطفال، كما تم افتتاح نادي سينما الأطفال في أبي رمانة، ولاقت هذه الخطوات إقبالاً من الأطفال، إضافة للإقبال الجماهيري والإعلامي ما أعطاها صدى ايجابياً.
ومن الخطوات، الواجب اتخاذها لتطوير العمل المسرحي الموجه للأطفال، تأسيس مراكز ثقافية للأطفال في كافة المحافظات تضم الإبداعات المقدمة للطفل والنابعة منه، وإيجاد قسم معلوماتية للأطفال ضمن هذه المراكز – أسوة بتجربة بعض البلدان العربية – وإنشاء مسارح خاصة بالطفل في المناطق والأحياء، وتزويدها بخريجي المعهد العالي للفنون المسرحية لتتاح لهم فرصة تطبيق أفكارهم وتوظيفها في المجال العملي، إضافة لتقديم مشاريع تخرج موجهة للطفل بعد إدخال مادة مسرح الطفل ضمن منهاج الدراسة في المعهد، وإقامة مهرجانات مسرحية متواصلة للأطفال، وإعادة النظر بالمسرح المدرسي، والأهم أن تولي وزارة الثقافة مسرح الطفل اهتماماً أكبر، بحيث تكون هناك حالة تفاعلية بين الأطفال والمسرح من خلال إعادة تفعيل نادي مسرح الأطفال ليستعيد الأطفال حالة التفاعل بينهم وبين مسرحهم، ولسان حالهم يقول: “أعطونا فرصة أن نكون”!