الرابح يبقى وحيداً.. كواليس النخب
إلى عالم مغرق بالشهرة والمال والجريمة والكثير من الأشياء السيئة التي تمرّ في البال، وبأسلوب الكاتب باولو كويلو المبدع في الدخول للعمق الإنساني، سيحاول أن يبيّن إلى أين يمكن أن يصل الإنسان بأفعاله، وإلى أي حدّ سيتحمّل ضغوطات ومشكلات الحياة، وما قد يفعله للوصول إلى الشهرة والمال وكمية التنازلات والفضائح التي قد تقدّم لأجل الوصول، ومن جانب آخر سيكشف الكاتب الحب الذي قد يصل مرحلةَ غير الطبيعي، وقد ينقلب إلى كراهية. ففي رواية “الرابح يبقى وحيداً” ندخل إلى عالم ليس بغريب على القارئ، ولكن الجديد هو العمق الموجود والأحداث التي خلف الكواليس لهذا العالم من مصالح وجرائم قد تحدث لأشخاص حلمهم الوحيد الوصول للشهرة مهما كان الثمن والتنازلات للوصول!.
تتحدث الرواية عن الطبقة الأرفع في المجتمع: رجال الأعمال ممن يمتلكون شركات الاتصال العملاقة، ممثلو هوليود الأكثر بريقاً على الشاشات، منتجو الأفلام وموزعوها، مصمّمو الموضة الذين تتحوّل تصاميمهم إلى ثياب يرتديها العالم أجمع.
كل إنسان لديه زاوية ينظر من خلالها إلى العالم ودوره فيه، ومجال اهتماماته وحياته، وخلال أربع وعشرين ساعة استطاع باولو كويلو أن يسبر أغوار الحالة الذهنية لعدد من الشخصيات، جاؤوا ليشهدوا أكبر احتفالية سينمائية هي مهرجان “كان”، يحملون أحلامهم وهمومهم، فيتحدث عن عاشق مريض أو عاشق لا يقبل الخسارة، عن مخرج، ومصمّم أزياء ناجحين، عن نساء يبحثن عن وجودهن، يقبلن بأي شيء ليصبحن حديث الصحافة، عن الكثير من الشخصيات المحبوكة بيد ماهرة، عن قاتل، في إطار روائي بوليسي شيق ينقل القارئ إلى أجواء فرنسية في إطار الاحتفالات بالمهرجان.
تتمحور الأحداث حول “إيجور”، رجل الأعمال الروسي غريب الأطوار الذي شارك في حرب الاتحاد السوفييتي في أفغانستان مما سبّب له مشكلات نفسية معقدة، “إيجور” هجرته زوجته رغم حبها الشديد له بعد أن تأكدت من شخصيته غير المتزنة، لتتزوّج من رجل أعمال شهير من أصل عربي “حميد حسين” يعمل في مجال الموضة والأزياء، يذهب إلى “كان” حيث توجد مطلقته مع زوجها هناك، ليحاول أن يثبت مدى حبه لها ولكن بطريقته الخاصة. أيغور شخصية معقدة جداً كان قد شارك في عدة حروب مما مكّنه من استخدام أسلحة فريدة من نوعها، ولأنه رجل أعمال مشهور فقد تمكن من الحصول على مواد سامة بطرق ملتوية.
في هذه الرواية يثير كويلو قضايا مختلفة كالحب والشهرة والسلطة والمال والموت والخسارة، بالدخول إلى عالم الأثرياء المهتمين بطريقة أو بأخرى بعالم السينما، يتنقل بين الشخصيات بطريقة الفلاش باك وحديث داخلي لكل شخصية يتحدث عنها كيف كانت؟ ماذا تريد؟ كيف يؤثر الطموح وكيف هو شكل بصمات الرغبة حينما تقود الإنسان إلى أهدافه؟! يكشف عالم الثراء ونقصه الفظيع الذي يصوّر للمرء على أنه أقرب للكمال والجمال والسعادة، يصف الوسط الفني، حيث الولع بالأضواء ومحاولة إرضاء الشعور بالذات عبر تصدّر المجلات والأخبار، يعري عالم المشاهير حيث يقف خلف هذه الابتسامات المزيفة الكثير من الآلام والكثير من الضغوطات النفسية والمشكلات والأمراض على نوعيها جسدية أو أمراض قلوب من حقد وطمع وبحث عن السلطة والمال، ومهما اعتقد الشخص البسيط بأن هذا الفنان محظوظ فهو ينسى أنه لا يرى ما خلف الكاميرات، ولا يشعر بالقلق والخوف الدائم الذي تخفيه الجواهر والسيارات والمحافظ الملأى بالمال!.
في كل فصل من فصول الرواية، والذي هو عبارة عن التوقيت خلال اليوم، تظهر تفاصيل حياة فتيات حالمات بالنجومية السينمائية، عارضات أزياء، خريجات معهد المسرح، طالبات ثانوية رومانسيات، نجوم ومشاهير ويخوت وفنادق ضخمة ورفاهية لا متناهية، وليس ذلك المدهش في الأمر، بل هو كيف يعيش هؤلاء خلف تلك البهرجات انكساراتهم وخيبات الأمل التي تختبئ وراء ظهور المعجبين والمعجبات وهم يهتفون للنجوم الذين لا يعرفون ما بعد السجادة الحمراء.
الرواية أشبه ما تكون ببحث يجدر الاطلاع عليه للتعرف على الوجه الآخر للشهرة والنجومية وصناعة النجوم، والذي تكون فاتورته باهظة الثمن قد تنتهي بفقد الذات أو الحياة.
عُلا أحمد