ميسي يعيد تاريخ مارادونا.. سطوة كبار النجوم ظاهرة تزداد انتشاراً
“البعث الأسبوعية” ــ سامر الخيرَ
وضع قرار النجم الأرجنتيني ليونيل ميسي المتعلق بالاستمرار مع ناديه برشلونة الإسباني، نهاية لموجة من التكهنات حول مستقبل اللاعب ووجهته وشكل برشلونة للموسم المقبل رغم استقدام مدرب عتيد هو الهولندي رونالد كومان، والوعود بصفقات شابة، فلاعب بحجم ميسي وتاريخه مع النادي الكتالوني يستأهل كل تلك الضجة وتصدر العناوين خلال الأسبوعين الماضيين، ولكن هل المشكلة كانت حقاً برحيل البرغوث أو قيمة الشرط الجزائي الخيالية؟
للوهلة الأولى يمكن الإجابة على هذا التساؤل بنعم وحتى دون التطرق إلى التفاصيل، أما التفكر بتمعن بعد انتهاء هذه القضية في كل المحاور التي طرحت، ينقلنا إلى مكان آخر تماماً، وتحديداً إلى سبب قرار ميسي الرحيل، ورغم أنه زعم نيته ذلك منذ منتصف الموسم الماضي تقريباً وأن الهزيمة الثقيلة بأقدام بايرن ميونخ الألماني كانت بمثابة رصاصة الرحمة، ولكن التحليل المنطقي هو تهديد سطوته وبالتالي النزول عن عرش اللاعب الأول في النادي والذي لا يمس، فالأرجنتيني لم يبح عن مكنونات نفسه إلّا بعد اجتماعه بالمدرب الجديد الذي كان حاد اللهجة وجاداً ومباشراً في إيصال رسالته له، فهل امتيازات أفضل لاعب في العالم ست مرات وسطوته كانت وراء تراجع أداء الفريق وجفاء الإدارة..؟ وهل هذه هي الحالة الوحيدة التي تشهد فيها ملاعب كرة القدم هيمنة النجم الواحد على فريقه؟
البداية ستكون بالتأكيد من ملعب الكامب نو معقل البارسا، فكلنا نذكر الطريقة التي أقيل فيها المدرب إرنيستو فالفيردي بعد خسارة الفريق لكأس السوبر الإسبانية، وفور التعاقد مع المدرب كيكي سيتين خرج الأخير باعترافات تؤكد مدى التأثير الكبير للبرغوث على قرارات الإدارة، فهو يعمل على إيجاد صيغ وطرق لعب تجعل من الليو سعيداً، وهناك حادثة أخرى شهيرة، فالمدرب السابق لمنتخب الأرجنتين خورخي سان باولي قال قبيل انطلاق مونديال روسيا 2018 إن هذا المنتخب هو منتخب ميسي ونحاول إيجاد طريقة اللعب التي تناسبه، وقبله كان كلام تاتا مارينو الذي تولى تدريب المنتخب الأرجنتيني بعد الخروج من مونديال البرازيل 2014، “أعلم بما يجب فعله كي يكون ميسي في أفضل حال داخل الملعب”.
ومع شعور رئيس النادي جوسيب ماريا بارتوميو بخطر ازدياد نفوذ ميسي، جعله يعمد إلى طرائق ملتوية للحد من هذا الموضوع، عبر تشويه سمعة لاعبي البارسا، على رأسهم ليونيل ميسي، عن طريق حسابات مخصصة لذلك بمواقع التواصل الاجتماعي، ورغم نفي رئيس النادي لذلك في أكثر من مناسبة، فهذا لا يعني عدم صحته أو حتى خوفه وقلقه، ومحاولته للسيطرة قبل موعد انتخابات إدارة النادي، لذا ذهب الكثير من الصحفيين للقول بأن بارتوميو جلب شخصاً قوياً ككومان لحصر ميسي بين خيارين البقاء والخضوع أو الرحيل وزوال التهديد.
ولا تعتبر حالة ميسي فريدة من نوعها على الأقل في العقد الأخير، فمنافسه البرتغالي كريستيانو رونالدو كان يحظى بسطوة مشابهة أيام تواجده في صفوف نادي ريال مدريد الإسباني، حتى انتشرت وقتها معادل “ريال مدريد=رونالدو” وأن الفريق دونه يظهر تائهاً ويكون من الصعب عليه تحقيق الفوز، فهو صاحب البصمة في رسم السعادة على وجوه المدريدستا وقيادة الفريق لتحقيق العديد من الانتصارات الهامة، ولكن هل كان ذلك ليكون لولا خضوع زملائه لرغباته..؟ طبعاً بموافقة من الإدارة، فرأس الحربة الفرنسي كريم بنزيما والذي تألق في الموسم التالي بعد رحيل رونالدو وكان ينافس ميسي على صدارة الهدافين كانت مهمته زمن رونالدو سحب أكبر عدد من المدافعين وإخلاء الطريق أمام النجم البرتغالي، شأنه شأن العديد من النجوم الذين يزخر بهم الميرنغي، مهما قدموا من مردود ينسب الفضل في الفوز إلى اللاعب الأول رونالدو، والعديد من المقالات أشارت إلى أن رحيل كريستيانو أنعش الفريق وحثّه على المزيد بعد تراجع مستواه عقب فوزه بعدة ألقاب في الفترة الأولى لتسلم زين الدين زيدان تدريب الفريق.
والدور ذاته يقوم به نجم باريس سان جيرمان البرازيلي نيمار ولكن مع منتخب بلاده، فهو محور اللعب وعند قدوم أي منافسة يشارك فيها يستدعى من اللاعبين أكثر من يتجاوبون معه ويمولونه بالكرات، وأيضاً في العقد الأخير نجد البلجيكي إيدين هازارد يقوم بالمثل أثناء تواجده مع نادي تشيلسي الإنكليزي أو مع منتخب بلاده، فرغم تواجد العديد من النجوم البارزين حوله وخاصة في صفوف بلجيكا إلا أن مهمة جميع اللاعبين تمرير الكرات الجيدة للهداف وتسهيل مروره.
وإذا أردنا توسيع البحث لوجدنا أشهر حالةٍ يمكن الحديث عنها أبعد من السنوات العشر الأخيرة، ستكون حالة الأسطورة الأرجنتينية الأولى دييغو أرماندو مارادونا وتحديداً فترة تواجده مع فريق نابولي الإيطالي، ومعه كانت السطوة استبداداً ليس فقط في داخل النادي وإنما في مدينة نابولي كلها وأشهر حادثة تدعم قولنا، مباراة المنتخبين الأرجنتيني والإيطالي في نصف نهائي كأس العالم 1990 على ملعب السان باولو ملعب الفريق السماوي، ووقتها أنهى مارادونا مشوار الطليان في البطولة، ولكنه أثار العديد من الانتقادات بعد دعوته لجماهير ناديه ومحبيه تشجيع منتخب التانغو على حساب منتخب بلادهم.
صحيح أن هؤلاء النجوم تركوا بصمة لن تنسى ليس فقط في أنديتهم وإنما في عالم كرة القدم ككل، ولكن هذا لا يخولهم احتكار القرارات التي تخص الفريق بشكل مباشر كأسماء اللاعبين والتشكيل وطريقة اللعب، فهذا دور المدرب ومساعديه وسطوة النجم يجب أن تكون خارج الملعب بما يخص محبيه وأخباره ونشاطاته، وكل الأمثلة التي تطرقنا لها أدت في مرحلة ما إلى تدهور أحوال الفرق وعدم إنجاز شيء مهما جرى من تغييرات محيطة بالنجم الأول، وكأنها تغطية لثقوب لا معالجة جذرية بتأطير دور هذا النجم، وربما نشهد ذلك الموسم المقبل في برشلونة كما حدث في الموسم الأول لرونالدو مع فريقه الحالي يوفنتوس الإيطالي، حيث كان يقارع الجميع لإثبات نفسه فشاهدناه في الدفاع ومسانداً لكل زملائه وكأنه يعمل بصمت.