التبغ في جرد القدموس.. غياب للدعم وخسائر متتالية للفلاحين ..
لم تلبِ الزيادة الطارئة على أسعار محصول التبغ طموح المزارعين لكونها ضعيفة ولا تغطي التكلفة وأقلّ مما يدفعه التّجار لهم بكثير، لذلك عادوا للشكوى مجدداً، حيث تقدّم العديد من مزارعي سهل عكار وخارجه بشكوى قالوا فيها: إن التسعيرة الجديدة جاءت مخيّبة للآمال لكونها لا تتناسب مع التكاليف التي زادت كثيراً بعد غلاء الأسعار وارتفاع تكاليف المحصول من يد عاملة وأسمدة ومبيدات زراعية.. وغيرها. وأكدوا أن تجار السوق السوداء يدفعون للمزارع ثمن كيلو التنباك ٥٠٠٠ ألف ليرة، مقابل تسعيرة المؤسّسة ٢٤٠٠ ليرة، وأنهم كمزارعين غير راغبين بتسليم إنتاجهم إلا للمؤسسة (إلا إذا تنازلت عن قسم من الإنتاج لأن مخزونها كبير جداً)، لكنها لا تحسّ بالفلاح وتعبه، حيث إن الكيلو الواحد من التنباك يكلف فوق ٣٥٠٠ ليرة.
وختموا شكواهم بمطالبة المؤسسة والجهات الوصائية بإعادة النظر بالتسعيرة الجديدة، لأن وضع الفلاح صعب جداً وقد يتعذّر عليه في الموسم القادم تمويل مستلزمات زراعته بسبب التكاليف الباهظة.
بالمقابل..
بحسب مصادر في مؤسّسة التبغ فإن هناك تأكيدات بأن الزيادة كانت جيدة وتراعي الكلفة مع هامش ربح، وأنها صدرت بناء على دراسة دقيقة واقتراح من لجنة تضمّ ممثلاً عن الاتحاد العام للفلاحين، مشيرة إلى أهمية القرار الجديد المتضمن السماح بترخيص دونمين جديدين لمن يزرع صنف شك البنت الذي يهمّ النسبة الكبرى من المزارعين أصحاب الحيازات القليلة والذين لا مورد دخل لهم سوى زراعة التبغ.
كلام محلي ليس للنشر!
بحسب تصريحات معنيين بزراعة التبغ فإن مجمل ما تنتجه طرطوس لا يشكّل أكثر من 25% من مجمل الإنتاج المحلي، حيث يتمّ إنتاج كميات كبيرة في مناطق مختلفة وبأنواع أيضاً مختلفة، مبررةً بذلك عدم وجود معمل دائم لصناعة التبغ في طرطوس، ومع ذلك فقد تمّت تجربة تجهيز خط لإنتاج التبغ في مستودعات المؤسسة بالقرب من المنطقة الصناعية. ولفت المعنيّ الذي طلب عدم الإشارة إلى اسمه، نظراً لمنع الحديث للإعلام بأي شيء من شأنه الحديث عن هذه الزراعة والصناعة الاستراتيجية.. إلى أن إنتاج هذه العلبة السحرية من الدخان يحتاج لخلطة عجيبة من شتى أنواع الدخان فيها: الفرجينيا وشك البنت.. وغيرها، وصولاً لإنتاجها بهذا الشكل اللائق والمحفّز.
جولة حقلية
في جولة لــ”البعث” على بعض القرى في منطقة القدموس التي تنتج كميات كبيرة جداً من محصول التبغ، ويقوم مزارعو المنطقة بتسليمه للمؤسسة بكل طيب خاطر وربما بدافع وطني خالص، رغم بعض الإغراءات المقدّمة من تجار التبغ نظراً لفارق السعر بين السوق والمؤسسة، فقد أشار بعض من التقيناهم إلى أن مزارعي المنطقة يصرّون على تسليم محصولهم للمؤسسة رغم بعض الإجحاف والظلم الذي قد يتعرّض له المزارع من قبل لجان المؤسسة، والمزاجية الشخصية التي يقوم فيها البعض بتحديد الصنف وبالتالي السعر، الأمر الذي يؤدي إلى إلحاق الأذى والضرر ببقية كميات المحصول رغم ما يتمتّع به الموسم من جودة يتميّز بها عن بقية المناطق التي تقوم بزراعة التبغ.
بدوره أشار بعض المزارعين إلى أن السعر الذي تمّ الاتفاق عليه مؤخراً زهيد للغاية ولا يوازي سعر التكلفة، ولاسيما في ظل ارتفاع أجور الفلاحة والسماد وعميلة نقل المحصول، وأيضاً بعض المصاريف الأخرى لتأمين متطلبات الحياة..
رابطة القدموس
يقول هيثم سليمان رئيس رابطة القدموس وبانياس حول معاناة مزارعي القدموس: زراعة التبغ من الصنف البلدي (شك البنت) تشكّل الزراعة الأساسية للفلاحين في قطاع منطقة القدموس، يعمل فيها أكثر من 11000 عائلة، ويتراوح الإنتاج السنوي من المادة بحدود 3000 طن، تمّ زيادة الأسعار بنسبة ٦٦.٦% ولم تلبِ طموح الإخوة المزارعين وزادت بشكل كبير الفارق بين صنف الاكسترا 3000 ل. س والثالث 650 ل. س، أي توسّع الفارق من 1350 ل.س إلى 2350 ل. س، نظراً للجهود المبذولة من المزارعين على مدار العام من بداية تجهيز المساكب إلى موعد تسليمه لمؤسسة التبغ، ونظراً لارتفاع كلفة الإنتاج والأسعار والأجور ومواد الإنتاج أربعة أضعاف على الأقل، ونظراً لكون الزراعة مصدر رزق وحيد للعائلات، اقترح سليمان تقديم الدعم اللازم من الحكومة، إضافة لإعادة النظر بسعر الشراء حتى يبقى للزراعة طابعها الاجتماعي الذي ساهم منذ عقود خلت بمنع هجرة الأهالي من المنطقة إلى المدن.
وبالنسبة للصعوبات فهي تتلخّص بغلاء الأسمدة والأدوية والخيوط والمبيدات السامة والفطرية “مانع التبرعم”، وارتفاع الأجور وعدم توفر مياه الري والكلفة العالية لها من خلال شرائها بالصهاريج حيث يتراوح سعر المتر المكعب بين ٧٥٠ إلى١٠٠٠ ليرة؟!.
اتحاد فلاحي طرطوس
من جهته طالب مضر أسعد رئيس اتحاد فلاحي طرطوس بضرورة أن يحظى موسم التبغ بدعم حكومي، لأن إمكانيات المؤسّسة العامة لا تسمح لها بزيادة أسعار المحصول، وبالتالي من الأهمية أن تقوم الحكومة بتقديم دعم مالي للمزارعين أو للمؤسّسة، بما يضمن حقوق المزارعين والمؤسسة معاً. ولفت أسعد إلى أن سعر 3000 ليرة الذي تمّ اعتماده مؤخراً بعد سلسلة اجتماعات “ماراتونية” مكثفة، وتمّ أخيراً الاتفاق عليه، لا يتناسب مع جهد المزارعين وتعبهم على مدار عام كامل، وفي ظل كونه موسماً وحيداً تعتاش منه آلاف العائلات في ريف المحافظة، ولاسيما منطقة القدموس وغيرها، ويقوم بتشغيل جميع أفراد العائلة، بمن فيهم من لديه إعاقة حركية، وبالتالي هناك حاجة ماسة لبعض العائلات ممن لديها حالات خاصة.
استمرارية الحياة
يتفقُ طرفا العلاقة، المزارعون ومن خلفهم حيّز اجتماعي واسع من جهة واتحادهم من جهة أخرى، على حتمية أساسية وضمن الإستراتيجية الزراعية البعيدة المدى بأنه لضمان استمرار الحياة في هذا الجرد الفقير لابد من دعم قطاع الزراعة التي تختصّ بها منطقة القدموس، والتي تعتمد بشكل أساسي وربما وحيد على زراعة التبغ، الأمر الذي يضمن من جهة ثالثة دعم هذا الإنتاج الذي يحقّق ريعاً مالياً جيداً للخزينة العامة، ورافداً مهماً للاقتصاد الوطني، وبالتالي فإنه لا مناص أمام القائمين سوى دعمه تسعيراً وزراعة ومستلزمات من سماد وغيره، واستلام محصوله بالكمال والتمام للمؤسسة التي تقول بأنها مع المزارعين وتقدّر جهدهم وتعبهم، وإلا فإن تجار السوق في الانتظار، حيث يقدّمون الإغراء تلو الإغراء لدفع المزيد في ظل تحديات الفقر والحاجة الماسة من جهة، والأهمية الإستراتيجية لصناعة هذا المحصول بالنسبة للمؤسّسة من جهة أخرى.
لؤي تفاحة