ناظم مهنا يستكشف الطرف الآخر للرمل
صدر عن الهيئة العامة السورية للكتاب المجموعة الشعرية “الطرف الآخر للرمل” للأديب ناظم مهنا، الذي نشأ كما كثير من الأدباء على القصيدة، تربى عليها شفوياً، فكان الشعر أول حبره على ذاكرة البياض، وهو – كما يقول- المنحدر من ثقافة شعرية بعينها يكادُ الشعر فيها يكون مقدّساً، مع أنه خاض أكثر من مجال أدبي إذ قرأناه قاصاً وروائياً، والآن نقرأه من خلال مجموعته الشعرية الجديدة “الطرف الآخر للرمل” بلغة تحمل بعداً صوفياً يستحضر التراث عبر لغة شكلت الشاهد الأول على حضارة ضاربة في التاريخ، فيركن للشعر الذي فتح نوافذ روحه على نور الحياة، وفي ليالي الشتاء الطويلة كان يتقاسم معه رغيف الحنين لدفء الروح المثقلة بضجر الأيام وحنينه لزمن آخر يمجد حكاياته، زمن الشعر والشعراء الذين شكلوا ذائقتنا الشعرية وذاكرتنا المعرفية، وهذا ما نلمسه في قوله:
“مرحباً أيها الزمن الغابر/الزمن الذي انطوت فيه صفحة الشعراء/وعبث بأخبارهم العابثون…/عم مساء يامرأ القيس/وكل رهط شعراء العصر القمري/عموا مساء جميعاً”.
ونقرأ أيضاً:
“في هذا الليل/يتدلى قمر عتيق/ وقلت: لو مرَّ لوركا من هنا، ورأى فوق هذه المدينة النحاسية هذا القمر الفضي الضاحك الذي لا يفرُّ ولا يرتعش، لأنشد شعراً على نهج الخليل”!.
وإذا كانت وظيفة الشعر تقوم على البحث والاكتشاف فإننا نراه لدى الشاعر مهنا يشكل بوحاً من شغف امتلاك الحقيقة، التي يشكل منها ربيعاً من شعر فيقول:
“على الصخر نقشُ كلمات تزهر في العتم، وتنكمش في الضوء.. هنا يصنع الخيال أطيافاً.. سيدة مترفة من سيدات الرمل، المترحلات بين زواريب المدينة الدّارسة!.. نجيء من أمهات بعيدات متخاصمات أحياناً، نُقيم حواراً صامتاً مع الرمل والحجر والضوء.. وبقايا أشياء مبعثرة، ومكامن جمال عفا عليه الزمن”.
ولعل ما تضمنه غلاف المجموعة يعرّف بها أكثر ومما جاء فيه: هذه القصيدة الطويلة، إنشاد ملحمي حديث، من ثلاثة مقاطع تقوم على تفتيت مركزية الانفعال الشعري والتأملي، وخلق توترات قائمة على المفارقات وغير المتوقع، وجدلية الحضور والغياب، الذاكرة والنسيان، يتداخل فيها الشعر والسرد.. فالإنسان، الأرض، الحكاية، هذا الثالوث الحاضر في وعي اللغة الجديدة وذاكرتها، هو الخلفية التي تنطلق منها القصيدة.