مجلة البعث الأسبوعية

التيكي تاكا أبرزها.. ثلاثة أساليب دخلت تاريخ كرة القدم بالأرقام والإنجازات

“البعث الأسبوعية” ــ سامر الخيّر

تمايزت أساليب اللعب في عالم كرة القدم وتغيرت بشكل كبير منذ أن أخذت شكلها الحديث وحتى الآن، وربما كانت القارة العجوز المبتكر الأول لهذه الأساليب المعروفة في الملاعب الدولية، ومع تراكم السنين وتطور القوانين وأدوات التدريب واللعب ازدادت اللياقة والقوة البدنية، وباتت الكرة ملائمة أكثر لمهارات اللاعبين، لذلك بات لزاماً على مدربي الفرق والمنتخبات مواكبة هذا التطور وبالتالي ابتكار أساليب لعب تضمن الفوز وحصد الألقاب، وهذا ما حصل بالفعل، ويمكننا تبيان ثلاثة أساليب لعب هي الأشهر والأجدى، تمّ صبغها في ملاعب الساحرة المستديرة منذ أن اتخذت شكلها الحالي في خمسينيات القرن الماضي، وهي الكاتيناتشو والكرة الشاملة والتيكي تاكا، وسنتحدث عن نشأة وانتشار كل واحدة وسبب أفول بعضها وتفوق بعضها الآخر دون أن ننسى أن هذه الأساليب عاصرت بعضها بل وتسببت في إزاحة بعضها البعض من أذهان المدربين عبر تعاقب السنين.

ولأن مدرسة الكاتيناتشو قد تمّ إغلاق أبوابها إلى الأبد، عكس زميلتيها اللتين ما تزالا تخرجان العديد من الطرق الناجحة للفوز وخاصة التيكي تاكا، ستكون البداية معها، فتعتبر فترة نهاية الستينيات إلى بداية التسعينات العمر الفعلي لأسلوب قفل الباب أو ما يعرف بالإيطالية بالكاتيناتشو، ورغم انتشار هذا الأسلوب في إيطاليا إلّا أن مبتكره ليس إيطالياً وإنما سويسرياً، وهو كارل رابان الذي قام بتطبيقه أول مرة سنة 1932 أثناء توليه قيادة فريق سيرفيت السويسري، فقام وقتها باتباع تكتيك يغلق منطقة الجزاء تماماً أمام المنافسين، معتمداً على خط دفاعي مكون من أربعة لاعبين يجيدون تطبيق الرقابة اللصيقة على لاعبي فريق الخصم، إضافة إلى لاعب خامس سريع التنقل يقوم بدور التغطية خلف المدافعين الأربعة وأمام حارس المرمى مباشرة يكون القفل أو ما يعرف حالياً بالليبيرو‏، ويقع على عاتق هذا اللاعب أيضاً مهام هجومية مماثلة لمهام صناع اللعب الكلاسيكيين حيث كان هو أول المعنيين في أي تغيير في طريقة اللعب أو الارتداد من الدفاع للهجوم، ويعتبر الأسطورة الألمانية فرانز بيكنباور أفضل من لعب مركز الليبيرو في التاريخ، وتكون الخطة بداية المباراة (5-4-1) وتتبدل خلال دقائق المباراة ما بين الهجوم والدفاع، بحيث تعتمد على انتقالات سريعة لثلاثة لاعبين على أرضية الميدان ما يجعل هذه الخطة تنتقل إلى (1-4-2-2-1) في حالة الدفاع، وفي الهجوم إلى (4-1-2-2-1)، ويتكون خط الوسط من أربع لاعبين، اثنين في القلب وجناحين على الأطراف يتحول دورهما بتحول الحالة، أمامهم مهاجم صريح ووحيد في الهجوم يستمد الدعم بصورة أساسية من الجناحين، وأهم إنجازات كارل عند اتباعه لهذا الأسلوب كان هزيمة المنتخب الألماني في كأس العالم 1938.

‏ونقل نيريو روكو هذا الأسلوب إلى إيطاليا ومنذ ذلك الحين أصبح المصطلح مرادفا لكرة القدم الإيطالية، حتى أصبح المحللون يطلقون تسمية كالتشيو كاتيناتشو على الدوري، وحقق روكو نجاحات باهرة مع فريق تريستينا في الخمسينات ومع ميلان في الستينات، ليقوم المدرب الأرجنتيني هيلينيو هيريرا بتطويره في الستينيات أثناء تدريبه لفريق الإنتر، وحصد معه سبعة ألقاب منها اللقبان التاريخيان في دوري الأبطال ولقبي كأس القارات إضافة إلى ثلاثة ألقاب دوري، ‏وطبعاً أغلب الانتصارات كانت بهدف نظيف، ووسط هذا النجاح تمكن فريقان من كسر شوكة هذا الأسلوب وقتها، الأول سيلتيك الإسكتلندي في نهائي دوري الأبطال عام 1967، باعتماد خطة هجومية مطلقة لم يعد لها استخدام في كرة القدم الحديثة، والثاني منتخب البرازيل في مونديال 1970، عندما أرهق المدرب الشهير زغالو المنتخب الإيطالي بعد أن تركه يستحوذ على الكرة أكبر وقت ممكن على عكس العادة، ليكثف بعدها البرازيليون هجماتهم ويفوزوا في المباراة نتيجة تعب وإرهاق الخصم، و‏بدأ عصر الكاتيناتشو بالزوال مع الاعتماد على الكرة الشاملة ومشاركة جميع اللاعبين في الهجوم والدفاع.

وبالحديث عن الكرة الشاملة نجد أنها مدرسةً ما زال يتبعها الكثير من المدربين، فلا تلبث تغيب عن بطولة حتى تكون مفتاح النجاح في أخرى، والتي أسسها المدرب الهولندي رينوس ميتشيلز منتصف ستينيات القرن الماضي وتحديداً مع فريق العاصمة الهولندية أياكس أمستردام، ونشرها تلميذه الأسطورة الهولندية يوهان كرويف مع الفرق التي دربها، وسبب ابتكارها كان الرغبة في تغيير نتائج منتخب الطواحين الذي فاز خلال ست سنوات بمباراتين فقط من أصل اثنان وسبعين مباراة دولية لعبها، وأشهرها الهزيمة الساحقة من المنتخب الإنكليزي بثمانية أهداف مقابل هدفين، وتعتمد الكرة الشاملة بشكل رئيس على المرونة التكتيكية وحرية الحركة في مراكز اللاعبين من أجل تغطية أكبر قدر ممكن في المساحات في أرض الملعب، بالإضافة إلى الاعتماد علي الأطراف، ليكون لكل لاعب دور مهم في الملعب لا يقتصر فقط علي مركزه ومكانه في خطة اللعب.

وأبرز نجاحات هذه الخطة تمثلت بفوز أياكس في الدوري الهولندي أربع مرات والكأس مرتين تحت قيادة ميتشلز، وعلى الصعيد الأوروبي الفوز بلقب دوري الأبطال أعوام( 1971، 1972، 1973 )على التوالي، حيث فرض لاعبو أياكس أسلوبهم ونجحوا في تغيير الكرة الكلاسيكية التي تعتمد على الأسلوب البدني والكرات الطولية كحال الكرة الإنكليزية، وفي أول بطولة أوروبية التقى الهولنديون بفريق باناثينايكوس اليوناني والذى كان يقوده النجم المجري بوشكاش وتوج أياكس بالبطولة بعد الفوز بثنائية نظيفة، وفي عام 1972 ترك ميتشيلز قيادة أياكس لستيفان كوفاش الذى سار علي نهج سلفه في اتباع الكرة الشاملة، وتولى ميتشلز حينها تدريب المنتخب الهولندي، وحافظ أياكس على لقبه بعد التغلب في النهائي على إنتر بقيادة هيريرا بعد أن كسر قفله الدفاعي مسجلاً عليه ثنائية نظيفة بأقدام الجناح الطائر كرويف، أما البطولة الثالثة فكانت إثباتاً لا يقبل التشكيك بسيطرة أياكس على أوروبا بعد التغلب في الطريق إلى النهائي على كبار أوروبا كبايرن ميونخ الألماني وريال مدريد الإسباني وأخيراً يوفنتوس الإيطالي بهدف دون رد.

وتمكن رينوس ميتشلز من الوصول مع منتخب الطواحين إلى نهائي كأس العالم في نسختين متتاليتين عامي 1974 و1978، وخسر في الأولى أمام اندفاع الماكينات الألمانية فيما خسر في الثانية أمام مستضيفة المسابقة الأرجنتين، ليستحق ميتشلز وعن جدارة لقب مدرب القرن حسب الاتحاد الدولي لكرة القدم.

واخترنا طريقة التيكي تاكا لتكون مسك الختام لأنها أكثر الأساليب استمراراً وأشهرها في العقدين الماضيين، فقد أعاد المدرب الإسباني بيب غوارديولا البريق لها أولاً مع فريق برشلونة الإسباني محققاً معه السداسية التاريخية، ثمّ مع البايرن الألماني وأخيراً مع مانشستر سيتي الإنكليزي، وطبعاً ليس غوراديولا وحده من نجح مع هذه الطريقة، فهي كانت رائجة في عدة فترات وتطورت واكتملت معه، وما يميز هذا الأسلوب هو المتعة التي يتشارك فيها اللاعبون والمشاهدون، فهي قضت على فكرة اللعب للفوز فقط من خلال الهجمة المرتدة أو أي شيء آخر، وتعتمد التيكي تاكا على كثرة التمريرات وسرعتها فيحتلّ بها اللاعبون أرضية الملعب، وإذا أردنا التعمق بجذور هذه الطريقة لوجدناها الأقدم على الإطلاق بين نظيراتها، فهي ترجع إلى القرن التاسع عشر حيث كانت طريقة اللعب المتبعة (1-1-8) إلى أن قام المنتخب الاسكتلندي بالاعتماد على كثرة التمريرات من أجل الوصول إلى مرمى الخصم، ثمّ قام المدرب الاسكتلندي آرش ماكلين الذي انتقل إلي البرازيل في بداية القرن العشرين وعمل مع نادي ساو باولو على إدخال خطة لعب جديدة تعتمد على تمرير الكرة وإرجاعها أو ما يعرف بواحد اثنان، وبعدها كانت البداية الحقيقة للفكر التكتيكي مع خطة (2-3-5)، لتوزيع اللاعبين في الملعب وتمرير الكرة والالتزام بالمراكز، ثم اللعب بطريقة (3-2-2-3) و (3-4-3) وسمحت هاتان الخطتان بتمرير الكرة على أربع مراحل بين ثلاثي الدفاع ثم لاعبي الوسط المدافع ولاعبي الوسط المهاجم ومن بعد ذلك الجناحين ورأس الحربة، بعدها أدخل تكتيك جديد من جانب المدرب الروسي فيتكور ميسلوف عام 1964، وهو الضغط على صاحب الكرة، واعتمد ميسلوف تشكيل (4-4-2) حيث كان يعتمد على الهجوم وأهم شيء في تنفيذ خطته هو الضغط على المنافس في وسط ملعبه وعدم الانتظار حتى يقوم بالهجوم من أجل استخلاص الكرة سريعاً وبناء هجمة، لتقوم الكرة الشاملة الهولندية بوضع آخر بصمة على هذا الأسلوب قبل أن يصل إلينا كما نشهده حالياً.