مجلة البعث الأسبوعية

المخرج المسرحي د.عجاج سليم مشروع التخرج فرصة ليختبر الطالب نفسه

البعث الأسبوعية- أمينة عباس   

على مدار 6 أيام قُدمت على خشبة مسرح الحمراء بدمشق مسرحية “سفر برلك” العرض الخاص بتخريج الدفعة الأولى من قسم التمثيل في كلية الفنون في الجامعة العربية الدولية والذي أشرف عليه المخرج المسرحي د.عجاج سليم رئيس قسم الفنون المسرحية والإخراج السينمائي في الجامعة والذي في رصيده كمخرج مسرحي عدد كبير من الأعمال المسرحية، منها مسرحيته الأولى “سفر برلك” التي قدمها للمسرح القومي عام 1994 ليعود بعد ثلاثين عاماً للنص ذاته الذي كتبه ممدوح عدوان ليقدمه كمشروع تخرج يعلن فيه عن بداية مشوار لممثلين أطلق عليهم سليم اسم “دفعة مصطفى العقاد” وهي تضم 19 طالباً وطالبة..

*ما خصوصية مشروع التخرج بالنسبة لأي طالب برأيك؟

**مشروع التخرج هو العتبة الأولى التي سينطلق من خلالها الطالب باتجاه المستقبل، ويوم التخرج هو اليوم الأول من حياة الخريج المهنية والذي يجب أن يدرك أنه ونتيجة الظروف التي نعيشها اليوم أن الفرص قد لا تكون متاحة بسهولة في المسرح وهو المكان الوحيد الذي يكتشف فيه الممثل حقيقته وقدراته وموهبته، لذلك فإن الوقوف على خشبة المسرح في مشروع التخرج هو الفرصة الأولى والأهم ليختبر الطالب نفسه.

*ما أهم ما تحرص على تعليمه لطلاب التمثيل؟

**طالب التمثيل مثل أي طالب آخر في الكليات الأخرى، هو مسؤولية أساتذته الذين يجب أن يعدّوه بشكل صحيح للحياة المهنية من الناحية النظرية والعملية وعلى صعيد صقل أدواته الفنية”رقص-غناء-تمثيل…” وأهم ما أحرص على أن يصل إلى الطلاب التأكيد على المفهوم الأخلاقي في الفن الذي يجب أن يحمل رسالة وألا يكون مجرد وسيلة ليقدم من خلالها الممثل نقسه، لذلك يجب أن يكون كل طالب في يوم تخرجه مدركاً لهذا الأمر بشكل كامل، إلى جانب تحليه بالقدرة على مواجهة الجمهور خارج إطار الامتحانات والعروض التي قدمها في المعهد أو الكلية، في حين أنه في عرض التخرج وبمجرد اعتلائه خشبة المسرح يصبح ممثلاً يخطو خطواته الأولى باتجاه الاحتراف، ومن المؤسف أن كثيراً من اللحظات تضيع على الخريجين في مشروع تخرجهم لأنهم قد يستسهلون ولا يحضّرون بشكل جيد، فتضيع الفرصة التي قد لا تتكررفي أن يقدم الممثل نفسه بأفضل شكل ومضمون.

*كيف ترى أهمية وجود قسم للتمثيل في الجامعات الخاصة؟

**ظل المعهد العالي للفنون المسرحية الذي تأسس عام 1977 ولفترة طويلة المكان الوحيد الذي يخرج ممثلين أكاديميين في سورية، ولكن وفي ظل ازدياد عدد سكان سورية وعدد الشبان الراغبين في دراسة التمثيل في ظل النشاط الكبير للحركة الفنية كان من الضروري وجود جامعات خاصة تدرّس فن التمثيل لأن استيعاب المعهد مقارنة مع العدد الكبير الراغب في الانتساب إليه ما زال محدوداً، وهو أمر طبيعي، خاصة وأن قبول أعداد كبيرة في قسم التمثيل خطأ علمي وأكاديمي لأن أسلوب التعليم فيه لا يعتمد على إلقاء المحاضرات بشكل تقليدي بل يقوم على بناء علاقة مباشرة مع الطالب.

*ما الذي شجعك على العمل مع الجامعة العربية الدولية الخاصة بعد عمل طويل في المعهد العالي للفنون المسرحية؟

**عندما بدأت العمل مع الجامعة العربية الدولية اعتبرت نفسي مشاركاً في مشروع حضاري إنساني ووطني لأننا بحاجة إليه لوجود مواهب كثيرة في سورية وفي جميع الاختصاصات، وهي مواهب من الصعب استيعابها في المعهد العالي لوحده، وبالتالي فقد أتاحت الجامعة هذه الفرصة لهذه المواهب ووفرت كل الظروف المناسبة لرعايتها بالشكل الأمثل (صالات رياضية-مسبح- مسارح-قاعات كبيرة) وهي تعتمد شروط أكاديمية مثالية وصارمة، وأنا سعيد بتعاوني مع الجامعة في مشروع التخرج، شاكراً رئيس مجلس إدارتها أ.محسن مقصود صاحب فكرة افتتاح قسم خاص بالسينما في الجامعة، وهو مشروع اقتصادي خاسر، لكنه مشروع وطني بامتياز.

*أي اختلاف بين المعهد المسرحي والجامعة على صعيد تعاطيك معهما؟

**التعاطي مع المعهد والجامعة من الناحية الفنية لم يختلف كثيراً باعتبار أن للمعهد فضلاً كبيراً عليّ وعلى عدد كبير من الأساتذة والأسماء المهمة في عالم المسرح، وقد درستُ وتخرجتُ فيه وكنت من الذين أتاح لهم المعهد فرصة إكمال دراستهم في الخارج ومن ثم العودة للعمل فيه.. إذاً فالمعهد هو الأساس، وكثير من الأشياء التي أعلّمها لطلاب الجامعة اليوم هي نتيجة تجربتي فيه والخبرة التي اكتسبتُها من خلال تعليمي لبعض طلابه، وهذا ما يجب أن نعترف به، أما من ناحية الظروف فظروف الجامعة أفضل، خاصة على صعيد الأجر المادي الذي يتلقاه المدرس أو المخرج، في حين أن أساتذة المعهد مازالوا يتقاضون أجوراً متواضعة، الأمر الذي يضطرهم إلى القيام بأعمال فنية أخرى ليستطيعوا الاكتفاء مادياً، لذلك هو يعاني من نقص في الكوادر، وهنا أوجه التحية للأساتذة والإداريين الذي يعملون فيه والذين يبذلون جهوداً جبارة في ظل الظروف، مع التأكيد على أن ما تقوم به الجامعة الدولية وغيرها من خلال قسم للتمثيل هو عمل مكمل لما يقوم به المعهد العالي حالياً.

*وماذا عن تعاطي الجيل الجديد مع مهنة التمثيل؟

**تعاطي الأجيال مع فن التمثيل اختلف كثيراً بين الماضي والحاضر، فأنا أنتمي لجيل كان ملتزماً على الصعيد الإنساني والوطني والأخلاقي، وللأسف فإن الظروف التي مررنا بها في سورية جعلت الجيل الحالي يتعاطى بشكل مختلف، حيث يبحث الممثل الجديد اليوم عن عمل، فيضطر أحياناً للتنازل كأن يشارك في أعمال فنية دون قناعة، ومن خلال محاضراتي في الجامعة وباعتباري أنتمي للجيل السابق أحاول قدر الإمكان أن أرمم هذه الفجوة من خلال تعليمهم ما تعلمناه.

*كيف تعاملتَ كمخرج له عدد كبير من الأعمال المسرحية مع مشروع التخرج “سفر برلك”؟

**يختلف تعامل المخرج مع مشروع التخرج من حيث الآلية مقارنة مع تعامله مع العرض المسرحي، ويسمى المخرج في مشروع التخرج مشرفاً لأن مشروع التخرج هو نتاج عمل طويل للطلاب امتد خلال العام الدراسي، والتركيز فيه بالنسبة لي ينصبّ على عمل الممثل، لذلك عندما أصبح نص “سفر برلك” بين أيدي الطلبة أخبرتهم أنهم دخلوا في مرحلة شبه الاحتراف، وبالتالي كان العبء عليهم كبيراً من خلال التركيز على عملهم كممثلين، فعملوا على هذا الأساس طيلة فترة التحضير للعمل، لكن في الشهر الأخير كان لا بد لي كمخرج من أن أتدخل لتوحيد الرؤى وضبط الحركة والإيقاع وتوجيه الممثلين وإيجاد انسجام بين وحدات العرض، وبالتالي فإن المخرج في مشروع التخرج موجود ولكن أقل حضوراً من المشرف.

*أي عمل فني يقدم عليه المخرج لا يخلو من التجريب والتجديد والمغامرة، فهل ينطبق ذلك على مشروع التخرج؟

**أسعى دوماً في كل عروضي إلى أن يكون فيها ما هو جديد، وفي مشروع التخرج “سفر برلك” تعاملتُ مع الطلاب في الفترة الأولى من التحضيرات خلال الفصل الأول من خلال إعطائهم مساحة كبيرة للابتكار والاستماع لاقتراحاتهم، وهذا ما أفعله عادةً مع المحترفين، حيث أعمل على وضع الممثل في ظرف يصبح فيه قادراً على تبنّي الشخصية دون غياب لتوجيهاتي، أما في مشروع التخرج فإن المسألة تقع على عاتق المخرج المشرف في شرح كل خطوة والثناء على الاقتراحات المناسبة وممارسة القسوة في لحظات الخطأ من خلال توضيحه حتى لا يتكرر في المستقبلً.

*سبق وأن قدمتَ نص “سفر برلك” عام 1994 من خلال المسرح القومي، فلماذا العودة إليه اليوم؟

**منذ البداية كنتُ حريصاً على أن أجد نصاً أقدم من خلاله عرضاً مسرحياً قريباً من الخريجين وتفكيرهم، خاصة وأنهم خلال فترة الدراسة اشتغلوا على عروض المسرح العالمي، وفي عرض التخرج أضع دائماً في الاعتبار أن شريكي الأساسي هو الجمهور، لذلك كنت أمام خيارين، أحدهما كان “سفر برلك” لممدوح عدوان، ومع القراءات المتكررة مع الطلاب استقرّيتُ عليه، وبالتالي فإن النص كان من اختياري ولاقى تجاوباً من قبل الطلاب، خاصة وأنه يعطيهم فرصة لائقة للظهور على المسرح، مع تأكيدي على أن الراحل ممدوح عدوان بالنسبة لي أهم كاتب مسرحي سوري، وقد كتب نصه هذا منذ ما يقارب 40 عاماً، ومع ذلك ما زال النص طازجاً، وهو اليوم أشد إيلاماً، وهو نص وطني تدور أحداثه في قرية ديرماما السورية، ثم تنتقل الأحداث إلى مصر وفلسطين ودمشق، وهو يمتاز بشخصياته المتنوعة التي تنتمي لمعظم المحافظات السورية، وأعتقد أننا اليوم بحاجة إلى مثل هذه النصوص القريبة من الناس، فهو نص يؤكد على أننا شعب طيب ومعطاء، وهذا ما شاهدناه في الأحداث الأليمة التي مررنا فيها خلال فترة الحرب ومن ثم الزلزال والتي أكدت أن الشعب السوري أنموذج في الإنسانية والوطنية.

*ماذا بقي في ذاكرتك عن “سفر برلك” 1994؟ وأي جديد قدمتَه في “سفر برلك” 2023 كمشروع تخرّج؟

**عندما قدمتُ النص لأول مرة كانت معي مجموعة من النجوم الحاليين الذين قد كانوا حينها خريجين جدداً من المعهد العالي للفنون المسرحية، وكان إلى جانبهم خريجون قدامى وهواة، وبالتالي فإن الأمر على هذا الصعيد لم يختلف عن”سفر برلك” 2023 وما اختلف هو رؤيتي للنص، فاليوم وبعد سنوات طويلة من تقديمي له وكان أول عرض مسرحي لي ونتيجة التجربة والخبرة التي انعكستْ على رؤيتي اكتشفتُ أنني في المرة الأولى لم أقرأ ما بين السطور بشكل كامل، أما اليوم فأعتقد أنني قدمتُ قراءة مختلفة قريبة مما قصده الكاتب من خلال شكل فني جمع بين الواقعية ومسرح بريخت الملحمي وأسلوب آريانمينوشكين في مسرح الشمس، وما بنيهما خصوصيتنا، وأعتقد أنها كانت ورطة للطلاب لأنهم كانوا معتادين على ما هو أكاديمي ومنهجي ومدرسي، ولكن في هذا العرض تم كسر كل ذلك،وهذا تطلّب منهم استرجاع كل ما تعلّموه واستيعابه ومن ثم هدمه وبناءه من جديد، وأرى أن وضعهم في مثل هذا الظرف هو عامل تحريض لهم للتفكير والتأكيد على أن الإبداع في الفن لا يتطلب قواعد محددة وإنما السعي الدائم للابتكار.

*من الأسهل أم من الأصعب بالنسبة لك أن تقدم عرضاً سبق وأن قدمتَه سابقاً؟

**أصعب بكثير لأنني في هذه الحالة يجب أن أسعى لتجاوز العرض السابق وتقديم ما هو جديد، ومن حسن الحظ أن سنوات طويلة مرّت على العرض الأول ولم يبقَ منه في ذاكرتي إلا القليل، وما تبقّى منه تجازوتُه من خلال القراءة المختلفة للنص.

*هل أنت متفائل بإخلاص الخريجين للمسرح ونعلم أن غالبيتهم قد يتجهون إلى التلفزيون بعد تخرجهم؟

**لا بد من الاعتراف بأن النسبة التي ستخلص للمسرح قليلة وبسيطة، وأنا لا ألومهم في ذلك لأن الظروف صعبة، وألومهم في الوقت ذاته لأن المسرح هو مكان مقدّس وهذا ما سيكتشفونه لاحقاٌ، وقد حاولتُ أن أزرع فيهم ذلك، ومع ذلك أعتقد أن 10% على الأقل من الخريجين سيبقون مخلصين للمسرح.

*ماذا توجه كلمة للخريجين اليوم؟

**أن يحترموا ما تعلموه، وأن يلتزموا بأخلاق المهنة، وأن الفن رسالة، وأن يحافظوا على أنفسهم كفنانين لأن هذا ما يجعل روحهم تنمو، وفي المستقبل سيجدون أنفسهم في مكانهم الصحيح.