دراساتصحيفة البعث

الدعم الأمريكي لأوكرانيا صبٌّ للزيت على النار

ريا خوري 

لم يتوقّف التصفيق في أروقة السياسة الأوكرانية تعبيراً عن امتنانهم للكونغرس الأمريكي بمجلسيه النواب والشيوخ لموافقته على حزمة جديدة من المساعدات العسكرية الأمريكية بقيمة واحد وستين مليار دولار أمريكي بعد مضيّ أكثر من ستة أشهر من التأخير. فقد أكّد الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي أن هذه المساعدات قد تستطيع تحقيق الحفاظ على ما تبقى من أوكرانيا.

وعلى الرغم من أنه ليس من الغريب أن يقرّر السياسيون الأمريكيون مصير أي بلد، يبدو من غير المألوف إلى حدٍّ كبير أن يتوقف وجود دولة بكل إداراتها ومؤسساتها وهيئاتها على نتيجة تصويت يُجرى على بعد أكثر من  خمسة آلاف ميل كما حدث في هذه الحالة. وكانت أوكرانيا، قد انتظرت مدة ستة أشهر للحصول على هذه الحزمة من المساعدات العسكرية، وكلّف نقص الأسلحة والذخائر أوكرانيا الكثير من الانكسارات والهزائم.

لذا لم يكن مستغرباً أن يبدي الإعلام الأوكراني فرحته بالهتاف والتصفيق والتلويح بالأعلام الأوكرانية، لأن مجلس النواب الأمريكي وضع حداً للمماطلة التي استمرّت عدة أشهر، وقام  بالتصديق على حزمة المساعدات العسكرية واللوجستية النوعية  إلى أوكرانيا، في إطار حزمة قيمتها الإجمالية خمسة وتسعون مليار دولار أمريكي، حصة أوكرانيا منها واحد وستون مليار دولار أمريكي، وستة وعشرون ملياراً وأربعمائة مليون دولار أمريكي للكيان الصهيوني، إضافة إلى مساعدة كبيرة مقدّمة إلى تايوان. كان ذلك بعد الموافقة على إرسال دعم عسكري ولوجستي للكيان الصهيوني في يوم مقتل عمال الإغاثة نفسه، حيث لوّح الرئيس الأمريكي جو بايدن بإمكانية تعليق المساعدات العسكرية واللوجستية والأمنية.

الجدير بالذكر أن تمويل الحرب الساخنة في أوكرانيا دخل في صميم التجاذب  والتنابذ بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، ونتيجة ذلك لم تقدم الولايات المتحدة الأمريكية أيّة حزمة مساعدات عسكرية أو لوجستية لأوكرانيا منذ نحو سنة ونصف السنة.

وقد وافق مجلس النواب الأمريكي على حزمة المساعدات لأوكرانيا بأغلبية 311 صوتاً مقابل 112 صوتاً، الأمر الذي عُدّ نجاحاً خاصاً وكبيراً لإدارة الرئيس جو بايدن في تجاوز عقبة صعبة كان الجمهوريون يضعونها في طريق تقديم هذا الدعم الذي تحتاج إليه أوكرانيا لتمكينها على الأقل من الصمود في مواجهة القوات الروسية التي تحقق نصراً وتقدّماً متواصلاً على مختلف الجبهات، في حين تعاني القوات الأوكرانية نقصاً حاداً في الذخائر من قذائف مدفعية وصواريخ، بسبب عدم قدرة الدول الأوروبية ودول حلف شمال الأطلسي (ناتو) على تلبية ما كانت وعدت به من دعم عسكري ولوجستي، الأمر الذي حدا بالرئيس الأوكراني وغيره من القادة العسكريين الأوكرانيين إلى التصريح علناً باحتمال سيطرة القوات الروسية القوية على المزيد من المناطق، في حال عدم وصول الدعم العسكري واللوجستي الغربي المطلوب في أسرع وقت.

لكن هذه الحزمة من المساعدات العسكرية الضخمة التي لاقت ترحيباً من جانب الرئيس الأوكراني الذي صرّح علناً بأنّ تلك المساعدات (ستنقذ آلاف الأرواح)،  كانت حالة من الاستجداء والاستعطاف من جانب دول أوروبية عدة، في حين امتنعت العديد من الدول الغربية وهي دول في حلف الناتو عن الاستمرار بتقديم الدعم لأوكرانيا التي استنزفت مخازن الأسلحة الأوروبية. ونتيجة لحالات الهزيمة والانكسارات المتكررة للجيش الأوكراني، طالبت القيادة الأوكرانية بالمزيد من الدعم لأن الحزمة الأمريكية الأخيرة لن تكون كافية لأوكرانيا التي تحتاج إلى مدد عسكري متواصل يتجاوز هذه المليارات، لأن جيشها يفتقر إلى الكثير من العتاد والأسلحة والدعم المناسب الذي يمكّنه من مواجهة الجيش الروسي الأكثر عدداً والأقوى تسليحاً وقدرةً وكفاءة والذي يحقق تقدّماً متواصلاً على مختلف جبهات القتال.

غير أن إصرار الولايات المتحدة الأمريكية ومعها الدول الأوروبية على مواصلة تقديم الدعم العسكري لأوكرانيا سوف يطيل أمد الحرب، وهو بمنزلة صبّ الزيت على النار، ويزيد من معاناة الشعب الأوكراني من دون أمل بتحقيق هزيمة للقوات الروسية كما يريد الحلف الأطلسي والولايات المتحدة، أي أن المضي في تأجيج الصراع سوف يغلق كل الأبواب أمام أي جهد دولي لبدء مفاوضات تحقق تسوية مناسبة ترضي الجانبين الروسي والأوكراني، كما تفتح الأبواب على مصراعيها أمام احتمال توسع الصراع في حال شعر حلف شمال الأطلسي (ناتو) أن الانتصار غير مضمون، وأن تدخله المباشر لا بدّ منه، وعندها يقع ما لم يكن في الحسبان.

وإذا كانت جمهورية روسيا الاتحادية قد رأت من وجهة نظرها أن حزمة المساعدات العسكرية الأمريكية الجديدة، ستؤدّي إلى (قتل المزيد من الأوكرانيين) حسب ديمتري بيسكوف السكرتير الصحفي للكرملين والمتحدث الرسمي باسمه، و(أنها ستفاقم الأزمات العالمية) كما تقول ماريا زاخاروفا المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، فإنّ الكرملين لم يفاجأ بهذا الدعم، وعدّه تحصيل حاصل في إطار صراع مديد ومرير أعدّ له ما يلزم من مقوّمات وإمكانات، لذلك يعدّ المساعدات الأمريكية والغربية العسكرية واللوجستية غير قادرة على تغيير الوضع في ساحة المعركة، نتيجة تفوّق وكفاءة الجيش الروسي، ولن تكون أيضاً في مصلحة أوكرانيا، حيث إن النتيجة سوف تكون أرباحاً مضمونة للولايات المتحدة الأمريكية على حساب أوكرانيا وشعبها واقتصادها.