مجلة البعث الأسبوعية

الأندية الريفية بين سندان الفقر ومطرقة الحاجة.. كرة القدم قضت على المواهب!

“البعث الأسبوعية” ــ ناصر النجار

صناعة البطل الأولمبي ليست بالتمني أو بالأقوال، إنما هي حالة استراتيجية علمية تتطلب إمكانيات وإرادة ومواهب وخامات، ونحن في بلدنا نملك من هذه الثلاثة المواهب فقط، ونفتقر إلى بقية الشروط، لذلك ما زلنا بعيدين عن التوهج الرياضي وحصيلتنا الرياضية على مستوى العالم ضعيفة جداً باستثناء بعض الطفرات التي ما زلنا نتغنى بها حتى الآن، وقد حققت المجد لرياضة بلدنا دون أن نستطيع أن نصنع غيرها، فجاءت السلسة مقطوعة لأننا ننتظر ولادة الموهبة والبطل أو البطلة الخارقة التي تمنحنا شرف الوجود العالمي، وربما في هذا الكلام نستذكر البطلة الذهبية غادة شعاع كبطلة استثنائية لم يجد علينا الزمان بغيرها رغم مرور أكثر من ربع قرن على إنجازها.

ونتساءل: من أين جاءت غادة شعاع!؟ جاءت من رحم الريف، من محردة، ومثلها الكثير من الأبطال، وعلينا أن نذكر منهم الرباع عهد جغيلي من بلدة سلحب بريف حماة، ونادي سلحب خرج الكثير من الأبطال بغرفة متواضعة وتجهيزات بسيطة لكن أبناء النادي ملكوا العزم والإرادة على تحدي المستحيل وتحقيق الإنجاز والبطولة، وهناك الكثير من اللاعبين بألعاب متعددة كالمصارعة والملاكمة ورفع الأثقال والكيغ بوكسينغ تخرجوا من أندية الريف وسحبتهم أندية الهيئات لتكسب الشهرة بأقل جهد ودفع ممكنين، فهل تذكرون عزة عطورة بطلة العالم في الكيغ بوكسينغ ونجمة كرة السلة..؟

وإذا استعرضنا بقية الألعاب وجدنا أن نادي الدريكيش اشتهر بكرة اليد، وكانت فرقه تتمرن على ملعب من زفت أو في المدارس، ومثلها حال أندية السقيلبية وصلخد والنبك والسودا بكرة الطائرة.

من كل هذا الاستعراض والأمثلة، نود القول أن ريفنا مفعم بالمواهب والخامات لكنه معجون بالفقر والفاقة ولا يجد الأرضية الصالحة التي تجعل من رياضته مزدهرة فتموت هذه المواهب في مهدها.

 

هدر للمال

بالمقابل، دعونا نستعرض الأندية الكبيرة التي تنعم بالمنشآت والصالات والملاعب والرفاهية والمال الوفير.. ماذا قدمت للرياضة السورية؟

للأسف، الجواب سلبي، اعتنت بكرة القدم من أجل أن تحصل على الجماهيرية والشعبية، ورغم أن هذا الشيء جيد لكنه معنوي ولا يغني الرياضة أو يفيدها في شيء، فكرة القدم في بلادنا من إخفاق لآخر، ورغم الصرف والإنفاق والهدر إلا أنها لم تحقق لرياضتنا أي إنجاز قاري أو دولي وبقيت تراوح مكانها دون أي تقدم يذكر، حتى أن دول الخليج – على سبيل المثال – التي كنا نمدها بالمدربين والخبراء ونعلمها ألف باء الرياضة سبقونا في هذا المجال بأشواط وأشواط.

الصورة اليوم واضحة وجلية، ولا يمكن أن نخفي ثغرات العمل أو نحجبها كمن يحاول حجب الشمس بغربال، فأنديتنا الكبيرة والصغيرة تنفق على كرة القدم مئات الملايين سنوياً، واستمر هذا الحال لسنوات ماضية، ولم نحصل من هذا الإنفاق على شيء يذكر، لذلك نسأل سؤالاً بريئاً: إن كان فريق تشرين أو حطين أو الوحدة أو الاتحاد قد دفعوا ثمن لاعب كروي واحد ما يفوق الخمسين مليون ليرة سورية، وبعض اللاعبين كان ثمنهم أعلى من هذا المبلغ بكثير، ماذا جنينا من هذا اللاعب؟ ربما سجل هدفين أو عشرة، ربما ساهم بصناعة لقب محلي، أو أخفق بتحقيق أي إنجاز، ولعله في حال صرفنا عُشر هذا المبلغ على لاعب موهبة بالملاكمة أو رفع الأثقال أو الكاراتيه أو غيرها من الألعاب، لكنا قد حصلنا على ميدالية أولمبية براقة.

 

بطل بلا دعم

سنتمتر واحد أو اثنين أو حتى ثلاثة كانت تفصل بطلنا مجد الدين غزال عن بطولة العالم أو ميدالية براقة في الأولمبياد العالمي، علينا أن نتساءل لماذا؟ ماذا فعلنا ليصل الغزال إلى الذهبية؟

مجد لاعب موهوب وقادر على تكرار ذهبية غادة شعاع، لكن لم نقدم له ثمن الذهبية، كان يتمرن مع مدرب وطني مجتهد، وكان يدخل المعسكرات على شكل منح أو ضيافة من الدول الأخرى، فضلاً عن التعويضات المالية التي كانت تمشي على مبدأ “إذن السفر” و”الإمكانيات المتاحة”، وإذا اطلعنا على غيره من الأبطال من الدول الأخرى – وبعضها عربية – من الذين سبقهم أو سبقوه، لوجدنا أنهم امتلكوا فريقاً كاملاً من المدربين والمساعدين والأطباء والمعالجين وغيرهم.. لاعب من هؤلاء كان معه جيش من الكوادر الإدارية والفنية والطبية، فهو قادر على تحقيق البطولة والإنجاز، هذا مثال ومثله كثير.

 

تجارة خاسرة

منذ أكثر من ربع قرن وهم يطلقون الألقاب الرنانة على الأكاديميات والمدارس الكروية والمدارس الصيفية ومن في حكمها، وللأسف كانت هذه كلها تجارة خاسرة رياضية رابحة لجيوب المستفيدين ومن يتاجرون بالرياضة..!

ولم نسمع نادياً يملك الإمكانيات صنع موهبة أو قدم لنا إنجازاً، وما كانوا يتغنون به مع نهاية كل موسم من حصيلة ميداليات كانت من أجل حماية الكرسي، فأغلب الميداليات التي حققتها رياضتنا من بطولات غير معترف بها، والدليل أنه عند الجد، وفي البطولات الرسمية، نجد الحقيقة تظهر أمام الجميع لنعرف حجم رياضتنا الحقيقي على الصعيد العربي والآسيوي والدولي.

 

العودة عن الخطأ

لسنا ضد كرة القدم ولا احترافها، ولكننا ضد أن تبقى الألعاب التي تملك المواهب والخامات هاوية وبعيدة عن القلب والعين والاهتمام.. انصروا أندية الريف!! افرضوا على الأندية التي تدفع مليار ليرة لكرة القدم أن تقدم عُشر هذا المبلغ لأندية الريف!! ارفعوا الدعم عن كرة القدم واتجهوا لأندية الريف فهي خزان المواهب والطاقات البشرية!!

للأسف الشديد، ماتت الألعاب القتالية التي كنا نتصدر البطولات العربية ولنا نصيب منها آسيوياً.. مات كل شيء لتحيا كرة القدم، فهل من نصير لأنديتنا الريفية ولألعابنا المنسية؟