مجلة البعث الأسبوعية

 “إيراسموس في غزة”.. طالب إيطالي يوقع في غرام المدينة المحاصرة   

في الوقت الذي كان فيه معظم الأطباء في العالم يرغبون بالذهاب إلى جامعات مرموقة، فاجأ الطالب الإيطالي ريكاردو كوراديني جميع عائلته وأصدقائه برغبته في الذهاب إلى قطاع غزة لكتابة أطروحته التي كانت تتعلق بالجروح الناتجة عن الرصاص المتفجر.

فمن هو ريكاردو كوراديني، ولماذا اختار غزة تحديداً لدراسته، وما التصريحات التي أدلى بها بعد عودته منها؟

ريكاردو كوراديني هو أول طالب تبادل في قطاع غزة في إطار البرنامج الأوروبي الشهير المعروف باسم “إيراسموس”.

بدأت القصة في عام 2018، عندما أعلنت جامعته في سيينا، وهي مدينة تقع في منطقة توسكانا بوسط إيطاليا، عن فتح مكان لقضاء فصل دراسي في قطاع غزة.

لم يكن على كوراديني أن يفكر طويلاً، فقد قرر مباشرة الالتحاق بالبرنامج للذهاب إلى غزة على أمل أن يكتسب خبرة فريدة في جراحة الطوارئ، وكان الشخص الوحيد في جامعته الذي تقدم بطلب للذهاب إلى غزة، الأمر الذي فاجأ جميع زملائه.

الذهاب إلى فلسطين لم تكن المرة الأولى بالنسبة لكوراديني، فكان قد ذهب إلى الضفة الغربية المحتلة عندما كان طالباً في السنة السادسة، لكن قطاع غزة المحاصر له أجواء مختلفة.

ووفقاً لما ذكرته وكالة France 24، فإن ما أثر على قراره هو الأوضاع التي يعيشها الناس في غزة، فقد عانى القطاع المحاصر الذي يبلغ عدد سكانه حوالي مليوني نسمة من ثلاث حروب مع إسرائيل منذ عام 2008 ويعاني من نقص الكهرباء والبنية التحتية الأخرى، مثل المياه النظيفة.

لقد رحبوا بي بحرارة في الجامعة في غزة

كوراديني، الذي كان يبلغ حينها من العمر 25 عاماً، قال إنه تم الترحيب به بحرارة في الجامعة في مدينة غزة، وإنه كان سعيداً بالذهاب إلى هناك للحصول على خبرة عملية في التخصص الذي اختاره.

وقال الشاب الإيطالي الذي تلقى التدريب في ثلاث مستشفيات في غزة: “لقد جئت إلى هنا لأسباب عديدة؛ أهمها هو أنني أريد أن أتخصص في جراحة الطوارئ، لذلك عندما أتيت إلى هنا، أستطيع أن أرى بعيني لسوء الحظ كيف تكون الجراحة الطارئة في الحقيقة، معطياً مثالاً لشاب “يبلغ من العمر 16 عاماً خضع لعملية بتر”.

وأضاف: “لقد غمرت المستشفيات في قطاع غزة العام الماضي بالجرحى، في مارس/آذار 2018، بدأ الفلسطينيون في غزة احتجاجات حاشدة على طول السياج الحدودي مع إسرائيل، ومنذ ذلك الحين، قُتل ما لا يقل عن 255 فلسطينياً بنيران إسرائيلية، معظمهم بالرصاص خلال المظاهرات والاشتباكات الحدودية الأسبوعية”.

وتابع: “وأصيب آخرون بنيران الدبابات أو الغارات الجوية رداً على أعمال العنف في قطاع غزة الذي تحاصره إسرائيل، كل هذه الأمور دفعتني لأن أكون هنا”.

كما لفت كوراديني حينها إلى أن العيش في غزة ليس بالأمر السهل، وأشار إلى نقص الأدوية والمعدات الطبية وانعدام الأمن في الحياة اليومية.

وقال: “ربما لا يمكنك الحصول على بعض الأدوات الطبية التي تحتاجها للعلاج أو الأشياء، لكنك ستحصل على الترحيب الحار، أنا أحب غزة لأنها تبدو وكأنها رواية”.

وعن طبيعة عمله في غزة، قال في تصريح لموقع Il nuovo Trentino: “كنت طبيباً، وكان هناك نظام متبع في غزة وهو وجود مرحلة أولى لفرز الجرحى في موقع إطلاق النار، حيث يتم إرسال الحالات الأكثر خطورة إلى المستشفيات المركزية، والأقل خطورة إلى غرف الطوارئ الطرفية”.

وتابع: “خلال الأشهر الستة التي أمضيتها في غزة، كنت أعمل دائماً في غرفة الطوارئ في ضواحي المدينة، وقد جاءني عشرات الجرحى والمصابين بالرصاص”.

كوراديني عاش وعمل في غزة لمدة 6 أشهر، في إيراسموس، ثم انتقل إلى العديد من المستشفيات الطرفية، وكان أول طالب أوروبي يختار تلك الأرض المعذبة ليدمج فيها تجاربه الدراسية.

 

قصة الفيلم الوثائقي “إيراسموس في غزة”

رحلة كوراديني غير العادية ألهمت صناع السينما لإنشاء فيلم وثائقي عن حياته في غزة وأطلقت عليه اسم “إيراسموس في غزة”؛ إذ يتتبع هذا الفيلم رحلة الطالب الجسدية والعاطفية، سيما وأنه استبدل جامعة سيينا النائمة بواحد من أخطر الأماكن في العالم.

ويحكي الفيلم معاناة الطالب كوراديني من القلق ونوبات الذعر التي عاشها في غزة بسبب القصف والحياة الصعبة التي يعيشها الفلسطينيون كل يوم هناك.

عند وصوله إلى الجامعة يتم الترحيب به من قبل مدير الجامعة وإجراء مقابلات معه من قبل وسائل الإعلام المحلية والدولية.

يبدأ ريكاردو في الشعور بالضغط، فخبرته ستحدد مدى نجاح برنامج التبادل، كما أن اقتراب الحرب لا يساعده ويبدأ في المعاناة من نوبات الهلع.

يتحسن الأمر عندما يقوم ريكاردو بتكوين صداقات مع بعض الشباب الفلسطينيين الذين ينصحونه بكيفية التعامل مع قلقه.

ولكن عندما تشتعل الحرب من جديد، يتعين على ريكاردو اتخاذ العديد من الخيارات الصعبة بعبوره الحدود بين إسرائيل والقطاع.

وقد فاز الفيلم بالعديد من الجوائز، بما في ذلك “أفضل تقرير طويل” في حفل توزيع جوائز Dig، وجائزة شباب البحر الأبيض المتوسط، والعديد من الجوائز الأخرى في فرنسا وموناكو وإيطاليا وبلجيكا والبرتغال وإسبانيا وإيرلندا وتركيا.

 

كوراديني كان سبباً في توسيع إيراسموس في غزة

ميري كالفيلي من منظمة ACS الإيطالية غير الحكومية، التي تساعد في تسهيل التبادلات، قال إنه منذ وصول كوراديني تقدمت أكثر من 4 جامعات إيطالية على الأقل بطلبات لبرنامج إيراسموس في غزة.

وتقول إنه من المهم أن يرى بقية العالم غزة خارج المنطقة المنكوبة بالصراع كما تظهر في القصص الإخبارية.

بدأ برنامج إيراسموس في عام 1987 وكان يقتصر في البداية على الطلاب في الدول الأوروبية. ومنذ ذلك الحين تم توسيعه ليشمل مناطق أخرى تحت اسم إيراسموس بلس.