صحافتنا الثقافية.. إلى أين؟
” البعث الأسبوعية ” سلوى عباس
تُعرّف الصحافة الثقافية بأنها ذلك الحيز من الأعمدة أو الصفحات الذي تكرسه الصحيفة اليومية، أو المجلة الأسبوعية لبحث شؤون الأدب والفن ومتابعة أخبارهما، وهذه الصفحات هي عادة الأكثر شعبية ومقروئية، ولاسيما من قبل المثقفين والقراء المتنورين، وهي الرافعة الأهم لأي صحيفة، ولكن أين صحافتنا الثقافية من هذا التعريف؟ هل هي بخير في ظل ما نعيشه من اضطرابات وظروف اقتصادية واجتماعية وصحية سيئة؟
الإجابة على كل هذه التساؤلات هي أنها تعاني، وتأتي معاناتها عبر وجوه عديدة، لعل أولها “انعكاس أزمات الثقافة على صفحاتها، مثل تراجع الإبداع، وتراجع الروح التي تشجع على البعد الفكري والروحي العميق الذي يتمتع به الأدب في زمن كل ما فيه يتجه نحو الربح والتجارة”، وثانيها أن الصحافة الثقافية تتشكل من ثلاثة عناصر: نشاط ثقافي بكل مكوناته (متلق وصحفي متخصص)، وغياب أي عنصر من هذه العناصر سوف ينعكس على المنتج الإعلامي، مع العلم أن كل طرف له معاناته وعوالمه العازلة عن التواصل مع الطرف الآخر، عدا عن أننا نعيش مع صحفيين يعملون في الأقسام الثقافية دون أن يؤمنوا بعملهم ودون أن يحملوا الهم الثقافي، وهذا ما يفسر وجود جيل تصدره الصحافة الثقافية يتشابه في أحيان كثيرة مع تلك الأنشطة التي يتابعها. وهنا يفرض السؤال ذاته حول أسباب غياب الصحف التي هاجسها الأول الهم الثقافي بعيداً عن منطق الربح، خاصة وأننا نفتقد للمستثمر الجريء الذي يتبنى مشروعاً ثقافياً.
ولعل أشد ما يؤلم ما نلاحظه خلال النشاطات الثقافية التي يتم التركيز فيها على تسطيح الثقافة واعتبارها الثقافة الأصل، والترويج عبر شركات الإعلام الكبرى وفضائياته لكل هذا التسطيح والتشويه، بحيث بات وكأن من اللازم علينا أن نساهم في هذا الخراب، وإلا فنحن بعيدون عن الثقافة ومواكبة تطورات العصر الثقافية التي تحتاجها الأجيال القادمة.
باعتقادي، العمل الثقافي ليس وسيلة تكسب، وإنما تحقيق ذات، وإبلاغ رسالة، بمعنى أنه هناك مهام نبيلة وسامية، وعلينا أن نبحث عن سبل أخرى يمكن أن نعتمدها في تحقيق ذاتنا، فعندما نرغب بهامش من الهواية والموهبة والرغبة أن نعطي هذا العمل، يجب أن يكون هناك علاقة حرة وندية تحكم عملنا حتى نستطيع أن نقدم شيئاً يحسب لنا ونترك فيه بصمتنا، وباعتقادي مشكلتنا تكمن في افتقادنا لثقافة الإتقان والإخلاص، فكم من الأشخاص نراهم يمتهنون عملاً لا يملكون المؤهل والكفاءة التي تؤهلهم له –والعمل الثقافي – أكثر من تقع عليه هذه التبعات، وبالتالي يحصدون الفشل بعد أكثر من محاولة لا يثبتون فيها وجودهم، لأنهم لم يخلصوا للعمل الذي اختاروه، فالمهم أن يتقن الإنسان المهنة التي يختارها ويخلص لها ويعطيها ما تستحق، لتعطيه هي بالمقابل ما يرغب به، والعمل الثقافي من هذه المهن.
هناك مشكلة أخرى نعاني منها أننا لا نفكر بعقلية أصحاب المشاريع الذين لديهم هدف مستقبلي يعملون من أجله، وهذا ما نفتقده في العمل الثقافي، فكم من الصحفيين العاملين في المجال الثقافي يهدفون من كتاباتهم إلى المردود المادي أكثر مما يهتمون بمضمون مادتهم الإعلامية، وهذه النماذج موجودة في كل مكان، فهل لنا أن نأخذ الثقافة على محمل المسؤولية والأمانة بالابتعاد عن الاستسهال في تناول أي موضوع، وأن نتقي الله بأنفسنا وبأبنائنا الذين سيحصدون نتيجة ما نقدم لهم من منتج ثقافي يفتقد للقيمة الفكرية والإبداعي؟ وهل من صحوة تجعلنا نعيد الاعتبار لثقافتنا التي كانت على مر الزمن منقذنا من كل خيباتنا وانكساراتنا، بدلاً من كيل الاتهامات لها، وأن نكون أكثر صدقاً وموضوعية في كل خطوة نخطوها؟!