الآسيان والتوازن في منطقة الهندي والهادئ
عناية ناصر
جمعت جائحة كوفيد-19 العديد من البلدان معاً في قضية مشتركة، إلا أن التوترات بالنسبة للصين والولايات المتحدة، استمرت على ما هي عليه قبل الوباء، مع تصعيد تدريجي ملحوظ بينهما، بسبب التدخلات الأمريكية في شؤون الصين الداخلية.
وهنا تجد الآسيان نفسها مرة أخرى، يتمّ جرها في اتجاهات متباينة نوعاً ما، ففي حين أن الصين تريد حل قضية بحر الصين الجنوبي عبر الحوار، فإن القوى الرباعية (أستراليا والهند واليابان والولايات المتحدة) تضغط مؤخراً لجعل نظرتها لـ”منطقة المحيطين الهندي والهادئ الحرة والمفتوحة” (FOIP) معترفاً بها من قبل دول الآسيان.
دعت مجموعة الآسيان المكوّنة من 10 أعضاء إلى تعدّدية مفتوحة وشاملة، كما دعت الأطراف المتخاصمة إلى الابتعاد عن النزاع أو المواجهة غير الصحية، وموقفها هذا نابع من أنها مقيّدة دائماً بمسألة مركزيتها المفترضة. فلماذا يجب على الدول الصغيرة والمتوسطة في المنطقة أن تُملى عليها شروط من قبل الدول الكبرى؟.
تاريخياً، ظهر المفهوم التقليدي لمركزية الآسيان من فكرة أن الآسيان كانت الفاعل “الأقل اعتراضاً” في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، مما جعلها المحاور الافتراضي للشؤون الأمنية للمنطقة الأوسع. لم تكن القوى الأكبر تثق ببعضها البعض بما يكفي لقبول مبادرات بعضها الآخر، لذا فقد وقع على عاتق الآسيان تكييف مثل هذه المبادرات إلى صيغة مقبولة للجميع.
في نهاية الحرب الباردة، كانت الآمال كبيرة في أن تلتقي القوى الكبرى، على الرغم من الاختلافات الأيديولوجية، حول التعاون والمصالح المشتركة. لكن اليوم، تبتعد الصين والولايات المتحدة عن بعضهما البعض، ولا يمكن إلا للأكثر تفاؤلاً أن يأمل في أنهما سيعودان للالتقاء، إلاّ في حال حدوث بعض التغييرات الرئيسية في السياسة الأمريكية الاستفزازية. والسؤال المطروح هو ما إذا كان لا يزال الآسيان “الأقل اعتراضاً” عاملاً كافياً للحفاظ على مركزيته، وما إذا كان هذا المنطق يستمر في العمل عندما تبتعد القوى الكبرى الخارجية عن بعضها بدلاً من أن تصبح أكثر تعاوناً.
كان التغيير الرئيسي الأخير، الذي صاغته في الأصل اليابان وتمّ قبوله تدريجياً من قبل الآخرين، هو إعادة تعريف “آسيا والمحيط الهادئ” على أنها حدود “الهندي والهادئ”، ما يعني إدخال أستراليا والهند والولايات المتحدة بشكل أوضح إلى المنطقة كقوى أصلية فيها. وهنا يخشى أعضاء الآسيان في منطقة الهندي والهادئ من أن وجودها سيتضاءل عندما تحدّد القوى الكبرى نفسها على أنها أصيلة وليست غريبة، كما كان يُفهم تقليدياً من تعريف “شرق آسيا”. هذه الأصلانية تجلب معها ادعاءات بوجود مصالح مشروعة في المنطقة، وهو ما يفسّر تحفظها على المصطلح. لقد قبلت المنطقة الآن التسمية، ويجب أن تتعامل مع دول الرباعية كونها أكثر تأثيراً في الشؤون الإقليمية.
من الناحية الجغرافية، تقع رابطة أمم جنوب شرق آسيا في المحور بين المحيطين الهندي والهادئ، وهذه الميزة واضحة وجليّة، ولكن هناك ما هو أكثر مما تراه العين. أما في العلوم السياسية، فيتمّ تعريف “الفاعل المحوري” على أنه الفاعل الذي يرشد الهيئة التشريعية إلى ما بعد العتبة اللازمة لتمرير التشريع. لذلك يجب على المرء أن يضع في اعتباره أن تؤثر الأغلبية المطلوبة، أو كيفية الإدلاء بالأصوات- على تعريف “الفاعل المحوري”. ونظراً لدعم الممثل المحوري، فإن اختلافات بقية الهيئة التشريعية المنقسمة ليست ذات تأثير حيث إن النجاح مضمون.
تجد دول الآسيان نفسها الآن، كجهات فاعلة، أن دعمها للقوى الخارجية مطلوب لتأمين عتبة من الدعم لتحقيق أهدافها، وهنا لا تستطيع الدول الرباعية التأكيد على أن إصرارها على خطة حرية الملاحة في العالم يصبّ في مصلحة المنطقة دون دعم موقف الآسيان لها بشأن القواعد الضرورية، كما هو موضح في نظرة آسيان حول المحيطين الهندي والهادئ.
في عام 2008، اقترح رئيس الوزراء الأسترالي آنذاك كيفين رود، من طرف واحد، إنشاء “تجمع آسيا والمحيط الهادئ”، اعتماداً على ركائز مجتمع الآسيان المنشأة حديثاً، لتوسيع التعاون في منطقة التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ. كان ردّ الفعل الإقليمي ضعيفاً، حيث تلقى رداً صريحاً بشكل غير عادي من قبل مسؤول سنغافوري كبير باعتبار هذا التجمع “ميتاً قبل ولادته”، لمجرد أن المناقشات لم تكن كافية مع الأعضاء الإقليميين. وفي آذار من هذا العام، عقدت المجموعة الرباعية اجتماعاً افتراضياً لمناقشة الاستجابة للوباء، ودعت فيتنام فقط من بين أعضاء الآسيان، إضافة إلى اثنين من أعضاء الآسيان (+ 6) التقليديين- نيوزيلندا وكوريا الجنوبية، للمشاركة. كانت تحركات الرباعية هي محاولة دعوة بعض أعضاء الآسيان بشكل انتقائي، أو إيجاد “تحالف الراغبين” لإظهار أنها القوة المحورية لرابطة دول جنوب شرق آسيا. لكن رابطة آسيان المجزأة تفقد تلك القوة المحورية، حيث يمكن الوصول إلى نقاط التحول مع عدد كافٍ من الأعضاء.