دراساتصحيفة البعث

فلسطين عربية ولكن!

د. سليم بركات

التطبيع بين الإمارات العربية المتحدة والعدو الصهيوني، برعاية الولايات المتحدة، مقابل تعليق “إسرائيل” لخططها في ضم أجزاء من الضفة الغربية تعد وبشكل علني إطلاقاً للأجندة السياسية الإستراتيجية الإسرائيلية على صعيد المنطقة، فضلاً عن الالتزام في المشاركة الدبلوماسية وزيادة التكامل الاقتصادي بين الأطراف المطبعة، في إطار الرغبة الأمريكية على صعيد المنطقة والعالم.

لم يأت توقيع الاتفاق بين هذه الأطراف المطبعة بشكل مفاجئ، كما يصوره دعاته، وإنما أتى من خلال امتداد متواصل للعلاقات بين الأطراف المذكورة، وكذلك من خلال ملفات سياسية، وأمنية، وعسكرية، معمول بها لمدة طويلة، إلى جانب تعاون اقتصادي رسخته علاقات تجارية من خلال شركات إماراتية وإسرائيلية مشتركة، لا يعمل بها من خلال ظواهرها الاقتصادية فقط، وإنما من خلال شبكات تجسس مشتركة داخل المنطقة العربية وخارجها.

يعد هذا الاتفاق ثالث اتفاق للتطبيع بين “إسرائيل” والدول العربية منذ إعلان الكيان الصهيوني عام 1948 إلى يومنا هذا، بدأ مع أنور السادات بمصر من خلال معاهدة “كامب ديفيد” عام 1979،  ومع الملك حسين في الأردن من خلال اتفاق “وادي عربة” عام 1994،  وهو في الإمارات اليوم من خلال “محمد بن زايد” والحبل على الجرار.

كانت ردة الفعل الأولى على هذا الاتفاق فلسطينية وصفته بالخطير، واعتبرته بمثابة مكافأة مجانية للاحتلال الإسرائيلي على جرائمه، وانتهاكاته للحقوق المشروعة للشعب العربي الفلسطيني، وإنه سيشجع على المزيد من ارتكاب المجازر والانتهاكات بحق الشعب العربي الفلسطيني ومقدساته، كما اعتبرته المقاومة الفلسطينية طعنة للنضال الفلسطيني لما فيه في من خنوع واستسلام، وإنه لن يغيّر في حقيقة الصراع العربي الصهيوني، بل سيجعل الاحتلال أكثر إرهاباً، لما فيه من خيانة للقدس والمسجد الأقصى، وللقضية الفلسطينية برمتها، ودعت العرب، وفي الطليعة الشعب العربي الفلسطيني، إلى عدم الرضوخ والاستسلام للإرادة الأمريكية، وعدم السير على خطا الإمارات على المستوى العربي.

رحب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بهذا الاتفاق مثمناً جهود القائمين عليه من أجل استقرار المنطقة وإحلال السلام كما يدعي، فيما ربطت الأردن هذا الاتفاق بما ستقوم به “إسرائيل” من تلبية للحقوق العربية الفلسطينية في قيام الدولة الفلسطينية المستقلة القابلة للحياة وعاصمتها القدس، على خطوط الرابع من حزيران عام 1967، وإذا لم تقم “إسرائيل” بذلك سيعمق الصراع العربي الصهيوني الذي يهدد المنطقة بكاملها.

على المستوى الدولي رحب به الأمين العام للأمم المتحدة وعده مبادرة “سلام” من شأنها تعزيز الاستقرار والأمن في منطقة الشرق الأوسط، كما عدته الدول الأوروبية،  وفي الطليعة بريطانيا، خطوة مرحب بها على طريق تحقيق المزيد من “السلام” في الشرق الأوسط، وعلى الصعيد الأمريكي رحب به المرشح الجمهوري للرئاسة الأمريكية في مواجهة ترامب، جون بايدن، ووصفه بالتاريخي.

تنظر “إسرائيل” إلى هذا الاتفاق على أنه انجاز مهم على طريق تحقيق الأهداف الصهيونية وعلى أنه قد أخرج العلاقات الإسرائيلية العربية في كل اتفاقياتها وتحالفاتها إلى العلن، لتصبح مشهورة ومتماسكة في مواجهة محور المقاومة الممتد من إيران إلى فلسطين عبر سورية ولبنان، والملفت للنظر في هذا الاتفاق هو تضخيمه من قبل “نتنياهو” و”ترامب”، مع أنه تكتيكي وغير استراتيجي، وهو لن يقدّم أو يؤخر في مسألة الصراع العربي الصهيوني، لكنه يؤكد حقيقة لا لبس فيها ولا غموض، وهي تأكيده من جديد على أن الاتفاق الإسرائيلي مع البعض من الحكام العرب بات في الوعي الإسرائيلي تحصيلاً حاصلاً، ولعل أهم ما فيه من وضوح هو فضح الخصوصية السياسية الإسرائيلية المخادعة والمناورة، والتي أشار إليها علانية “نتنياهو” وهو يعلن تعليق خطة الضم الإسرائيلية للأراضي الفلسطينية لا إلغائها، مؤكداً التزامه العقائدي بضم الضفة الغربية إلى كيانه المزعوم، إنه لا يتخلى عن أطماعه في الاستيطان اليهودي ليشمل كل فلسطين، لا بل الأرض العربية بكاملها.

لا شك أن الارتباط المطلق لبعض الحكام العرب بالعجلة الأمريكية يمثل طعنة مؤلمة في صدر القضية الفلسطينية، وفي خاصرة التحرر العربي التي يتبناها شرفاء الأمة العربية، إن توسيع دائرة التطبيع المفروض على عملاء أمريكا والصهيونية في المنطقة، يقابله صمود مستمر ومتصاعد لدول محور المقاومة، هذا المحور الذي سيجعل من هذه التطورات المؤسفة والمؤلمة، حافزاً جديداً لتعزيز دور وفعل هذه المقاومة، الذي يؤكد أن لا استقرار، ولا أمن، ولا حياة آمنة لهذه المنطقة، إلا بتعزيل الكيان الصهيوني منها تعزيلاً كاملاً.

بقي أن نقول إن شعارات “السلام من أجل السلام”، وشعارات نرضى بما يرضى فيه الفلسطينيون التي يرفعها الحكام العرب،  لهي من الشعارات الخاطئة التي يرفضها الشعب العربي، وهي بمجملها  تقود إلى تصفية القضية الفلسطينية، إنها خيانة لكل تضحيات الشعب العربي من أجل فلسطين، ولأن فلسطين قضية عربية، وليست قضية فلسطينية فقط، فإن الشعب العربي الفلسطيني لن يرضى إلا بما يرضاه الشعب العربي، وهو  تحرير فلسطين الذي يستوجب في طليعة ما يستوجب تحرير الأمة العربية من “صهاينة العرب”.