اقتصادصحيفة البعث

        توريث “الخضار”

 

قد يبدو الحديث عن العمارة الخضراء في سورية هذه الأيام ملحاً في ظل فتح ملفات وأضابير الإعمار، رغم أن المشروع الأول للعمارة الخضراء انطلق في سورية عام 2013 وكان عنوانه الأساسي المدينة الخضراء في منطقة التل بريف دمشق، بنهج قوامه العودة إلى التراث المعماري والعمراني في حلة جديدة قوامها “الخضار” المدروس والطاقات المتجددة والاعتماد على الموارد المحلية والمتاحة والذاتية والبيئة الصحية والتخطيط والتنظيم المدروس.

يدرك العارفون ببنية هذه المنظومة العمرانية أن طرح الشعارات البيئية لا يمحو الماضي الأصيل، وحماية الطبيعة، وتنميتها، واستخدام العنصر الأخضر المناسب لامتصاص التلوث، وتجديد الهواء النظيف، وتحقيق الانسجام للتصميم المعماري للبيئة المحيطة لتواصل اجتماعي تحكمه التهوية الطبيعية والانسجام مع الطبيعة.

هنا ندرك أهمية وحيوية التوعية ولفت الانتباه إلى ضرورة اعتماد العمارة الخضراء لكامل الأبنية وانسجام التصميم المعماري مع البيئة المحيطة والتصميم الحراري الأمثل للأبنية والارتياح الحراري وإحكام إغلاق البناء والتظليل والتهوية الطبيعية والميكانيكية ومعدات أنظمة التدفئة والتهوية والتكييف وتسخين المياه بالطاقة الشمسية وتأمين جزء من حمل التدفئة بالطاقة الشمسية والتكييف بالطاقة الشمسية واستخدام الخلايا الكهروضوئية في توليد الطاقة الكهربائية والتصميم الصحيح لنظام الإنارة  واستخدام أنظمة التحكم بأجهزة الإنارة وكفاءة التجهيزات والقطع الصحيحة ومعالجة المياه الرمادية والاستفادة منها ومعالجة المياه السوداء.

في حيثيات مشاريع تنموية واقتصادية وبيئية ذات طابع ديمومة من هذا النوع، ثمة نظر بعيد المدى لمستقبل بلد يخرج من محنة الحرب ليبدأ مرحلة ولادة عمرانية جديدة لما هو مهدم أو قابل لإعادة البناء من جديد، وقد تكون مجريات الأمور عند بعض الجهات تسير في هذا الإطار، فمنذ بداية 2018 يتم الاتفاق بين المؤسسة العامة الإسكان والشركة العامة للدراسات والاستشارات الفنية على دراسة النماذج المعمارية للدراسة التخطيطية والتنظيمية للمدينة الخضراء للبدء بأول مشروع عمارة خضراء في سورية بقواعد ومعايير العمارة الخضراء وفقا” للدليل الاسترشادي في سوريا للأبنية السكنية.

وتتحفنا إحدى الجهات الحكومية المعنية بدراسة جدوى اقتصادية للتصميم المعماري البيئي لبناء مؤلف من \15\ طابقا” وكانت النتائج تعطي مستوى توفير في الشتاء بين المبنى المستدام والمبنى الكلاسيكي: يصل إلى 3000 ليتر مازوت للطابق الواحد وتوفير طاقة مقداره 16000 كيلو واط ساعي للطابق الواحد أي 45000 ليتر مازوت للبناء (صيفاً) و240,000 كيلو واط ساعي للبناء.

وبالتالي الحديث عن العمارة المستدامة – لمن يهوى الغمز من نافذة توقيت الطرح المتزامن مع المعاناة المعيشية – يعني التوفير والترشيد والاقتصاد الأفضل لمستقبل بلد وأجيال “أفراد وأسر ومؤسسات”  معاً، ومن هنا حري بالجهات المتأبطة بمسؤولية إعمار البلد أن تكون الدراسات المستدامة التي من المفترض أن تكون جاهزة في هذه الفترة أولوية في أي عرض أو طرح أو نقاش تخطيطي وتنفيذي على مستوى حكومي وأهلي محلي أو من فئة مفاوضات مع شركاء أصدقاء.

أمامنا فرصة لتوريث نظام عمراني يليق بالمستقبل ولإعمار ماهدمته الحرب، فللنتائج والمخرجات حديث آخر لمن سيستثمر المستقبل لاحقاً.

علي بلال قاسم