ثقافةصحيفة البعث

موسيقى البلوز.. تجسيد لحالات الألم والحزن

هي نوع موسيقيّ يجمع بين الصوت والصورة واستخدام الآلات الموسيقية، مستوحى من الموسيقى الأفرو – أمريكية في الروح وطريقة الأداء الصوتي، وتنتمي أيضاً إلى جذور الموسيقى في غرب أفريقيا وكان لها تأثيرها القويّ في الموسيقى الأمريكية لاحقاً والموسيقى الغربية الشهيرة، فنجد لها تأثير في موسيقى الجاز، وموسيقى البوب والروك وموسيقى الريف.

أخذت موسيقى البلوز اسمها من حالة الشعور بالاكتئاب أو الحزن، وكان الغرض منها بالنسبة للعازف والمستمع التغلّب على تلك المشاعر ورفع الروح المعنوية، كما وصف عازف الغيتار الأسطوري بي بي كينغ، موسيقى البلوز، بأنها تُعبّر عن مشاعر الألم، لكنه الألم الذي يُولّد الفرح.

أخذت موسيقى البلوز تحتل مكانتها وشعبيتها في أوائل القرن التاسع عشر، وأثناء هذه الفترة بدأ قائد إحدى الفرق الموسيقية بتطبيع نغمات الأفارقة الفولكلورية التقليدية في شكل أغانٍ كسبت رواجاً شعبياً كبيراً، ومن أمثلة هاندي الموسيقية: ممفيس بلوز عام 1912 وسانت لويس بلوز عام 1914. وفي العشرينيات من القرن الماضي ظهرت المغنية بيسي سميث باعتبارها أفضل مغني البلوز شهرة واسعة، وخاصة أعمال العزف على البوق لـ لويس أرمسترونغ، وفي الثلاثينيات أصبح نموذج البوجي– ووجي، للعزف على بيانو البلوز، شائعاً ورائجاً، وتقوم الكثير من أغاني البلوز على تركيبة غنائية بسيطة تتكوّن من 12 مقطعاً شعرياً، غير أن الكثير منها يتضمن أيضاً خليطاً عجيباً من النغمات المرتجلة في بنيتها، كما أن موسيقى البلوز تعرف التنوع وتشمل العديد من الأنماط  والأشكال الإقليمية مثل: نمط “شمال مسيسيبي” المتأثر بالموسيقى الأفريقية إلى حدّ بعيد، ويتميّز هذا النمط ببناء زخم موسيقي يرتبط بنوتة معينة ويستمر طوال الأغنية، وهي تحتل موقعاً شبيهاً بموقع “المقام” في الموسيقى العربية.

ولعلّ أبرز ما يميّز هذا النوع من الموسيقى هو أن البلوز كانت شعبية لدرجة أنها انتشرت لدى السود والبيض على حدّ سواء. وانطلاقاً من جذورها في ثقافة الارتقاء في منطقة دلتا نهر المسيسيبي، باتت موسيقى البلوز قائمة في صميم الموسيقى الأمريكية المعاصرة، وتضفي طاقاتها المفعمة بروح الحنين على موسيقى الجاز. وتُمثّل البلوز الجسر الذي يربط بين مدرستين من مدارس الموسيقى الأمريكية: الجاز والروك أند رول وهي جوهر الموسيقى الأمريكية وأصلها.

عوامل أثرت على موسيقى البلوز

تأثرت موسيقى البلوز بعدة عوامل قبل ظهورها منها:

– التحرّر من الاستعباد: يقول بعض المؤرخين إن هذا العامل هو أهم عامل في نشأة البلوز، لأن العبيد قبل التحرر لم يملكوا وقتاً لغير العمل الشاق والنوم العميق، لم يكن لهم وقت لتعلّم العزف أو إيجاد أسلوب غنائي فريد، ولم يملكوا آلات موسيقية أو قدرة على الصنع أو الشراء، ولكن بعد التحرّر استطاعوا التنقل بين الولايات والحصول على الآلات وتعلّم العزف وإيجاد سلم موسيقي فريد. ويُقال إن آلة البنجو هي في الأصل من صنع العبيد لأنهم حاكوا آلة أفريقية شبيهة بالبنجو واستخدمها البيض والسود في موسيقاهم.

– الحالة الاجتماعية والمادية: بعد التحرّر عانى المجتمع الأسود من الجهل والفقر الشديد، وهذا ما ساعد في المحافظة على طريقة الغناء القديمة أيام الاستعباد، فاستمرت الشكوى والتظلم والآهات واستمرت أيضاً مواضيع الكلمات نفسها وطريقة صياغتها وتلحينها.

– ويُقال إن البلوز الأمريكي الأسود، أتى من جذور عربية، فالبلوز هو موسيقى العبيد الأفارقة خصوصاً من الساحل الشرقي والغربي، وهؤلاء تأثروا بالحضارة الإسلامية وموسيقاها. وإذا ما تمّ التدقيق فإن طريقة الغناء العربي القديم والتراثي وأداءه قريبة جداً من غناء البلوز، ومع مرور الوقت انصهرت هذه الأنواع من الموسيقى العربية مع تراث الأفارقة ومع الموسيقى الفرنسية والأيرلندية والاسكوتلاندية، وهذه حقيقة مثبتة علمياً، لكن الغرب يخاف التحدث عنها حتى لا يعرف العالم أن الموسيقى الغربية آتية من الشرق الأوسط والعالم الإسلامي.

– موسيقا البلوز الأمريكية تشكّلت من الألم لشفاء الألم، إنها رصيد شعبي زاخر تنطوي على قدر هائل من العواطف الجياشة.

إبراهيم أحمد