تخوّف وقلق
عبد الكريم النّاعم
كانت ملامح وجهه تنمّ عمّا في داخله.. هذا لمن لا يعرفه.. فكيف بمن عاشره أكثر من ستّين عاماً، قلت له مستبقاً أيّ حديث آخر:” من أين تريد أن نبدأ”؟!
قال دون أن يُفكّك شيئاً من ملامحه المعقَّدَة: “لا أدري من أين أبدأ، ولذا قد يبدو حديثي غير مترابط، نحن من أجيال لم تعد موجودة إلاّ في الذاكرة، وأمثالنا الذين ما زالوا يدبّون على عصى الحياة مركونون في زوايا النسيان أو بانتظار أن يُقال: “شيلوه”، ورغم كل المعاناة الجارحة، اليوميّة، وهي ليست سهلة، فقد وصلت حدّ تأمين اللقمة.. اللقمة التي انقلبت إلى نقمة، رغم ذلك فإنّني ما زلت أتابع أخبار الأرض المحتلة، ومستجداتها، ولقد هزّني بعنف خبر التطبيع من مشيخات النّفط، وربّما حدّثت نفسي مُواسياً أنّ المشروع سيسقط كما سقطت كامب ديفيد، مع مصر، “ووادي عرَبة” مع الأردن، فهل أنا على حقّ في ذلك”؟
أجابه: “أن نكون من أبناء تلك الأجيال فذلك قدرنا، وقد حملتْ تلك الأجيال ما حملتْ تجاه القضية المركز “الأرض المحتلّة”، فحقّقت بعض النجاحات، وأخفقت في أخرى، ولم يكن إخفاقها عن تآمر وتخاذل، بل لأسباب أخرى يطول شرحها، ولكنْ.. دعني أقفز إلى آخر ما قلت عن حتميّة سقوط هذه المؤامرة المحبوكة من قبل الدوائر المتصهينة في واشنطن، ولن أعرّج على سوق الانتخابات الأمريكيّة وأثرها في تسريع تلك الخطوات، فآثار ذلك واضحة لعين كلّ بصير، ولكنّني أريد أن أعلن عن تخوّفي من فتح أبواب الخليج، بحيث أستطيع القول أنّي قلق قلقاً شديداً لأمر مختلف، إذ أنّ تكوين المجتمع في بلدان الخليج ليس كما هو عليه الحال في العراق، وسورية، والأردن، ولبنان، أو مصر وبلدان المغرب العربي، فسكان الخليج من العرب، من أبنائه القدامى، قد لا يشكّلون نسبة مميّزَة، ويغلب على المقيمين أنّهم إيرانيّون، وباكستانيّون، وهنود، ومن بلدان جنوب شرق آسيا، مع جاليات عربيّة متنوّعة، وهذا في حال التطبيع سيفتح الباب لوفود الكثيرين من الصهاينة القادمين من الأرض المحتلّة كسيّاح، وكرجال أعمال، وأنت تعلم أنّ الموساد ما يكاد يترك لواحد صهيوني قادر على تأمين خدمات له إلاّ ويكلّفه بها، فما زلنا نذكر كيف أنّ الصهاينة، رغم معاهدة كامب ديفيد أمّ الكبائر السياسيّة في تاريخ العرب الحديث، والتي وقّع عليها السادات المقتول على منصّة العرض.. رغم هذه المعاهدة فقد أرسل الموساد الإسرائيلي مئات من المومسات الصهاينة المصابات بالإيدز، لنشر هذا الوباء في مصر، حتى أنّ أحد الأفلام المصريّة تناول هذا الموضوع، يتمّ هذا والمجتمع المصري مازال يتأبّى على التطبيع الذي ترغب فيه “تل أبيب” وواشنطن، بل ظلّ هذا التطبيع مع القيادات السياسية، ولم يستطع اختراق الجماهير العربيّة في مصر، فكيف سيكون الأمر مع دول الخليج التي قدّمنا بعض التوصيف لها، وهي غير محصَّنة، ولا تشكّل كتلة كما هو الحال في البلدان التي أشرنا إليها، لاسيّما وأنّ الكتلة الأكبر، مملكة بني سعود قد صدرت عن مواقع مهمّة فيها، رسميّة، وشبه رسميّة، أقوال تمهّد لتطبيع بالغ الخطورة يقوم على تحوير معاني الآيات القرآنيّة الكريمة، ليحوّروها ويجعلوها داعية للاعتراف بحقّ اليهود في الأرض المحتلّة، وهذا اختراق نوعي بالغ الخطورة، ولعلّ في البحرين ما يومئ إلى عمق ما يجري التخطيط له، إذ فيه كتلة رافضة للتطبيع، ولذا بدؤوا منذ ما قبل أربعين سنة بتغيير التشكيلة السكانية، فعمدوا إلى استقدام أعداد بشريّة من أكثر من بلد، وجنّسوهم، ليقلّلوا من حضور المناوئين لسياسة الانصياع لمطالب واشنطن الصهيونيّة.
خطورة ما يجري في مشيخات النفط أنّ رجال أعمال صهاينة، وسماسرة، وخبراء بورصة، وجواسيس مدرّبين، وداعرات، سوف يقيمون فيها، ويبدأ النّخر، إذ لا يمكن الوثوق بأيّ اتّفاق مع الصهاينة، مهما كانت صيغة وضوحه، وقد يشترون من العقارات، والمكاتب، والشركات ما يجعل منهم الحاضر الأوّل في تلك البلاد، ومن هنا يبدأ العمل على رسم ملامح صهيونيّة جديدة، ورغم ذلك يا صديقي فأنا مقتنع أنّ الكلمة النهائيّة ستكون لمحور المقاومة لا للدّمى والمتخاذلين.
aaalnaem@gmail.com