نقابة المهن المالية تأخذ على الفريق الاقتصادي عدم إشراك المحاسبين في صنع القرار
تأتي أهمية العمل المحاسبي من دعم بيئة الأعمال والاستثمار، عبر تطبيق معايير المحاسبة الدولية في الشركات والمؤسسات المالية والصناعية والإنتاجية، ما يسهم في جذب المزيد من الاستثمارات المحلية والأجنبية، بالنظر إلى أن هذه المعايير توفر معلومات محاسبية، يؤدي عدم توافرها أو عدم دقتها إلى إرباك قرارات المستثمرين، كما أن ضعف الرقابة على نوعية وكمية هذه المعلومات، لا يخدم البيئة الاستثمارية عموماً..
وهنا يبرز دور مهم لنقابة المهن المالية والمحاسبية، التي يقول رئيسها زهير تيناوي إنه يتوجب على الحكومة الاهتمام بهذه المهنة وأصول ممارستها، وذلك من خلال دعم النقابة وإعطائها مساحة واسعة للعمل والمشاركة في القرار المالي والاقتصادي، لتسهم في بناء قاعدة قوية للاستثمار، مع توجيه قرارات الاستثمار في السوق المالية، فماذا عن دور هذه النقابة، وهل أسهمت شركات الاقتصاد الجديد في إنعاش العمل المحاسبي، وما هي فوارق العمل بين مدققي الحسابات الأفراد والشركات، وماذا عن عدد أعضائها وهجرة الكوادر، وكيف ترى مسألة التهرب الضريبي؟.
قناعة الأعمال
يصف تيناوي العمل المحاسبي بأنه أحد الأعمال الرائدة، حيث يتمتع المحاسبون والمدققون بالخبرة المهنية والحرفية العالية، لذا استطاعوا أن ينظموا أعمالهم، وأن يقدّموا البيانات المالية إلى الدوائر المختلفة بأدق التفاصيل، وغالباً ما ترفض تلك البيانات، ولا يؤخذ بها، لأسباب غير منطقية، ما يعدّ مخالفة واضحة للقوانين النافذة.
فيما تفتقر المحاسبة في القطاع الحكومي -مع الأسف- للمهنية، حيث يعتمد في قطاعه الإداري على معادلة القيد المفرد، الذي لا يعطي مؤشراً واضحاً ودقيقاً لعملية الصرف والتبويب ولا ضبطاً لها، أما في القطاع الاقتصادي، فما زال هذا العمل يعتمد على القيد المزدوج، والشكل التقليدي للبيانات الختامية، وتدقيق الجهاز المركزي للرقابة المالية فقط، لذا حاولت النقابة، غير مرة، المشاركة في تنظيم هذا العمل، حيث قدّمت عدداً من الاقتراحات إلى وزارة المالية، إلا أنها للأسف لم تلقَ أي اهتمام .!
شركات الاقتصاد الجديد
من الطبيعي أن تكون الشركات المحدثة، وفق القوانين النافذة، أو ما تسمّى شركات الاقتصاد الجديد، أي المصارف والتأمين والاتصالات وغيرها، مهتمة بتنظيم العمل المالي والمحاسبي فيها، ضماناً لحقوق المساهمين، إذا كانت شركات مساهمة، أو للوقوف على المركز والوضع المالي الصحيح للشركة، إذا كانت من أنواع الشركات الأخرى.
وتسعى معظم هذه الشركات، وفقاً لتيناوي، إلى تسليط الضوء على المحاسبة، وعلى دورها في الكشف عن الغش والأخطاء المحاسبية والحدّ منها، عبر تطبيق أخلاقيات المهنة والتزام المحاسبين والمدققين بمسؤولياتهم المهنية، التي تعزز قدرتهم على تحديد المخاطر المختلفة، وقد نجح بعضها وتعثر بعضها الآخر لأسباب مختلفة.
لقد كان لهذه الشركات دور إيجابي، ساهم مساهمة فعّالة وفاعلة في تطوير المهنة، وتحديث آليات عمل المحاسبين والمدققين، ما دفعهم إلى الاعتماد على مبادئ ومعايير محاسبية تحاكي وتضاهي التعليم المحاسبي الدولي، وانعكس بشكل واضح على أداء الجميع، وعزّز سمعة المهنة والعاملين فيها في الوسط الاقتصادي.
أفراد وشركات
يعمل في السوق المحاسبية المحلية مدققو حسابات أفراد وشركات، فما هي نقاط القوة والضعف لكل منهما.. يقول رئيس النقابة: إن القانون (33) لعام 2009 نظم عمل مدقق الحسابات، وحدّد واجباته ومسؤولياته، لذا فإن عمله والمسؤوليات المنوطة به تختلف، سواء أقام بتدقيق شركات أم متاجر أم غير ذلك، إلا أنه وبسبب الظروف السائدة والمحيطة في معظم الأعمال، ولجوء كثير من إدارات الشركات إلى تجميل بياناتها المالية، سعياً منها لتحسين الوضع المالي، سواء من حيث الربحية أم المركز المالي، تلجأ تلك الإدارات للضغط على المدققين للتصديق على بيانات مالية غير دقيقة أو وهمية، وغالباً ما يتم ذلك مقابل إغراءات كثيرة تقدّمها الإدارة إلى المدقق، الذي من المفترض أن يكون مستقلاً وحيادياً. وبالتالي لا يختلف جوهر العمل المحاسبي أو التدقيق بين الأفراد والشركات، إلا من حيث النشاط الفردي أو العمل المؤسسي.
عن التهرّب الضريبي
التهرّب الضريبي جرم يعاقب عليه القانون في معظم دول العالم، ولا بد من التمييز بين التجنّب والتهرّب الضريبيين، فالثاني يحاسب عليه القانون، أما الأول فيعدّ الشخص غير الدافع للضريبة غير مخالف، لأنه يجد ثغرة في القانون تجنّبه الدفع، ولا يحاكم بسبب ضعف قانون الضرائب بشكل عام.
ويرى تيناوي أن مشكلة التهرّب موجودة في سورية وفي دول العالم كلها، وتنامت في السنوات الأخيرة كأحد مظاهر الفساد، وللأسف فإن الدوائر المالية تدرك حجم وخطورة هذه الظاهرة، إلا أنها تقف عاجزة أمام معالجتها، بل إنها ومن خلال طريقة مناقشتها للبيانات الضريبية المقدمة إليها، تسهم من حيث تدري أو لا تدري في تشجيع المكلف على التهرّب. والأمر كله منوط بوزارة المالية ودوائرها المختلفة وبالتشريعات الضريبية، التي باتت غير ملائمة لتحقيق عدالة ضريبية بين المكلفين، ما زاد في أعداد المتهرّبين.
وبيّن تيناوي أن وجود دفترين هو الشكل المعروف للتهرّب من خلال عدم الإفصاح عن المداخيل بشكل صحيح، حيث يكون الدخل الخاضع للضريبة منخفضاً جداً، ما يؤدّي إلى التهرب، كما أن التلاعب بالأموال، والتحايل على إدارات الجمارك من خلال تقديم فواتير مزوّرة، والمبالغة في المصاريف وإخفاء العوائد، يؤدّي إلى التهرب الضريبي الذي لا حلول جذرية له، سوى بإصدار تشريعات جديدة متطورة، تتناسب مع التطورات الاقتصادية، وتحقق العدالة بين المكلفين، ولا تدع مجالاً للتدخل المزاجي للمراقب، الذي يقوم بالتكليف أو المناقشة، إضافة إلى ضرورة أتمتة العمل، واعتماد البيانات المقدمة من المكلفين، والمصدقة من مدقق الحسابات، دون اللجوء إلى بدعة “التسوية”، أو “المناقشة”، أو المساومة التي تعمّق ظاهرة التهرب، وتسهم في استفحال الفساد، وتنسف القوانين الضريبية من جذورها، على أن يطبّق مبدأ المحاسبة الصارمة لكل من يثبت تهرّبه، أو تواطؤه، أو إخلاله بواجباته الوظيفية من محاسبين ومدققي حسابات ومراقبي دوائر مالية ومستشارين.
15 ألف عضو
على الرغم من أن النقابة باشرت أعمالها في 2015، إلا أنها استطاعت، خلال فترة وجيزة، إحداث سبعة فروع لها في المحافظات، وتستعدّ حالياً لإطلاق فرعين جديدين في حماة ودرعا، يقول رئيس النقابة، الذي يرى أنها تمكّنت من تنسيب حوالي 15 ألف عضو، والسعي لاستقطاب خريجي كليات الاقتصاد والتجارة في سورية، مبيّناً أن عدد الأعضاء ما زال متواضعاً إذا ما قورن مع أعداد الخريجين، عازياً ذلك إلى مفرزات الحرب الكونية التي شُنّت على سورية، وأثرت سلباً في واقع العمل المحاسبي في البلاد، وبالتالي هجرة الكفاءات المالية والمحاسبية والاقتصادية، متوقعاً عودة بعضها تباعاً بعد الاستقرار الأمني والاجتماعي والاقتصادي.
أحمد العمار