دراساتصحيفة البعث

أمريكا وتركيا.. شركاء في السرقة

ترجمة وإعداد: علاء العطار

ظل نظام أردوغان ينهبُ البنية التحتية السورية لسنوات، فبدءاً من أواخر عام 2012 جرى تفكيك مصانع ونقلها إلى تركيا من حلب، العاصمة الصناعية في سورية. وجرى تحميل الآلات والبضائع على شاحنات ونقلها إلى تركيا عبر معبري سيلفيغوزو وجيلان بينار.

وفي تشرين الأول من عام 2019، اجتاحت قوات النظام التركي الشمال السوري، وهي تحتل الآن معظم مدينة إدلب، حيث تسيطر على المنطقة قوات أردوغان والميليشيات الموالية له. أطلق أردوغان على هذا الغزو اسم “نبع السلام”، وقال إن الهدف هو إنشاء “منطقة آمنة”، لكن في واقع الحال هجّر أكثر من 200 ألف سوري مما سمّاه النظام التركي “نبع السلام”، وتهجّر أكثر من 100 ألف من منازلهم ومزارعهم وأماكن عملهم وسبل عيشهم.

واستمر نهب المصانع بدرجة كبيرة، وأوردت التقارير أن الفصائل المدعومة تركياً فكّكت أبراج الكهرباء في بلدة رأس العين التي ذاع صيتها بعد أن أصبحت محطة علوك لمعالجة المياه وضخها قضية رأي عام عالمي وإنساني، نتيجة قطع النظام التركي مياه هذه المحطة عن مدينة الحسكة والمنطقة بأكملها، حين استخدمها كسلاح حرب للضغط على السكان لتلين عريكتهم، ونتيجة لذلك لم تتح مياه جارية لما يقارب مليون إنسان لأكثر من أسبوعين في شهر آب المعهود بدرجات حرارة عالية. واضطر المدنيون إلى الوقوف في طوابير لساعات لتلقي كميات صغيرة من صهاريج المياه، ومنهم من توجّه إلى شرب المياه من الآبار غير الآمنة، لذا ترى كثيراً من السكان يعاني انتشار الفطور والجراثيم والأوساخ في أجسادهم نتيجة استخدام هذه المياه في الشرب والنظافة الشخصية، ويبقى أهالي الحسكة عرضة للأمراض والأوبئة بسبب ارتفاع درجات الحرارة وانتشار الأمراض المعدية، وإذا لم يسيطر على الوضع في أسرع وقت ممكن، سيكون انتشار فيروس كورونا مدمراً بلا شك.

الولايات المتحدة تسرق النفط السوري

أما شريك الجريمة الآخر فهو بلا شك الولايات المتحدة التي لديها قوات احتلال ودمى تعمل كقوة عسكرية بالوكالة في الجزيرة السورية. كانت الولايات المتحدة تموّل وتروّج للعنصر الانفصالي، ما دفعهم إلى التحالف مع الإرهابيين المدعومين تركياً ضد الدولة الوطنية السورية، بل أكثر من ذلك جعلتهم حراساً على آبار النفط السورية، وجنّدتهم لسرقة الثروات الباطنية السورية إلى حليفهم النظام التركي ومنه إلى الدول التي تآمرت على سورية.

كانت سورية قبل الحرب تتمتّع بالاكتفاء الذاتي من النفط ولديها ما يكفي للتصدير وكسب بعض الإيرادات من القطع الأجنبي. تقع مصادر النفط الأساسية في الجزيرة السورية، حيث أقامت القوات الأمريكية ودماها قواعد لها، ولتمويل هذه الدمى، سيطرت الولايات المتحدة على آبار النفط الرئيسية، وربما يعتقد الرئيس ترامب أن هذه خطوة جريئة. في تشرين الثاني 2019، قال ترامب: “إننا نستحوذ على النفط.. النفط في مكان آمن، لم نترك قواتنا هناك إلا من أجل النفط”. وفي الآونة الأخيرة، جرى الكشف عن الشركة الأمريكية التي تبرم صفقات على النفط السوري، وهي شركة “دلتا كريسنت إنيرجي” التي تتولى زيادة سرقة النفط السوري.

وعلاوة على سرقتها النفط السوري، تحاول الولايات المتحدة منع سورية من تطوير مصادر بديلة، ويهدّد  ما يسمى “قانون قيصر” بمعاقبة أي فرد أو شركة أو دولة تستثمر في سورية أو تساعدها في إعادة بناء البلد الذي دمّرته الحرب وخاصة في قطاع النفط والغاز.

يبدو أن الحكومة الأمريكية تفعل كل ما في وسعها لتقويض الاقتصاد السوري وإلحاق الضرر بالعملة السورية، وهو ما تمّ لحظه في الأشهر العشرة الماضية جراء “قيصر”.

وإضافة إلى سلاح النفط، استخدمت الولايات المتحدة سلاح القمح ضد الدولة السورية، والكلّ يعلم أن الجزيرة السورية غنيّة بحقول القمح والحبوب، لكن الضغوط الأمريكية على المزارعين حالت دون بيع محاصيلهم من القمح للحكومة السورية التي تحتاجها لصناعة الخبز اللازم للشعب السوري. وفي أيار 2020 حلّقت مروحيات أباتشي تابعة لقوات الاحتلال الأمريكي على ارتفاع منخفض وألقت “بالونات حرارية”، وهو سلاح حارق تسبّب في اشتعال النيران بحقول القمح، بينما أدت الرياح الجافة الساخنة إلى تأجيج النيران المشتعلة، وبعد أن فعلت فعلتها الدنيئة، حلقت المروحيات بالقرب من المنازل بطريقة عدوانية، ما تسبّب بذعر السكان وخاصة الأطفال الصغار، في رسالة تهديد واضحة: “لا تبيعوا قمحكم لحكومتكم”.

وتمتلك الولايات المتحدة قاعدة أخرى ومنطقة احتلال عند معبر التنف الحدودي الإستراتيجي، عند تقاطع حدود سورية مع العراق والأردن، وهو أيضاً المعبر الحدودي للطريق السريع من بغداد إلى دمشق. تسيطر الولايات المتحدة على هذه المنطقة الحدودية لمنع مشاريع إعادة الإعمار السورية من العراق أو إيران. في غضون ذلك، تُرسل الأموال الدولية الممنوحة لـ”إغاثة سورية” لدعم ومساعدة آخر معقل قوي لإرهابيي “القاعدة” في إدلب على الحدود الشمالية الغربية مع تركيا.

انتهاك القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة

بيّنت الولايات المتحدة وتركيا مدى سهولة انتهاك القانون الدولي، إذ إن احتلال الأراضي السورية والاعتداء على سيادتها يجريان في وضح النهار، لكن هذه ليست مجرد قضية قانونية، فوقف إمدادات المياه الصالحة للشرب وحرق حقول القمح لزيادة الجوع ينتهك أبسط مبادئ الحشمة والأخلاق.

غالباً ما تشكو السياسة الخارجية الأمريكية -بنفاقها المطلق- من تراجع “سيادة القانون”، لكن في الواقع، لا أحد ينتهك القانون كما تفعل الولايات المتحدة نفسها. وفي خطابه أمام مجلس الأمن الدولي، أدان مندوب سورية الدائم لدى الأمم المتحدة الدكتور بشار الجعفري هذا الوضع قائلاً: “أصبح القانون الدولي مثل الحمل الوديع الذي أنيطت رعايته بقطيع من الذئاب”.