الأموال الآسيوية تغزو أندية أوروبا.. صناعة كرة القدم تحت الشبهات!!
“البعث الأسبوعية” ــ سامر الخيّر
لم يعد خافياً على أحد تحول أكثر رياضة شعبية حول العالم، كرة القدم، إلى صناعة تدرّ العديد من المكاسب المالية والجيو سياسية، ومع ازدياد تدفق المال الأجنبي إلى الأندية الأوروبية وخصوصاً من القارة الصفراء، شهدت صناعة كرة القدم قفزات جديدة في عالم المال والأعمال، عرفت من خلالها الأهداف الحقيقية وراء الاستثمار أو شراء الأندية الأوروبية طوال الأعوام الماضية، وحتى نوضحها علينا التطرق إلى ملكية شركات وأشخاص غير أوروبيين وإلى عدد المستثمرين المتزايد في أندية القارة العجوز، ثم النظر بوضعها بعد نقل ملكيتها ومدى جدوى هذه العمليات وتأثيرها على معشوقة الجماهير.
البداية من آسيا مصدر الأموال التي غزت أندية أوروبا، وهنا نميز بين تجربتين: الأولى صينية والأخرى عربية، فهما الأكثر تأثيراً ووضوحاً، ورغم أن التجربتين تشتركان في العديد من النقاط إلّا أن التجربة الأولى تميل أكثر لتطوير كرة القدم الصينية جنباً إلى جنب مع جني الأرباح، فالصين تعتبر أحد أقوى البلدان تحقيقاً للإنجازات في عالم الرياضة، ففي آخر دورة ألعاب أولمبية حصد لاعبو الصين 26 ميدالية ذهبية ومثلها برونزية و18 ميدالية فضية، إلّا أنها لم تستطع تحقيق إنجاز كبير في كرة القدم، لذا قام العديد من رجال الأعمال الصينيين بالاستثمار بداية في كرة القدم الصينية وجلب لاعبين ومدربين أجانب من الصف الأول، كأوسكار وراميريز وتيكسيرا وتيفيز صاحب أغلى راتب في العالم سابقاً، بجانب المدربين مارشيلو ليبي وفابيو كابيلو وسكولاري، ثم اتجهوا لشراء أسهم وأندية أوروبية فامتلكوا 16 نادياً في مختلف الدوريات الأوروبية إلى الآن، وطبعاً الحصة الأكبر إنكليزية.. لماذا؟!
بكل بساطة، بسبب العائدات الخيالية والمتزايدة من جراء حقوق البث التلفزيوني والدعاية والإعلان، وأوّل نادٍ تم شراؤه كان بيرمنغهام سيتي عام 2007، من قبل رجل الأعمال كارسون يانغ، بمبلغ وصل إلى 90 مليون دولار. وبين عامي 2015 و2017، تم إنفاق 3 مليار دولار أمريكي على عمليات شراء أندية وولفرهامبتون وأستون فيلا الذي بيع فيما بعد إلى ملياردير مصري وإنتر وميلان وإسبانيول، بجانب شراء حصص من أندية عملاقة مثل مانشستر سيتي وأتلتيكو مدريد.
أما التجربة الثانية فقد بعيدة كل البعد عن أي تأثيرٍ إيجابي على الكرة العربية، فلم يستطع إلى الآن أي نادٍ مملوك لجهة عربية الإسهام في تحقيق إنجاز عربي دولي عن طريق تبادل الخبرات وزيادة عدد اللاعبين العرب في الدوريات الأوروبية، أو العكس، لذا يمكن حصر هذه التجربة بتحقيق أكبر استفادة ممكنة بصناعة التاريخ والأموال معاً، حيث يختلف تعامل المستثمرين العرب مع الأندية الأوروبية بين من لا يتدخل أبداً في الأمور الكروية، وهناك من ينتقد ويقيّم، وربما أنجح مثالين على التجربة العربية نادي مانشستر سيتي الإنكليزي المملوك من قبل الإماراتي منصور بن زايد منذ عام 2008، ونادي باريس سان جيرمان الفرنسي والمملوك من قبل القطري ناصر الخليفي منذ عام 2011، ورغم سيطرة كل من الناديين على الألقاب المحلية لم ينجح أي منهما في رفع بطولة أوروبية تكون بمثابة الوسام لنجاح هذه المغامرة، وإضافةً إلى هذين الناديين امتلك ويمتلك العرب كل من نادي ميونيخ 1860، وأندية ملقا وخيتافي وألميريا الإسبانية.
ومع تزايد هذا الغزو الأجنبي تمت “قولبة” كرة القدم الأوروبية لتخدم أهداف ملاكها الجدد الذين استغلّوا فرادتها وجاذبيتها، فأصبحت تعمل كقنوات تواصل ومنصات إعلامية للشركاء التجاريين والرعاة بطريقة فعالة وجاذبة للانتباه، وكما يعدّ ارتفاع عوائد حقوق النقل التلفزيوني بشكل جنوني، أحد أسباب الاستثمار في أندية كرة القدم وإدارتها كمنشأة تجارية في سبيل تحقيق أرباح وتنمية قيمتها، وخاصةً بعد تزايد الاستدامة المالية التي عززتها أنظمة اللعب المالي النظيف.
لكن هناك وجهاً آخر لهذه التجارب أدت إلى تدهور كرة القدم ووقوع العديد من الأندية في دوامة تهم غسيل الأموال والتهرب الضريبي. وخير مثال على ذلك شراء نادي ميلان الإيطالي من قبل رجل الأعمال الصيني يونغ هونغ لي والذي اشترى النادي بأكثر من قيمته بكثير ولم يستطع بعد فشل إدارته له من الإيفاء بكامل التزاماته المالية فأعلن إفلاسه واضطر للاقتراض من شركة إليوت الأمريكية، والتي أتمت وضع يدها على النادي بسبب تخلف رجل الأعمال الصيني عن الدفع. ولم تنته القصة هنا، بل تفاجأ الجميع بعد رحيله أن ثروته كاملة بالصين تقدر بـ700 مليون يورو فقط، ولم يكن مصنفاً حتى ضمن قائمة أغنى 400 شخص في الصين، أي إن عملية الشراء بالكامل كانت تهدف لشرعنة أموال اكتسبها في بلاده بطرق غير سليمة.
واتهمت العديد من الشركات التجارية في أمريكا الجنوبية، والتي استثمرت هي الأخرى في الأندية الأوروبية، بالمساهمة في غسيل أموال تجار المخدرات عبر كرة القدم، وأوقف 146 وسيطاً في الأرجنتين فقط بالتهمة نفسها، كما وجهت اتهامات لمؤسسة ميسي الخيرية كونها استغلت لغسيل أموال المخدرات، وما زالت صفقات اللاعبين الشباب في البرازيل تثير الشكوك. وهنا تسجل للاتحاد الدولي لكرة القدم محاولته منع تعدد الشركاء في امتلاك حقوق لاعب واحد وإعطاء الحق للفريق لمحاربة ظاهرة غسيل الأموال في كرة القدم بأمريكا الجنوبية.
وقد يكون الدوري الألماني الناجي الوحيد من المستثمرين الأجانب، وذلك بسبب وجود قوانين مثل القانون المميز (50 في المائة + واحد)، أي أن ملكية النادي يجب أن تكون لشخص ألماني بنسبة أكثر من النصف، ما يحول دون وقوع الأندية الألمانية في أيدي هؤلاء المستثمرين بالكامل، وربما يمكن اعتبار هذا القانون الحل الأنسب لعلاج فساد كرة القدم ومنع وقوعها كلياً في يد التجار بدل أن تكون في أقدام اللاعبين.