مجلة البعث الأسبوعية

هل تحتاج رياضتنا إلى محكمة رياضية؟ مخالفات واضحة وصريحة للنظام الداخلي والعشوائية تسيطر..!

“البعث الأسبوعية” ــ ناصر النجار

أصدرت لجنة شؤون اللاعبين في اتحاد كرة القدم القرار رقم 863، تاريخ 14/ 9/ 2020، القاضي بفض النزاعات المالية بين الأندية واللاعبين، مع الإشارة إلى أن هذه النزاعات هي حصيلة مواسم عدّة، لم تحسم سابقاً، وبقيت مجهولة المصير ومتداولة في كواليس كرة القدم وخفاياها حتى آن الأوان لتظهر للعلن.

اللافت أن بعض اللاعبين طالبوا عدة أندية بحقوقهم المالية، أي إن هذا اللاعب كلما لعب مع ناد معين لا يقبض كامل مستحقاته، فالنادي لا يدفع أو يتهرب من الدفع، رغم وجود العقد وتثبيته أصولاً في اتحاد كرة القدم.

وللأسف، هناك أندية كبيرة متخلفة عن الدفع لعدة لاعبين، وهناك لاعبون كبار أعضاء في المنتخب الوطني يطالبون بحقوقهم المالية، واللائحة التي بين أيدينا تضم 32 قضية ليست الوحيدة، فهناك جداول سابقة صدرت.. وجداول جديدة في طريقها للصدور.

والأندية المطالبة بهذه الحقوق إما أنها لا تعرف ما عليها من التزامات، أو إنها تتجاهل هذه الالتزامات معتمدة على معارفها في اتحاد الكرة، لتمويت هذه المبالغ، والمشكلة أن أغلب أنديتنا يكون سخياً عند إبرام العقود، وغير ذلك عند تنفيذها، وكلما اقترب الموسم من نهايته كلما زادت المماطلة في الدفع، خصوصاً إن كان مركز النادي في الدوري غير مهم، أو أن اللاعب بات لا يلزم النادي.

أغلب الظن أنه لو كان اتحاد كرة القدم قادراً على الحسم لما وصلت هذه الخلافات المالية إلى ما وصلت إليه، مع الإشارة هنا إلى أننا هنا أمام مبالغ بسيطة، ولم نصل بعد إلى المبالغ الكبيرة حسب عقود الموسم الماضي التي بلغت عنان السماء.

مصدر مطلع على خفايا الأمور في لجنة شؤون اللاعبين قال لنا: إن الحكم الصادر يتأثر بالأهواء أكثر من اللائحة والقانون، فالنادي الذي له سلطة ممكن أن يكون ذو تأثير على اللجنة، وكذلك اللاعب الذي لديه واسطة أو نفوذ، فمن المبالغ المفروضة على الأندية مبلغ 32 مليون ليرة سورية على نادي الوحدة، وهناك مبالغ مماثلة على أندية مثل حطين والاتحاد، وأيضاً هناك أندية من الدرجة الأولى وقعت بشر العقود، وهي لا تملك أصلاً أي مبالغ لتسد رمقها وحاجاتها، فما الحلول؟ وكيف سيتم تنفيذ القرار؟ وهل سيصل اللاعبون إلى حقوقهم..؟

 

قرار غير ملزم

اتحاد كرة القدم ذيّل بلاغه بتهديد الأندية التي تتخلف عن الدفع بأنه لن يصدّق عقودها الجديدة، وهذا يعني – بطريقة أو بأخرى – أنها لن تشارك في الموسم القادم قبل أن تحصل على براءة ذمة من لاعبيها موضوع القرار، فهل لنا أن نتصور أن الموسم المقبل سينطلق دون أندية الوحدة وحطين والاتحاد، وربما جبلة، وغيرها، إذا لم تتمكن من الدفع أو امتنعت عنه؟! وهذا يؤدي بالضرورة إلى أن قرار لجنة شؤون اللاعبين غير ملزم، وربما حبر على ورق!! وقد تسجل هذه الديون بسجل الوفيات، أو أنها – في أحسن الحالات – ديون مؤجلة إلى أجل مسمى، أو بلغة التجار “ديون ميتة”!!

فاللاعبون أصحاب النفوذ سيحصلون على حقوقهم، أما “الدراويش” فعوضهم على الله. ومن ناحية أخرى، يستطيع أي لاعب أن يحصل على المبالغ المالية، وفوقها غرامات التأخير، عن طريق “الفيفا” إن كانت عقوده مصدقة أصولاً، ولا نظن في هذه الحالة أن أحداً من لاعبينا سيستقوي على ناديه من الخارج.

 

القانون غائب

بما أن لجنة شؤون اللاعبين هي لجنة داخل اتحاد كرة القدم، فإن قراراتها “أهلية بمحلية”، وغير ملزمة لأية جهة رسمية خارج الاتحاد، كالقضاء مثلاً. واللجوء هنا إلى القضاء – إن تم – سيأخذ ممراً طويلاً، ما يضطر اللاعب إلى المساومة، وهذا ما يريده النادي أولاً وأخيراً.

لذلك نقول: ألا تحتاج رياضتنا إلى محكمة رياضية تفض مثل هذه النزاعات، والنزاعات الأخرى؟ وأهمها الإجراءات المخالفة للنظام الداخلي، من خلال حل وتشكيل المؤسسات الرياضية، أو صرف المنتخبين في الأندية والاتحادات صرفاً تعسفياً دون أي وجه حق، وكذلك الخلافات مع المستثمرين، فهذا أفضل من أن تبقى هذه الخلافات عالقة في جدران اتحاد كرة القدم أو في المحاكم المدنية.

هذا الأمر، برمته، يقودنا إلى هزالة الاحتراف وضعف القوانين الرياضية، أو ضعف من يطبقها، وإذا كنا نقول إن “العقد هو شريعة المتعاقدين”، فمن سيطبق هذه العقود، ويجعلها ضامنة للحقوق؟

ولو أن نادياً كان له بذمة أي لاعب مبلغ من المال فإن تحصيل المبلغ أمر سهل: قرار بسيط من اتحاد كرة القدم بتوقيف اللاعب حتى يسدد ما بذمته سيكون ساري المفعول! أما العكس فهو أمر مستحيل، لأنه من غير الممكن أن نوقف نادياً من أجل لاعب أو لاعبين.

 

عقود عشوائية

ولو أخذنا عينات عشوائية من بعض العقود من أندية مختلفة، سنجد أن هذه العقود غير مكتملة الشروط، وغير مستوفية لحقوق اللاعبين والأندية على حد سواء، فلا شرط جزائياً في أغلب العقود، ولا شروط خاصة تتضمن حق النادي إن تمرّد اللاعب أو عوقب من اتحاد كرة بسبب سوء السلوك.

كذلك لا نجد أي بند يصون حق اللاعب إن أخلّ النادي بالتزاماته تجاهه، سواء بدفع التعويضات الشهرية في مواعيدها، أو بتأمين الإقامة للاعبين الوافدين، وغيرها من هذه الأمور. وقد رأينا هذا الموسم كيف أن بعض الأندية – كالنواعير والطليعة مثلاً – بعد جائحة كورونا، أخلت بالكثير من الشروط تجاه لاعبيها المحترفين، وكأنها تسرحهم تسريحاً تعسفياً، دون أن يجد هؤلاء اللاعبين من ينصرهم.

لذلك لا نلتمس العذر لأحد، ونؤكد أن قانون الاحتراف الحالي قاصر بكل أركانه عن صنع واقع احترافي متميز يلبي الطموح ويضمن الحقوق، ويساهم بفض النزاعات إن حصلت، ويرفع من سوية الكرة السورية.