الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

أغنية وحكاية

يروي الشاعر اللبناني “رفيق روحانا” في كتابه “سعيد عقل بيدر مجد وجمال” وهو أحد تلامذته ومن ثم صديقه الذي أسلم عقل أنفاسه الأخيرة بين يديه، واحدة من الحكايات التي جرت بين صاحب “أنا صوتي منك يا بردى”، وبين الأخوين رحباني، خلال الفترة التي كانوا يجهزون فيها للمشاركة في مهرجان دمشق الدولي عام 1976، أن سعيد عقل كان يسكن ذاك الوقت في بناء بمنطقة تُسمى “حرش الكفوري”، تقع بين شارع رياض الصلح وشارع “بدارو” الشهير، وفي البناء نفسه، كان مكتب الأخوين رحباني حيث يعملان طوال الوقت، وحينها كانا يشتغلان على أغنية “بحبك يا لبنان”، وعندما انتهيا من تأليفها صعدا إلى شقة “عقل” ليأخذا رأيه ومشورته كمعلم فيما كتباه، حينها كما يروي “روحانا” كان الوقت ظهرا، وهو الموعد الذي يعودان فيه لأخذ “بريك” الغداء في البيت، لكنهما قررا أولاً استشارة “المعلم”، وصلا ليجداه غافٍ فوق بعض الكتب وباب البيت مفتوحاً.

دخلا وشرع أحدهما بإلقاء القصيدة: (بحبك يا لبنان يا وطني بحبك)، حينها بدأ عقل بالصحو من غفوته، الابتسامة تعلو وجهه وقلبه فرح بالمطلع، فطلب منه الاستمرار، وهكذا حتى وصل للمقطع ما قبل الأخير، والذي كان (سألوني شو عملتو بوطن العيد/فجرتو وقتلتو بنار وبواريد/ قلتلن وطنا صفى بحر وقيد/ ونهدت القناطر وتكسر القرميد)، هنا أغمض سعيد عقل عيناه وعاد ليغفو، فما كان منهما إلا أن قاما بمخاطبته بحيرة وإرباك: يا معلم، يا معلم. لكنه لم يصحُ، فقام أحدهما بنكزه بود، هنا استيقظ عقل وهو يهدر ويزمجر وهو يخبرهما: “هذا المقطع يروج لتسمية حرب لبنان بالحرب الأهلية، في الوقت الذي توجد فيه سبع دول تتصارع عليه، التاريخ في الغد سيأخذ حججه من أغانيكم لا من نشرات الأخبار، ولا يجوز لكما بل من المعيب أن تروجا بفنكما لما تذيعه الأخبار”–وهذا رأي خطير من مفكر بحجم سعيد عقل بطبيعة التاريخ والإعلام- التفت ونظر من نافذته إلى السماء وسرح فيها قليلا، ثم قال “كتب يا عاصي”: سألوني شوصاير بـ بلد العيد/مزروعة عالداير نار وبواريد/قلتلن وطنا عم يخلق جديد/لبنان الكرامة والشعب العنيد” وهكذا صارت “بحبك يا لبنان” الأغنية التي غنتها السيدة فيروز في مهرجان دمشق الدولي.

إعداد: تمّام علي بركات