الذكرى “الماسية” لتأسيس الأمم المتحدة
ترجمة وإعداد: عائدة أسعد
قال الرئيس الصيني شي جين بينغ في كلمته أمام اجتماع القمة للاحتفال بالذكرى السنوية الخامسة والسبعين للأمم المتحدة من خلال رابط الفيديو: “إن الهيئة العالمية يمكن أن تلعب دورها في الحوكمة العالمية بشكل أفضل من خلال الوقوف بحزم من أجل العدالة ودعم سيادة القانون وتعزيز التعاون والتركيز على العمل الحقيقي من خلال الالتزام بالتعددية”.
لقد تأسّست الأمم المتحدة بعد نهاية الحرب العالمية الثانية لتعزيز التعاون الدولي وتحقيق السلام والأمن العالميين، حيث يوفّر ميثاق وقرارات الأمم المتحدة القاعدة الأساسية لإدارة الشؤون العالمية بمشاركة دولية، وبات شعارها هو السلام والكرامة والمساواة على كوكب صحي.
في تناقض حاد دعا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في خطاب شديد اللهجة يوم الثلاثاء الماضي الأمم المتحدة إلى محاسبة الصين على الوباء العالمي، لكن لعبة إلقاء اللوم هذه ليست سوى خدعة قديمة للبحث عن كبش فداء لفشل الإدارة الأمريكية في السيطرة على الوباء. ووفقاً لجامعة جونز هوبكنز أبلغت الولايات المتحدة عما لا يقلّ عن 199،818 حالة وفاة، بينما وصل عدد الحالات إلى أكثر من 6.8 ملايين وهو أيضاً الأعلى في العالم.
وبينما تدعو الصين العالم لمحاربة الوباء معاً، ينشغل السياسيون الأمريكيون الأنانيون بمعاركهم الانتخابية المحلية ويصمون آذانهم عن صوت العقل. وعلى عكس حرب الصين الحازمة ضد الوباء، فإن حكمهم غير المسؤول يؤدي إلى “أمريكا أولاً” في كل من الحالات المؤكدة والوفيات الناجمة عن COVID-19 ويسمّم العلاقات الأمريكية مع الصين، والأمر الأكثر سخفاً بالنسبة للولايات المتحدة كقوة أنها تلجأ غالباً إلى إجراءات أحادية وتتحدى سلطة الأمم المتحدة وتطالبها بمحاسبة الصين!.
في الواقع لعبت الولايات المتحدة دوراً محورياً في إنشاء نظام الأمم المتحدة، وابتكرت مؤسّسة جديدة وعملت مع دول أخرى لتحقيق ذلك، لكن الزمن تغيّر منذ بداية القرن الحادي والعشرين فهي تنتهك المبادئ نفسها التي ساعدت بإدراجها في وثائق الأمم المتحدة لحماية السلام والأمن العالميين من خلال التعاون متعدّد الأطراف.
في ظلّ إدارة جورج دبليو بوش غزت قوات الناتو بقيادة الولايات المتحدة أفغانستان في عام 2001، وربما حظي الغزو الأمريكي لأفغانستان بدعم منظمة الناتو متعددة الأطراف، لكن غزو واشنطن للعراق، الدولة ذات السيادة في عام 2003، من دون موافقة الأمم المتحدة، كان معرضاً للعسكرة الأمريكية. ومن المفارقات أن العراق لم يشارك في هجمات 11 أيلول 2001 على الولايات المتحدة، وخلافاً لما ادّعته الولايات المتحدة قبل الغزو لم يكن يمتلك أي أسلحة دمار شامل، وببساطة غزت الولايات المتحدة العراق لإحداث تغيير في النظام.
لقد حوّل الغزو الأمريكي للعراق -وهو انتهاك صارخ لميثاق الأمم المتحدة- دولة جميلة ومزدهرة إلى أرض الكوابيس والبؤس والحرب الضروس، وقُتل مئات الآلاف من العراقيين، وجُرح عدد لا يستهان به، وأجبر عدد أكبر على الفرار من ديارهم وأصبحوا لاجئين. كما خسرت الولايات المتحدة جنودها وأنفقت مليارات الدولارات على الخطأ الذي ارتكبته، لكنها لم تُحاسب على تدمير العراق أو إزهاق أرواح الأمريكيين.
في ظلّ الإدارة الحالية سجّلت الولايات المتحدة رقماً قياسياً في الانسحاب من المعاهدات والمنظمات الدولية، ومن اتفاقية المناخ إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، ومن خطة العمل الشاملة المشتركة (الصفقة النووية الإيرانية) إلى منظمة الصحة العالمية، وفي غضون بضع سنوات فقط تغيّرت الولايات المتحدة من باني النظام العالمي إلى مدمّر النظام تحت رئاسة الرئيس الحالي.
ولأن العالم مجزأ والولايات المتحدة قوّضت التعددية والتعاون العالمي، وأضعفت الهيئة العالمية التي تمّ إنشاؤها للحفاظ على السلام والأمن العالميين، فذلك هو التعليق المحزن على الذكرى الخامسة والسبعين لتأسيس الأمم المتحدة. وخلال السنوات الماضية لم تعد الولايات المتحدة تستخدم الدبلوماسية للتحدث مع الدول الأخرى، بل تلجأ إلى الأحادية والبلطجة وتستخدم العقوبات لإجبار الدول الأخرى على قبول شروطها.
بالنظر إلى هذه التغيّرات العالمية المزعجة كان من المهمّ بالنسبة للصين أن تثير مخاوفها في اجتماع قمة الأمم المتحدة كدولة رئيسية مسؤولة، وهي بذلك التزمت بمبدأ الأمم المتحدة للعدالة والاحترام المتبادل بدلاً من استخدام التهديدات والإكراه، في الوقت الذي تنتهك فيه القوة العظمى الوحيدة في العالم القوانين والقواعد الدولية.
تماشياً مع دعوة الرئيس شي للتعاون الدولي من أجل التنمية المشتركة، فإن الصين على استعداد لمشاركة تجاربها التنموية مع بقية العالم، واتخاذ تدابير لزيادة واردات السلع والخدمات لمساعدة البلدان الأخرى في التغلّب على الأزمات الصحية والاقتصادية العالمية، وحتى بعد احتواء الفيروس التاجي الجديد تقريباً أصبحت جاهزة لعقد معرض الصين الدولي الثالث للاستيراد في شنغهاي في تشرين الثاني المقبل.