الرمز المقدس في مجموعة “لسيدة الضوء”
من الطبيعي أن تكون أول كلمة في مجموعة الشاعرة ليندا إبراهيم “لسيدة الضوء” هي وطني، فالشاعرة مسكونة بالوطن وبسيدة الضوء، والوطن هنا ليس موضوع إنشاء بل هو خبر وإخبار لكل الكون بما نحن فيه من حرب وعدوان يقابلها ذلك فداء وتضحية وقافلة شهداء تتلو القوافل الصاعدة إلى الخلود.
وطني/ يا أيها الجرح الفسيح/ أين أمضي في لياليك الشجية؟/ وبقلبي أغنيات الريح/ أين أخفي صرخة الروح الذبيح/ دمك الآن الهوية/ دمنا الآن الهوية.
والدم هنا أيضاً شهداء حرصت الشاعرة على تخليد ذكراهم بعد نداء إلى الرمز الكلي: أبانا الذي في نشيد العصافير/ أبانا الذي في انهيار العيون البريئة/ أبانا وأنت انتصار الحنين لأرواحنا المتعبة/ كيف تتركهم يسرقون الحياة التي برأتها يداك؟.
وهو في الوقت ذاته ذلك المشهد الذي حرّض الشاعرة من مقبرة الشهداء قبل ثلاث سنوات في صباحات عيد الأضحى فتصرخ:
“لله صبحك يا وطن/ لله جرحك يا وطن/ هبنا جمال الراحلين إليك عنك/ مزملين ترابك المقهور في زمن المحن”.
وتتوقف عند شهيد الياسمين “ثائر العجلاني” فتخصّه بقصيدة بعدما استشهد في جوبر وهو يؤدي رسالته الإعلامية حيث: “صادرتها عيناه لؤلؤتان من الياسمين وصادرتها رؤاه، حاملا وطنا فوق كاهله الغض/ يمضي بإشراقة من يقين/ وهو منهمك في تفاصيل رحلته القادمة/ زمن الموت لا ينتهي يا أبي”.
وبدءاً من سيدة الضوء، إلى أسفار العهد الغابر، مروراً بيسوع الناصري ومريم المجدلية ويوسف، يبدو الرمز المقدس عند الشاعرة غاية نبيلة ووسيلة (لمواجهة دنس العالم بنقاء الروح ونور الروح، تواجه هذا العماء في الواقع العربي بـ(مكابدات المتنبي الأخيرة) كما أشار إلى ذلك د. راتب سكر في تقديم حصيف للمجموعة. ورأى “أن نجدّد عهد الوفاء للنور ونقاء الروح لكي نسير إلى مستقبل الشعر وهي التي قالت (خياري في العالم وفي الوجود هو الشعر) والشعر لا يكون إلا في عالم النور. حتى السيد المسيح بعذاباته رأت فيه قمراً في ليل الناصرة”.
و”للمجدلية وقتها عند اشتعال السر في الألم المقدس واحتدام أنينها، أما أنا لي وجهك الأزلي يا قمراً بليل الناصرة”…
وفي الرمز اليوسفي تصرخ: بين يوسف والجب ذئب المعنى.
ويظل السؤال مشروعاً من هي سيدة الضوء؟ ولماذا اختارت الشاعرة أن يكون عنوان القصيدة هو عنوان المجموعة؟
سيدة الضوء: “هي في خاطر الله أكمل من خلقها/ وأجمل من برقها في ضمير الغمام/ هي كل الجميلات في الأرض/ كل الأميرات فوق العروش/ وأخت الورود وأصل الخزام”..
هذه الأوصاف التي أضفتها على السيدة هل توضح كل شيء؟ أم علينا تلمس المطلع:
“لسيدة الضوء…/ للألق السومري السني تضج به مقلتاها/ لسيدة الخصب في أرض كنعان/ لسر بروح ابنها الناصري/ لأبهى الأيائل عند السهوب/ لأغلى الصبايا بسهل الجليل سلامٌ.. سلام”.
باختصار.. تشكّل مجموعة “لسيدة الضوء” نقلة جديدة في مسيرة شاعرة مجدة باستحقاق، وقد قطعت بعد (لدمشق هذا الياسمين) و(فصول الحب والوحشة) و(لحضرة الرسولة) و(أنا امرأة الأرض)، وهذه النقلة الجديد قد تثير غباراً وجلبة كما يثير الفرسان في المعارك وكما أثارت مجموعاتها ذلك من قبل، على رأي د. راتب سكر.
رياض طبره