تحقيقاتصحيفة البعث

في طرطوس.. “التحطيب والتفحيم” على قدم وساق والحراج الخاسر الأكبر!

لؤي تفاحة 

فرضت آليات توزيع كميات “أكسير التدفئة”، المازوت، وتخفيض مخصّصات المواطنين إلى حدود دنيا لا تكفي ولا تقي من برد الشتاء واقعاً جديداً استغله عدد من الشباب في طرطوس وريفها، معظمهم عاطل عن العمل، لممارسة أعمال التحطيب، وكذلك تفحيم العيدان وغيرها من مخلفات الأشجار بهدف المتاجرة وبيعها سواء بغرض التدفئة أو لزوم أغراض الشواء والأركيلة، وبأسعار مربحة جداً، حيث يصل طن حطب السنديان لأكثر من 600 ألف ليرة، فيما يباع سعر كيلو فحم “الأركيلة” بأكثر من 2000 ليرة، بحسب كل منطقة من ريف المحافظة ونوعية الزبائن، والمثير للغرابة أن كل هذا “الإجرام” بحق الثروة الحراجية يحدث وسط غضّ الطرف عن هذه التجارة الرائجة ومن دون اكتراث ممن يتحملون المسؤولية لحماية الغابات، حيث يتمّ التعدي عليها في وضح النهار وعلى “عينك يا زراعة” وكذلك من دون أية مراعاة لترخيص نظامي لعمليات التحطيب والتفحيم بشروط تحفظ هذه الثروة وتضمن في الوقت نفسه توفير فرص عمل لعائلات هي فعلاً بأمسّ الحاجة لمصادر دخل لها في ظل جنون الأسعار الذي طال كل السلع، يضاف لذلك قلة المازوت، ولاسيما في الريف البارد جداً.

البرد ومخالفة القانون!

في حديثه لـ”البعث”، لم يتردّد “أبو حمزة” الذي امتهن العمل بالتحطيب منذ سنوات بالقول: لا أستطيع رؤية أولادي “بردانين” وأقف مكتوف اليدين، فقطع الأشجار متنفسي الوحيد لأجمع الحطب لتأمينه للمدفأة وما يزيد أقوم ببيعه بمعدل 3 – 5 كيلو يومياً بسعر 500 ليرة للكيلو وأحياناً أكثر، وبذلك يضمن الحطاب الفقير تأمين القليل من مستلزمات بيته ومتطلباته الكثيرة.

وتحدث الشاب ثائر عن عمله في تفحيم الحطب وبيعه للمحلات بأسعار مقبولة ومشجعة، مشيراً إلى تعرضه لجملة من الضغوط والإزعاجات من قبل جيرانه كون عملية التفحيم تحتاج لرخصة من مديرية الزراعة، مما يضطره لمراضاة البعض من الجيران “وتطييب” خاطرهم، علماً أنه يدرك أن عمله مخالف للقانون، فيقول: “بدّي عيش”!.

يوجد مبررات!

أحد رؤساء دوائر الزراعة السابقين في المحافظة عزا سبب فوضى عمليات التحطيب والتفحيم إلى جملة من المبررات والضغوط التي يتعرض لها المعنيون في القطاع الزراعي من حراج ووحدات إرشادية ومنها ظروف الناس المادية الصعبة، مشيراً إلى مئات الأطنان من الخشب التي يجري بيعها خارج المحافظة وربما خارج الحدود ولاسيما فحم “الأركيلة” والشواء من دون أن يخفي تواطؤ بعض مخافر الحراج أو غضّ الطرف للمبررات نفسها المشار إليها، مطالباً في الوقت نفسه بضرورة المحافظة على غاباتنا الجميلة وعدم العبث بها بشكل يؤدي لتدميرها كما حدث خلال العامين الماضيين بفعل الحرائق التي أكلت الأخضر واليابس وما بينهما من أشجار معمّرة ربما نحتاج لعقود مماثلة لكي تعاد هذه الطبيعة لحالتها التي كانت عليها.

حراج طرطوس توضح

وحول ما عرضناه في السطور السابقة، وخاصة لجهة فوضى القطع العشوائي على مدار الساعة دون رادع، وفيما يتعلق أيضاً بمنح التراخيص، أوضح الدكتور فادي ديوب رئيس دائرة الحراج في مديرية زراعة طرطوس أن هناك قراراً من وزير الزراعة يقضي بوقف منح التراخيص المتعلقة بمهنة التحطيب والتفحيم التي كانت مديرية الزراعة تقوم بمنحها سابقاً، ولفت ديوب إلى وجود اشتراطات مقيدة عند منح هذه التراخيص بهدف المحافظة على الثروة الحراجية ومنع العبث بها، مبيناً تسجيل عدة ضبوط بحق المخالفين وإحالتهم للقضاء.

معلومة

تبلغ مساحة محافظة طرطوس 189620 هكتاراً تشغل الحراج منها مساحة تقدّر بـ 31206 هكتارات، أي ما يقدّر بـ 17% وخاصة في جرد القدموس الذي يشغل 40,8% من مجموع حراج المحافظة، وبالترتيب على مستوى القطر تحتل حراج طرطوس المرتبة السادسة.

بكل الأحوال هناك مشكلتان لا مفرّ من الاعتراف بهما: الأولى أن هذه المهنة باتت تجارة رائجة ولها زبائنها، وما يجري من غضّ الطرف أمر مثير للسؤال!. والمشكلة الثانية حاجة الناس لتأمين مصادر للدخل في ظل هذا الشح في مادة المازوت، فلكم أن تتخيلوا كيف لمواطن في جرد القدموس أو الدريكيش والمشتى قادر على تحمّل درجات حرارة تهبط لدون الصفر أحياناً وجبال من الغابات والأشجار بجوار منزله وأطفاله يلتحفون بما توفر لهم من “بطانيات”؟ فماذا عليه أن يفعل وسط هذا البرد القارس؟! من هنا تأتي الحاجة لضرورة تنظيم المهنة وترخيصها أصولاً وباشتراطات مقيدة بشكل يراعي نمو الشجيرات الصغيرة وتحديد أوقات للتحطيب التفحيم بظروف وشروط تضمن صحة الجيران، ولاسيما الذين لديهم أوضاع صحية تأخذ بعين الاعتبار البعد عن المنازل وغيرها، لكي لا تبقى ثروتنا الخاسر الأكبر بغياب المتابعة وجشع الناس رغم حاجة البعض!.