المشروع الأمريكي المهزوم في سورية
سمر سامي السمارة
سلّطت حادثة تصادم عربات قتالية روسية مع القوات الأمريكية المحتلة في شمال شرق سورية الضوء على موقف واشنطن الهشّ ليس فقط في سورية، ولكن في كافة أنحاء الشرق الأوسط.
بعد محاولة عربات مدرعة تابعة لقوات الاحتلال الأمريكي الموجودة بريف الحسكة بشكل غير شرعي منع الدورية الروسية من المرور وتنفيذ مهامها، وجدت القوات الأمريكية نفسها ممنوعة حرفياً من التقدم مع تحليق ساحق للحوامات الروسية فوق المنطقة.
وعقب شكوى الولايات المتحدة من “إصابة” قواتها في الحادث وإدانة روسيا “لأعمالها غير الآمنة وغير المهنية”، أعلنت الولايات المتحدة أنها كانت تنشر المزيد من القوات والمعدات العسكرية لتعزيز احتلالها غير الشرعي للأراضي السورية.
حسب زعم الولايات المتحدة، يستمر وجود قواتها في سورية لمواجهة تنظيم “داعش” والقضاء عليه، إذ تقدّم الحسابات الرسمية التي تحتفظ بها الحكومة الأمريكية ووزارة دفاعها بشكل شبه يومي الذرائع لتبرير وجودها غير الشرعي في سورية، فالمنطقة التي تحتلها الولايات المتحدة هي المنطقة التي يتمّ فيها استخراج معظم النفط السوري، وتشكل “حماية” أمريكا لهذه الموارد جزءاً من إستراتيجية أوسع، لأنه من المؤكد أنها ليست لمحاربة “داعش”، بل لحرمان الدولة السورية، التي قضت على “داعش”، من النفط، ومن عائدات مواردها الطبيعية.
دخلت الولايات المتحدة إلى الأراضي السورية بشكل غير شرعي قبل عام كامل من دعوة الدولة السورية لروسيا للمساعدة ضد تنظيم “داعش والقاعدة” في العام 2015. وعلى عكس قوات الاحتلال الأمريكي، وبمجرد دخولها الأراضي السورية بدأت القوات الروسية على الفور بقطع خطوط الإمداد التي تغذي “داعش” والمجموعات الإرهابية الأخرى عبر الحدود السورية التركية، ما أدى إلى انهيار القدرة القتالية لـ”داعش” بسرعة وانحسارها في مناطق معزولة في جيوب يتعذّر الوصول إليها بسبب استمرار الاحتلال الأمريكي للأراضي السورية. لذلك فإن المواجهة مع روسيا وقرار تعزيز الوجود العسكري للقوات الأمريكية في سورية ليست سوى صورة مصغرة لصراع أكثر اتساعاً للحفاظ على هيمنة الولايات المتحدة على منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فعلى الرغم من أنها استهلت القرن الحادي والعشرين بوجود عسكري كثيف في أفغانستان والعراق، ووسّعت مشاركتها في المنطقة في عام 2011 من خلال “الربيع العربي” الذي دبرته وخطّطت له، إلا أن قوة الولايات المتحدة ونفوذها قد تضاءلا بشكل واضح، والعراق خير مثال على ذلك. صحيح أن واشنطن نجحت في الإطاحة بالحكومة الليبية في عام 2011، إلا أنها فشلت في أن تفعل الشيء نفسه في سورية. وإذا كانت مئات الآلاف من القوات الأمريكية منذ مطلع القرن لم تتمكّن من تحويل المنطقة لمصلحة واشنطن، فمن غير المرجح أن تحدث أفعالها الاستفزازية الصغيرة في منطقة الجزيرة أي فرق الآن.
في خضم هذا المشهد، تستمر المواجهة بين واشنطن وإيران، إذ كشف انسحاب واشنطن من “الصفقة النووية” خبثها وسوء نيّتها كلاعب دولي، وقد تحوّلت محاولاتها الضغط على إيران وعزلها بشكل متزايد إلى حملة أوسع نطاقاً للضغط على الدول التي تتمتّع بعلاقات تجارية جيدة مع طهران.
السياسة الخارجية الأمريكية تكشف بشكل متزايد، أنها بمثابة محرك لعدم الاستقرار العالمي، حتى أنها تحول دون تحقيق الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي لحلفائها المفترضين. وأولئك الذين ما زالوا يقفون إلى جانبها، ومن ضمنهم تركيا، يستعدون لمواجهات مباشرة ستتجنّبها سورية وحلفاؤها –وفي حال نجاحهم– سيحاصرون ببساطة، ويتمّ عزلهم. لقد فات على تحقيق الهدف الرئيسي “للمشروع الأمريكي” في سورية المتمثل في تغيير الدولة الوطنية، إلا أنه لم يفت الأوان بعد بالنسبة لها للتخلي عن حملتها الحاقدة وتجنيب إغراق المنطقة وشعبها وحلفائها في المستنقع.