دراساتصحيفة البعث

العلاقات التجارية ليست صنابير مياه!

ترجمة: علاء العطار

عن موقع “تشاينا ديلي

تتسبّب السياسات المعادية للصين في الولايات المتحدة بخسائر للصين على المدى المنظور، لكن بإمكان الصين على المدى الطويل أن تستفيد منها. ومهما بدا الأمر سخيفاً، إنه حقيقة تستحق منا الاهتمام.

بينما تبدأ الإدارة الأمريكية مشاجرات مع عمالقة التكنولوجيا الصينية مثل هواوي، أدركت الشركات الصينية أن عليها تطوير تقنيات رئيسية خاصة بها بدل شرائها من الشركات الأمريكية، بحيث لا تضطر للاعتماد على نزوات السياسيين الأمريكيين. قد تتسبّب هذه التغييرات بضرر لقطاع التقنية العالية في الولايات المتحدة، ضررٌ لا يمكن إصلاحه ولا عكسه.

العلاقات التجارية ليست صنابير يمكنك فتحها وإغلاقها متى شئت، فبمجرد أن تنقطع هذه العلاقات، يصعب جداً إصلاحها، لأن السوق سوف تمضي قدماً، وتبني شراكات جديدة على طول الطريق، دون انتظار أن يغير شركاؤها القدامى رأيهم.

ترتكب الإدارة الأمريكية خطأ استراتيجياً من خلال إرجاع نمو الشركات الصينية إلى “سرقة” التكنولوجيا الأمريكية، لكن يعتمد النمو السريع للشركات الصينية أمثال “Tencent” على عدد من العوامل:

أولاً: يعمل الموظفون في شركات مثل “Tencent” بجد ليظلوا قادرين على المنافسة ضمن مجموعة كبيرة إلى حدّ ما من العاملين في مجال التقنية العالية، كما أن أخلاقيات وعادات العمل لديهم مهمّة لنمو شركتهم.

ثانياً: نظراً للمنافسة الشرسة في المرحلة الأولى من نشأتها، طوّرت الشركات الصينية ثقافة الاستجابة القصوى للعملاء، فإن طلب أحد العملاء ميزة رئيسية من شركة برمجيات معينة، يعمل مهندسوها ساعات إضافية ليسلموها في غضون أسابيع، إن لم يكن خلال أيام. أما الاستجابة في الولايات المتحدة لطلبات الميزات فبطيئة جداً، وغالباً ما يُعاد توجيه المكالمات إلى الردود الآلية.

علاوة على ذلك، مع اتساع السوق يحدث التلقيح التهجيني الذي يؤدي إلى مزيد من الإبداع. إن إرجاع نمو الشركات الصينية إلى سرقة الملكية الفكرية هو إهانة لجميع الصينيين، لا بل إنها عنصرية على المستوى الوطني.

إن تابعت وسائل التواصل الاجتماعي الصينية، ستدرك أن العديد من الصينيين يعتقدون أن العكس هو ما يحدث فيما يتعلق بالملكية الفكرية، إذ يحاول فيسبوك إدخال منتجات مقلّدة تشبه بعض وظائف وميزات تطبيق مشاركة الفيديو القصير “تيك توك”، أو تطبيق المراسلة والوسائط الاجتماعية “وي تشات” أثناء الضغط لحظر منافسيه الصينيين.

لدى الولايات المتحدة كثير من الثغرات في محادثاتها التجارية مع الصين. على سبيل المثال، ركز الجانب الأمريكي في المفاوضات على المنتجات الملموسة مثل الأسمنت والصلب، لكنه فشل في رؤية كميات النقود الكبيرة التي تجنيها الخدمات والمنتجات غير الملموسة، مثل: أفلام هوليوود والرابطة الوطنية لكرة السلة والخدمات التعليمية والشركات الاستشارية وشركات التدريب. يمكن لشركة استشارات إدارية أو شركة محاسبة أن تكسب ملايين الدولارات ببساطة عن طريق بيع عروض “بور بوينت” في الصين، ومن ثم فإن خسائرهم من الحرب التجارية والعلاقة المتوترة الناجمة عنها ستفوق بكثير إيرادات التعرفة الجمركية للاقتصاد الأمريكي.

وسيخسر عمالقة التكنولوجيا الفائقة أمثال آبل ومايكروسوفت بفعل الحظر المفروض على “وي تشات” إذا استمر، فلن يرفّ لمعظم الصينيين جفنٌ عند تخليهم عن أجهزة آبل إن لم يعد بإمكانهم تثبيت تطبيق “وي تشات” عليها.

أصبح الحديث المتشدّد عن الصين اتجاهاً، لأن السياسيين الأمريكيين يعرفون أنهم يتحدثون إلى أشخاص لا يعرفون سوى القليل عن الصين بخلاف الروايات المبتذلة لما يسمونهم خبراء وهم لا يعلمون أي شيء عن الصين أيضاً.

إن العقول المدبرة الحالية للإستراتيجية المناهضة للصين، وخاصة أعضاء مجلس الشيوخ ماركو روبيو، وتيد كروز، ووزير الخارجية مايك بومبيو، وكبير الاستراتيجيين السابق في البيت الأبيض ستيف بانون، أخطؤوا في قراءة الرأي العام والديناميات الاجتماعية داخل الصين. ويمكن للمرء أن يستشفّ من خطاباتهم أنهم لا يعرفون ما يكفي عن الصين لتقديم المشورة المختصة للإدارة الأمريكية، فهم لا يهتمون إلا بإحياء المكارثية.

تعهد مرشحا الانتخابات الرئاسية هذا العام بأن يكونا صارمين مع الصين، لكن يُستحسن عليهما ألا يواصلا لعبة “إلقاء اللوم على الصين” التي تنمّ عن الخيال، لأنها لم تنجح، فهل خضعت الصين يوماً للولايات المتحدة في المحادثات “الصعبة”؟ الولايات المتحدة تغلق القنصلية الصينية في هيوستن، والصين تغلق قنصلية الولايات المتحدة في تشنغدو. الولايات المتحدة تزيد الرسوم الجمركية على البضائع الصينية، والصين تفعل المثل على البضائع الأمريكية. لن تستسلم القيادة الصينية للضغط الأمريكي لأن ذلك من شأنه أن يثير ذكريات مريرة لسنوات قمع وغزو القوى الأجنبية للصين. ربما آن الأوان لكي تعيد الولايات المتحدة النظر في استراتيجياتها تجاه الصين.