مؤشرات النمو تسجل تراجعاً في حلب عشرات الخطط والبرامج ما زالت حبراً على ورق.!
“البعث الأسبوعية” ــ معن الغادري
تغيب التشاركية والتكاملية بين مختلف الجهات المعنية في حلب لاستكمال الخطط والمشاريع الحيوية والاستراتيجية في إطار مشروع إعادة الإعمار والبناء، ولعل التأخر في إنجاز الجزء الأكبر من الدراسات التفصيلية لمجموعة من المشاريع الحيوية والتنموية (نذكر منها على سبيل المثال: “المخطط التنظيمي الجديد لمدينة حلب، ومشروع تحسين وسط المدينة، ومعالجة العشوائيات، وحل قضية الأبنية الآيلة للسقوط)، أثر سلباً على مردودية العمل والإنتاج في الكثير من القطاعات، وخاصة القطاعين الاقتصادي والسياحي، إضافة إلى القطاع الخدمي الذي من شأنه أن يشكل البيئة والركيزة الأساسية لإطلاق هذه المشاريع، بغية إحداث نقلة نوعية في المشهد العام لمدينة حلب، وعلى نحو يعيد رسم خريطة المدينة العقارية والاقتصادية والسياحية والتنموية برؤى وملامح جديدة تواكب الحداثة المطلوبة، وتنسجم وتتناغم مع متطلبات واحتياجات المرحلة الراهنة والمستقبلية، وبما يحقق في المحصلة نهضة تنموية شاملة تسهم في تدعيم ركائز البناء المجتمعي بأشكاله وأبعاده كافة.
شراكة غائبة
الملفت في محركات هذا المشروع “الوطني بامتياز” عدم جدية الخطوات المتخذة، وطبيعة الشراكات غير المتوازنة بين مختلف الجهات المعنية، وهو ما يعكسه واقع تشتت الطاقات والإمكانات المتاحة، ما أدى كنتيجة طبيعية إلى تراجع ملحوظ في مؤشرات النمو والإنتاج، وترك الكثير من التساؤلات حول مصير الخطط والبرامج التي باتت بحاجة إلى إعادة نظر وتحديث لمفردادتها وتفاصيلها ومحدداتها، تماشياً مع المتغيرات اليومية والمستجدات الطارئة على الكلف، والناتجة عن التغير اليومي في أسعار الصرف، ناهيكم عن صعوبة تأمين أدوات العمل والإنتاج بعد تشديد الحصار الاقتصادي على سورية من خلال ما يسمى بـ “قانون قيصر”، ما يعني أن معظم الملفات المستعجلة، وغيرها، سيبقى عالقاً وإلى أجل غير مسمى، وهو ما سيواجه مشروع البناء الاستراتيجي الموعود من قبل الحكومة، كمرحلة ثالثة ونهائية، لطي صفحة ما أفرزه الإرهاب في حلب المزيد من التعثر والفشل.
تحديات كبيرة
ندرك صعوبة المهمة وحجم التحديات، مقارنة مع ما هو متاح من إمكانات متواضعة لإنجاز المطلوب، وفي مختلف الجبهات والميادين، ولكن يبقى الرهان قائماً على مدى حسن تنظيم العمل وإدارة المشاريع ومسابقة الزمن وحسن توظيف الإمكانات والدعم المتاح ضمن مسارات متوازنة، ووفق رؤى وخطط وبرامج قابلة للتجديد والتنفيذ، تؤدي في المحصلة إلى حلول نهائية وجذرية، وليست إسعافية لمجمل الملفات الشائكة، خاصة ما يتعلق منها بمناطق السكن العشوائي، والبالغ عددها 24 منطقة، إضافة إلى الأحياء والمناطق المتضرّرة جراء الإرهاب والأبنية المتصدعة والآيلة للسقوط، والتي تشكل التحدي الأكبر أمام الجهات المعنية، وتحديداً مجلس المدينة المعني قبل غيره بإزالة خطر هذا الملف الذي ذهب ضحيته عشرات المواطنين الأبرياء خلال السنوات الثلاث الماضية.
بطء في التنفيذ
معظم المشاريع الحيوية المقررة والمنظورة تعاني من مشكلات فنية وتقنية، ومن صعوبات التمويل ونقص الآليات، والعديد من المشاريع توقفت في مراحلها الأولى من انطلاقها للأسباب ذاتها، ولأسباب أخرى تتعلق بطبيعة الدراسات غير المتوافقة مع آليات العمل التنفيذي ومع الإمكانات والطاقات البشرية على وجه التحديد، خاصة على مستوى تحسين البنية التحتية من تأهيل وصيانة شبكات الكهرباء والمياه والصرف الصحي في المناطق والأحياء المتضررة والأكثر حاجة وكثافة، يضاف إلى ذلك ما يشوب العمل المؤسساتي من أخطاء وترهل وتقصير وضعف ناتج عن سوء الإدارة وعدم التعاطي الحازم مع حالات الفساد المستشرية، والتي تشكل السبب المباشر وراء تعطيل العمل وزيادة الهدر وتضييع الوقت والفرص المتاحة للإقلاع بالمشاريع المتعثرة والمتوقفة، ما يستوجب على المعنيين وأصحاب القرار في المحافظة إعادة النظر كلياً بمفردات العمل الفني والإداري، وإسناد المهام لأهل الخبرة والاختصاص، بالتزامن مع تفعيل وتشديد آليات العمل الرقابي، وبما يضمن تصحيح مسارات العمل، ويسرّع من مراحل الإنجاز وفق المعايير والقياسات الموضوعة وضمن المدد الزمنية المحددة، بعيداً عن سياسة الترقيع المتبعة في بعض مفاصل العمل الخدمي على وجه التحديد.
رؤية غير واضحة
مشروع وسط المدينة يعد واحداً من أهم المشاريع الحيوية والاستراتيجية ونقطة الارتكاز الأساسية للبدء في رسم معالم حلب الحديثة والمتطورة، وبما يتماهى مع جديدها وقديمها، كما تكمن أهمية إنجاز هذا المشروع في أنه يحقق التوازن المطلوب في جدوى الخطط والاستراتيجيات على مستوى مدينة حلب بشكل عام، وفي كافة المجالات والمحاور الخاصة بالتنمية المستدامة وفق رؤية شاملة تحقق الاستقرار والتوازن في الجوانب السكنية والاقتصادية والصناعية والاستثمارية والاجتماعية.
والسؤال الذي يفرض نفسه: إلى أين وصلت مراحل هذا المشروع، وما هي الأسباب التي أدت إلى تعثره وتوقفه في معظم أجزائه؟ مجمل هذه الأسئلة لم نلق الإجابات الشافية لها من قبل القائمين عليها، ويبقى هذا الملف معلقاً وشائكاً لحين حلحلة عقده لينضم إلى غيره من المشاريع التي مضى عليها عشرات السنين دون أن ترى النور.
وما ينسحب على هذا المشروع ينسحب على مشروعي سوق الهال وتنظيم العشوائيات والمتنزهات الشعبية والمشاريع السياحية التي تم لحظها ضمن الخطط الحكومية، وتم التصديق عليها في ملتقى الاستثمار السياحي الأخير، وما زالت على الورق، بالإضافة إلى مشروعي مدينة المعارض والسوق المشتركة.
هروب من المسؤولية
بالرغم من كل التعاميم والقرارات والبلاغات الحكومية التي تؤكد على ضرورة التعاون مع الإعلام الوطني وتزويده بالمعلومات والأرقام لتدعيم المواد الصحفية لتحقيق الحيادية والشفافية والرسالة المطلوبة من الإعلام، نجد في حلب صعوبة بالغة لتحقيق هذه المعادلة بسبب امتناع معظم المعنيين عن الإدلاء بأي تصريح، أو إعطاء أي معلومة، دون حصولهم على إذن مسبق، وغالباً ما يأتي الجواب بالرفض أو التهرب. وفي الواقع، حاولنا غير مرة البحث عن إجابات عن مجمل الأسئلة والاستفسارات التي وردت في التقرير دون جدوى، ولا ندري أهو هروب المعنيين من المسؤولية؟ أم أنه تخوف من أن يتعرضوا لعقوبة من رؤسائهم، كما حدث مع أحد الذين استضفناه سابقاً، وتحدث بجرأة وبالأرقام عن واقع العمل الخدمي المترهل، إذ قامت الدنيا عليه ولم تقعد، وهو السبب المباشر الذي دفعنا لاستطلاع آراء البعض دون ذكر أسمائهم بناء على رغبتهم وطلبهم.
وبناء على ما تقدم، استكملنا تحقيقنا الصحفي بلقاء عدد من المختصين والمهتمين دون ذكر أسمائهم، فكان الإجماع على أن أحد أهم أسباب توقف وتعثر هذه المشاريع هو غياب المنهجية في العمل وعدم تحديد الأولويات وبما يراعي الحاجة والظروف والإمكانات.
ويوضح أحد العاملين في مجلس المدينة أن الحكومة واللجنة الوزارية المشرفة على حلب قدمت كل الدعم الممكن لاستكمال مشروع إعادة الإعمار، ورصدت الميزانيات الكافية لإنجاز المشاريع. وعلى سبيل المثال لا الحصر، تم رصد مبلغ 10 مليارات ليرة على دفعتين لإنجاز المخطط التنظيمي الجديد للمدينة، وحل معضلة المناطق السكنية العشوائية والمخالفة، وحتى الآن لم ينفذ سوى 3 طرق في منطقة الحيدرية، وبقيمة مليار ليرة، والشروع بإنشاء مباني سكنية في أمكنة غير مأهولة ضمن المنطقة، بينما كان يجب أن تكون الأولوية للمناطق المأهولة والمعرضة للخطر، كون قانون التطوير العقاري والعمراني يقع على عاتقه تحسين المواقع المأهولة وتأمين مساكن مناسبة وآمنة للإيواء، وكان الأجدى الاتجاه نحو مناطق أهم، كحيي الصالحين وصلاح الدين، كمرحلة أولى لإزالة الخطر المحدق بالأهالي نتيجة تصدع الأبنية وعدم استيفائها لشروط السلامة العامة.
ويضيف المهندس المختص أن حلب خسرت الدفعة الثانية من مبلغ العشرة مليارات كونها لم تنجح حتى اللحظة في إنجاز المراحل المتبقية من المخطط التنظيمي، والمطلوب الانتهاء من الدراسات التفصيلية، وإعادة النظر كلياً بالخطط الموضوعة وذلك حسب الأهمية والأولويات.
وما ينسحب على المخطط التنظيمي – يقول المهندس المختص – ينسحب على معظم المشاريع الأخرى، ومنها مشروع تحسين وسط المدينة وسوق الهال في العامرية، ومنتزه المحلق الجنوبي الذي توقف بعد أن بدأت مرحلته الأولى، مبيناً – وفقاً لاطلاعه وما يملكه من معطيات – أن السبب الرئيس في تراجع مؤشر العمل والمردود في معظم المشاريع يعود لوجود أخطاء فنية وتقنية في الدراسات والتنفيذ.
أخيراً
بالعودة إلى ما أشرنا إليه مراراً وتكراراً حول العديد من الملفات الخدمية الملحة، نجد أن الصورة لم تتغير، وربما باتت أسوأ مما كانت عليه، لناحية الواقع الخدمي غير المرضي وعدم الاستجابة لمتطلبات واحتياجات عودة نبض الحياة لعدد كبير من الأحياء، بالإضافة إلى مجموعة الأزمات والمشكلات المزمنة والمستعصية، والتي تؤرق وترهق المواطنين يومياً. ونعتقد أن الجزء الأكبر من المسؤولية يتحمله مجلس المدينة وشركاؤه والمؤسسات والشركات الإنشائية، والمطلوب منهم أن يكونوا أكثر فاعلية وإيجابية، وتقديم رؤية واضحة حول خططهم وبرامجهم الآنية والمستقبلية، وتغيير اتجاه بوصلتهم نحو الأحياء المتضررة، وأن يكون العمل أكثر جدية ويساعد على حل المشكلات والأزمات الملحة والمستعجلة، والمطلوب أيضاً إجراء مراجعة دقيقة لعمل المديريات الخدمية والتدقيق في المشاريع المنجزة، والتي ما زالت قيد الإنجاز، والتحقق من جودة العمل، ووضع نواظم جديدة لآليات العمل الفني والإداري وضبط آلية الإنفاق والمصاريف، واعتماد صيغ جديدة للمحاسبة يكون فيها الجميع تحت المساءلة دون استثناء.